لكل السوريين

طلابٌ جامعيون يحملون على عاتقهم إعادة أحياءِ طقوسٍ رمضانية تناساها الناس

حلب/ خالد الحسين 

يجلس ‘عدنان السيد ‘ وهو طالب سنةٍ أولى في كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم اللغة العربية بجامعة حلب مع مجموعة من أقرانه ينتظرون موعد أذان المغرب في ساحة السكن الجامعي حاملين بهذه الجلسة رسالة مفادها سنحيي طقوس رمضان ولو كنا بعيدين عن أهلنا.

” بالنسبة لي اختلفت أجواء وطقوس شهر رمضان هذا العام كثيراً فهذا العام أنا بعيدٌ عن أسرتي التي تسكن في ريف مدينة الرقة الشرقي ، ولو أردنا المقارنة بين طقوس رمضان بين الماضي والحاضر هناك مفارقة كبيرة بينهما فبالدرجة الأولى اجتماع الأسرة على مائدة الإفطار أصبحت حلماً بعيد المنال بالنسبة لأسرتنا بعد هجرة أشقائي ‘ قحطان ومروان ‘ إلى أوربا ووفاة أختي الصغيرة ‘ مها ‘ في الحرب التي دارت رحاها في مدينة الرقة ، أما اليوم فقد اعتبرت هؤلاء الشبان هم أسرتي وسنتحدى الظروف التي ابعدتنا عن ذوينا وسنمارس طقوسنا الرمضانية وكأننا في الرقة ، اخترنا المكوث في منتصف ساحة السكن الجامعي حتى نبين للجميع قيمة العمل الذي نصبو أليه ” هذا ماقاله عدنان السيد في حديثه ل ( السوري ) .

قبل الإمساك بحوالي ساعة يجوب عدنان غرف السكن الجامعي معلناً عن بدء وقت السحور محاكياً بذلك عمل ‘ المسحر ‘ ويقول :” أحس بنشوة شديدة وشعور مختلف عندما أقوم بإيقاظ زملائي عند اقتراب وقت الإمساك وهذا الأمر يجعلني مرتاحاً رغم الظروف السيئة التي نمر بها “.

يستغرق عدنان في إعداد وجبة الإفطار حوالي الساعتين على حد تعبيره بمساعدة من رفيق سكنه ‘ اسماعيل عطا الله ‘ وهو أيضاً من أهالي مدينة الرقة والتي سكنها والده بعد هجرته من بلدة السخنة في خمسينات القرن الماضي ومن الأطباق شبه اليومية التي يعدونها ‘ الشوربة ‘ و’ المقالي ‘ و ‘ الجيكة ‘  بالإضافة لسلطة الخضار أما العيران والتمر فلا يغادران المائدة نهائياً .

يستذكر عدنان هو ورفاقه العشرينين طبق ‘ الحنيني ‘ المييز في شهر رمضان والذي يتكون من التمر المطبوخ بالسّمن العربي ويقول :” طبق الحنيني من الأطباق المميزة جداً على سفرة سكان وادي الفرات في رمضان فهي تتكون من التمر والسّمن العربي الأصلي وهذه المكونات مفيدة جداً لجسم الإنسان وتعوض الكثير من المواد التي خسرها الجسم خلال فترة الصيام “.

أما اسماعيل عطا الله فقد وصف لذة المشروبات الرمضانية في مدينة حلب حيث قال :” تعد مدينة حلب الرائدة على مستوى سوريا في تصنيع المشروبات الرمضانية مثل مشروب التمر الهندي وهو عبارة عن مشروب نتج عن نقع التمر الهندي لمدة ٢٤ ساعة بالماء أما العرقسوس فيعد المشروب الأكثر إقبالاً في حلب ، وطريقة صناعته تكون عبر طحن عيدان العرقسوس وترطيبها بالماء وإضافة خميرة خاصة لها ومن ثم تنشف على الشمس وتلف بقطعة من القماش ويبدأ بائع السوس بسكب الماء على هذه القماشة بشكل متكرر حتى تصبح جاهزة للشرب ، وفي النهاية مشروب ‘ الجّلاب ‘ و الذي يتكون من محلول التوت الشامي ، هذه المشروبات الأكثر شهرة في حلب ولا تكاد تخلو أي سفرة رمضانية منها رغم غلاء الأسعار الذي طرأ عليها “.

قبل وقت الإفطار بدقائق سكب ‘ سليمان العلي ‘ كمية تكفي لشخصين من طبق الحنيني وذهب بها لأصدقائه في الوحدة الثانية أحياءً منه لأحد أهم الطقوس الرمضانية في بلاد الشام ككل وقال واصفاً :” تبادل  وجبات الإفطار في شهر رمضان من أقرب الطقوس الرمضانية على قلبي حيث يزيد من صلة الرحم والمقاربة بين الجيران ويبعث على نوع من المساواة بين الغني والفقير فالغني يأكل مما يأكله الفقير والفقير يأكل مما يأكله الغني ومن الطقوس الرمضانية الأخرى كثرة التعبد إلى الله من تلاوة للقرآن وإقامة صلاة التراويح جماعةً بعد العشاء “.

وأضاف :” لم يمنعنا البعد عن مدينتنا من ممارسة طقوسنا الرمضانية بل بالعكس زادنا إصراراً على تصدير ثقافتنا لمن يجهلها من زملائنا “.

عزم ‘ حسان الخلف ‘ على إقامة وليمة للإفطار بمساعدة أصدقائه في نهاية العشر الأواخر من رمضان ومن المقرر أن يدعو عليها كل الشبان الصائمين في السكن الجامعي وعن فكرة إقامة الوليمة قال حسان :” نحاول استرجاع العادات والطقوس التي كنا نمارسها في مدينتنا والتي كان أبرزها وليمة رمضان وتكون بسكب المرقة واللحم على الخبز حتى يتكون ما يسمى ‘ الثريد ‘ ويقدم بصوانٍ نحاسية يزيد قطرها عن المتر ونصف المتر “.

وعن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضروات قال حسان :” نعاني كما يعاني ٩٠ بالمئة من سكان مدينة حلب وسوريا بشكل عام من غلاء أسعار المواد الغذائية والخضار فقد وصل سعر كيلو البندورة ل ٤٥٠٠ ليرة سورية أما الخيار فقد تعدى سقف ال ٥٠٠٠ ليرة سورية والبطاطا حوالي ال ٢٠٠٠ ليرة سورية “.

هذا وتعتبر الطقوس الرمضانية متشابهة في كل المدن السورية ولو أردنا المقارنة بين الماضي والحاضر سنجد أنه انقرض جزء كبير منها.