لكل السوريين

الجولة الأخيرة لعربدة السلطان

تم إختيار الفاشية التركية لتكون رأس الحربة في إعادة بناء الشرق الأوسط الكبير، واعتقدت الذهنية الفاشية الحاكمة أن تلك فرصة تاريخية لإستعادة مجد الأجداد وتأسيس إمبراطورية شاسعة تتحكم برقاب شعوب المنطقة كما كانت تمتد في شمال أفريقيا وغرب آسيا وشرق أوروبا وتطرق أبواب وسطها، وتحقيق الإنفتاح الجديد إلى أواسط آسيا. هكذا كان الحلم العثماني الجديد في بدايات القرن الحادي والعشرين.

القوى التي خططت وتنفذ مشروع الشرق الأوسط الكبير هيأت الأجواء لرأس الرمح ليقوم بمهامه في شمال أفريقيا ولكن عندما شعرت بأن الفاشية تعمل بشكل مختلف، بدأت بتعديل خططها مع الوصول إلى سوريا، ثم تدخلت قوى أخرى لم تكن ضمن المخطط المحسوب، مما دفع كل القوى إلى إعادة النظر في برامجها ماعدا السلطان العثماني الجديد الذي انكشفت نواياه وبرنامجه، ولم يبق أمامه سوى اللجوء إلى المكائد العثمانية الشهيرة بالمناورة على الأطراف والإيقاع بين الشعوب والمكونات في المنطقة عامة، والتظاهر لدى قوى الهيمنة بأنه قادر على التحكم برقاب جميع المكونات بالعنف حيناً والإغراء حيناً آخر. وحاول إفتعال أزمات إقليمية في ليبيا والبلقان وشرق المتوسط وقبرص والقوقاز ولكن القوى الأخرى كانت له بالمرصاد، وخلال كل ذلك اندثرت أحلامه الكبيرة، ولم يبق أمامه سوى التمسك بحلمه في القضاء على الشعب الكردي لديه في تركيا، بل وكل المنطقة.

عندما وجد السلطان أن أحلامه تذوب تدريجياً وأعوانه الذين كانوا إلى جانبه بدأوا يفكرون بشكل مختلف، بدأ بتعزيز صفوفه في الداخل بإقامة تحالف حرب يتألف من حزبه العدالة والتنمية وحزب الحركة القومية وتنظيم أرغنكون وتوابعه الذين ارتكبوا كل أشكال الحرائم والإغتيالات وتجارة البشر والمخدرات وأفرج عمن كانوا في السجون، وتأسيس جيش مرتزقة على شاكلة “بلاكووتر” الأميريكي أو “فاغنر” الروسي أسماه بـ”سادات”. وبدأ بتنفيذ مخططه الجهنمي الرامي إلى إبادة الشعب الكردي على غرار ما فعله آباؤه بشعوب الأرمن والسريان والبونتوس والروم. وقام بإحراق القرى وقتل المدنيين والساسة وإرغامهم على الهروب إلى الخارج وإعتقال من وصلت إليه أياديه بمن فيهم المنتخبون لرئاسة البلديات والبرلمان، فالآن يتحدثون عن عشرين ألف معتقل من حزب ديموقراطية الشعوب بمن فيهم صلاح الدين دميرتاش وفيغان يوكسكداغ الرئيسان المشتركان للحزب. ثم استصدر القانون الذي يسمح له بالغزو الخارجي، وبموجبه بدأ حربه بهدف إحتلال الجنوب ولا زالت محاولات غزوه جارية حيث يتكبد خسائر كبيرة ولا يتردد في إستخدام الأسلحة المحظورة دولياً بما فيها الكيميائية.

أما في سوريا فقد تخلى عن الصلاة في الجامع الأموي وكذلك تخلى عن إسقاط “أخيه بشار الأسد” ولم يبق لديه من أحلام سوى القضاء على الشعب الكردي في الشمال السوري. ولكن الشعب الكردي في سوريا إستطاع توثيق علاقاته مع المكونات الأخرى في سوريا لتأسيس إدارة ذاتية ديموقراطية ومنظومة دفاعية تسمى وحدات حماية الشعب، ونظراً لذلك باتت جميع المكونات المشاركة مع الكرد عدوة للسلطان. فقام بمكائده المعروفة بمقايضات ضمن وخارج سوريا أسفرت عن إحتلال عفرين ثم تل أبيض ورأس العين. ويبدو أن كل ذلك لم يشف غليله وبدأ بالتخطيط لمغامرات جديدة لتوسيع إحتلاله، وبدأ بشن حملة حرب نفسية تهدف إلى إحباط العزائم وبث الإرهاب والفتن على الشعب بجميع وسائله الإعلامية ونشر الأخبار الكاذبة من جانب. والتوسل إلى القوى الفاعلة في الشأن السوري للحصول على ضوء أخضر تسمح له بالغزو وتمرير مكائده التي باتت معلومة لدى الجميع.

هناك أمور يجب أن يدركها الجميع وهي أن هذه المناطق لها أصحابها الذين يدافعون عنها، وهؤلاء هم الذين دافعوا عن عفرين لثمانية وخمسين يوماً في مواجهة جميع الأسلحة الفتاكة من ترسانة الحلف الأطلسي. واليوم الحلف الأطلسي لايعطي الضوء الأخضر للغزو. وأصحاب الأرض هذه دافعوا عن راس العين وتل أبيض إلى أن تدخلت كل من روسيا والولايات المتحدة لوقف إطلاق النار مع أنهما كانا قد أعطيا الضوء الأخضر للغزو، وهما إلى الآن لم يعطيا الضوء الأخضر. ومن الجانب الآخر كانت كل المكونات جنباً إلى جنب للدفاع عن الإحتلالات السابقة وباتت تدرك أنها جميعاً مستهدفة ولهذا فهي ستستميت للدفاع عن كرامتها وحريتها ولا تريد أن تحيا ما تراه في المناطق المحتلة. ثم إنها أصبحت تمتلك خبرة عريقة في مقارعة العدو التركي والكونترا التابعة لها.

الأوضاع الداخلية في بلاد السلطان تشهد زلزالاً يكفي لتحطيم عرش السلطنة، بينما التحالف الذي أسسه السلطان في الداخل مثاله مثال مصاص الدماء محتاج إلى الدماء ليحيا، بينما أبواب الغزو باتت مغلقة أمامه. ولهذا سنشهد إنهيار ذلك الحلف قريباً ومن ثم زوال السلطان، وشعوب تركيا باتت تفكر في كيفية التخلص من السلطان وما بعده.