لكل السوريين

العنف ضد المرأة وآثاره الاقتصادية والاجتماعية والثقافية

على الرغم من زيادة الجهود المبذولة في مكافحة ظاهرة العنف ضد المرأة، فإن اقتلاع جذورها نهائياً ما يزال يحتاج إلى المزيد من الجهود. هناك صورٌ كثيرة للعنف ضد المرأة، ولكل منها آثاره المدمرة. والمثير للقلق أنه، مع أن العنف ضد المرأة يحصل بمعدلات أعلى داخل المنزل، إلا أنه يُرتِّب أعباءً اقتصادية على عاتق النساء والأسر والمجتمع ككل، مما يجعله شاغلاً عاماً. ويؤدي العنف ضد المرأة الى انقطاع المرأة المعنفة عن العمل، والخدمات الصحية والقانونية والاستشارية المقدمة لها، وأعباء الإيواء في مراكز الرعاية، والعوائد الضائعة بسبب الوفاة وفقدان الإنتاجية، وفقدان الوظائف.

وتعزيزاً لهذا التحول المهم المتمثل في الاعتراف بأن العنف ضد المرأة مشكلة عامة تضر بالمجتمع ضرراً جسيماً، وهو ما يمثل جريمة عامة لا تقل في جسامتها عن الإضرار بالمال العام. والغريب أنه في عدد من المناطق، هناك من لا يزال يتصور أن العنف ضد المرأة قضية تقع ضمن الحيز الخاص وأنها ليست قضية عمومية. لكن المرأة التي تعرضت للعنف وأسرتها، سيظهر انها قضية عامة تهم الدولة والمجتمع وليس أمراً خاصاً أو يُدار في الحيز الخاص. ويترتب على ذلك أنه سيكون لزاماً على الدولة أن تسارع لصياغة خطط وقائية لتقليص هذا العنف إلى أقصى مدى ممكن وصولاً إلى إزالته، لأن هذا العنف يمثل جريمة عامة لا تقل في جسامتها عن الإضرار بالمال العام.

إن معاناة المرأة المعنفة أمرٌ لا يمحوه من وجدانها أو وجدان أبنائها مُضي السنوات. لابد أن يكون واضحاً أن الأعباء والخسائر المتحققة لا تمثل بحال من الأحوال تقييماً لمعاناة النساء جراء العنف. كما لا يجب أن يتبادر إلى الذهن أن الجبر المادي لبعض الضرر الواقع على المرأة نتيجة العنف يزيل أثر العنف من وجدان المرأة، أو يبرئ ذمة من يمارس العنف ضدها.

أن العنف ضد النساء ظاهرة اجتماعية ذات تداعيات اجتماعية وثقافية وانسانية، وهو ما يترتب عليه وجوب استمرار حضور البعد الإنساني والاجتماعي. إن لموضوع العنف ضد النساء أبعاد عديدة، منها الاجتماعي، والنفسي، والصحي، والاقتصادي، والقانوني. وكل بعدٍ من هذه الأبعاد له مستوى كلي أو عام ومستوى خاص أو فردي. وضمن البعد القانوني مثلاً، هناك ما هو متصل بالجانب الإجرامي والعقاب، وما هو متصل بالإجراءات الجنائية. وهكذا، فإن العنف ضد المرأة هو موضوعٌ مركب تَجمع بين أبعاده علاقةٌ متكاملة. ولا يجب اختزال المعاناة الاجتماعية التي تتعرض لها النساء، أو الإيحاء بأن المال هو وسيلة محو أثر العنف.

وذلك ما يؤكد على ضرورات بناء سياساتٍ واستراتيجيات ثقافية وقانونية ترتكز على مبادئ رصينة وواقعية للقضاء على ظاهرة العنف ضد النساء. لكن بناء هذه السياسات يجب أن يكون جزءاً لا يتجزأ من حزمةٍ من الجهود الوطنية المتكاملة، مثل تنفيذ التعديلات الدستورية والقانونية اللازمة في هذا الصدد، وصياغة استراتيجيات وطنية وبرامج توعية، تسهم في تقليص منسوب هذا العنف تقليصاً حقيقياً، وبشكل تراكمي.

انعام نيوف