لكل السوريين

ملاحظات حول مؤتمر الجزيرة والفرات

في الفترة ما بين ١١ أيلول و٣ نوفمبر عُقدت ثلاث عشرة ندوة في مختلف مناطق شمال وشرق سوريا، بهدف الوصول لمؤتمر يضم ممثلين عن أبناء إقليمي الجزيرة والفرات، وحضرتها شخصيات اجتماعية وسياسية غير منخرطة في هياكل مشروع الإدارة الذاتية، ومختلفة مع مشروع الحل السياسي الذي يتخذه مجلس سوريا الديمقراطية، وتركزت النقاشات حول مسألتان أساسيتان هي (الوضع السياسي – الإدارة الذاتية) وفي محصلة تلك الندوات تم الوصول إلى توافقات ليصار إلى عرضها كورقة عمل في مؤتمر أبناء الجزيرة والفرات.

رغم أهمية الندوات إلا أن الإعلام المحلي والعربي والدولي انشغل عن مراقبة ومتابعة مجرياتها عن كثب لأسباب عديدة منها.

عدم توفر وسيط ذو هوية دولية، فالندوات كانت بمبادرة من “مسد” وإذا أخذنا في الحسبان أن القضية السورية قد تم تدويلها فإن أي مبادرة بمعزل عن التدويل سوف لن تجذب الاهتمام الدولي، ورأينا كيف أن مبادرة الحوار الكردي -الكردي قد لقيت اهتماما واسعاً بسبب توفر الوساطة الدولية.

تم عقد الندوات في مرحلة كان العالم منشغلاً فيها بمتابعة الانتخابات الأمريكية والمنافسة التاريخية بين المرشحين.

انشغال الإعلام المحلي بتغطية اخبار الحملة العسكرية التركية على المناطق الحدودية في إقليم كردستان العراق، والقلق الكبير من احتمال نشوب تقاتل كردي داخلي هناك وما قد يسفر عنه من نتائج كارثية على عموم المنطقة.

ورغم هذه العوامل المهمة غير المساعدة إلا أن جدية المبادرة مكّنت “مسد” من جذب الانتباه، سيما بعدما أعلنت رئيسة الهيئة التنفيذية عن مبادرة مسد لإجلاء عوائل تنظيم داعش والنازحين من مخيم الهول، حيث كانت هذه المبادرة استجابةً لمطالب وجهاء عشائر وشخصيات سياسية من المشاركين في الندوات، وتم الاتفاق على أن يشمل الاجراء من لم يشتركوا في أعمال قتالية وعنف ضد السوريين.

كذلك فإن التوجه لإصدار عفو عام عن السوريين في سجون الإدارة الذاتية كان خطوة مهمة لبناء الثقة بين الإدارة الذاتية والمجتمعات التي تضررت من سيطرة تنظيم داعش، ولقي قرار العفو صدىً كبيراً في الأوساط الاجتماعية في المناطق المحررة من سيطرة التنظيم، كما استقبل باهتمامٍ كبيرٍ من جهات إعلامية وسياسية دولية.

إن ما تم تداوله في ثلاثة عشر ندوة لا تتم مناقشته في محافل سورية على الصعيد السياسي أو على صعيد تقييم الإدارة الذاتية وأداء مؤسساتها، والتناول الشفاف لكل مظهر من مظاهر الفساد في المجتمع، وباعتقادي فإن هذه الحالة تستوجب مسؤوليات مختلفة تقع على كاهل كل سوري مؤمن بالتغيير الديمقراطي لجهة مساندة هذا الميل للانفتاح من قبل “مسد” والانخراط بشكل أوسع في حوارات وطنية جادة تؤسس لبناء رؤى مشتركة للحل الوطني في سوريا.

كذلك فإن المسؤولية التي سيتحملها “مسد” باتت أكبر لناحية اتخاذ جوهر هذه النقاشات وتأطيرها ضمن خطة عمل يلزم متابعتها وتطبيق ما أنتجته تلك الحوارات في صيغة بيان ختامي صدر عن المؤتمر الوطني لأبناء الجزيرة والفرات والذي عُقد بتاريخ ٢٥ نوفمبر ٢٠٢٠.

ملاحظات عامة حول المؤتمر

إلى جانب شيوخ ووجهاء العشائر فقد شارك ممثلو طيف سياسي واسع من أبناء المنطقة إضافة إلى أن ممثلي قوى وطنية سياسية سورية شاركت أيضاً عبر تقنية الزوم نذكر منهم قدري جميل، خالد المحاميد، عماد الدين اللجي ومحمد شبيب.

تم اختيار مدينة الحسكة كون توسطها الطرق بين أقصى الجزيرة والرقة ودير الزور، إلا أن القاعة التي عقد فيها المؤتمر لم تكن بالمستوى المطلوب من الناحية اللوجستية، الأمر الذي أثر بشكل سلبي على انطلاقة المؤتمرين وحماستهم نتيجة تقطع متكرر في إنارة القاعة وأخطاء تقنية في معدات الصوت، ما اضطر إدارة المؤتمر لتعليق الجلسة الافتتاحية إلى حين تدارك تلك العثرات.

قامت اللجنة التحضيرية بوضع مقاعد الضيوف في الصفوف الأمامية وكان المقصود بذلك المشاركين في المؤتمر كممثلين عن مناطق الدير والرقة ومنبج وكوباني وعموم القادمين من خارج الجزيرة، لكن ممثلي بعض مؤسسات الإدارة وممثلي أحزاب سياسية في الجزيرة لم يوفقوا في تقديرهم وملؤوا تلك المقاعد ليبقى معظم الضيوف المعنيون في المقاعد الخلفية، مما أعطى انطباعا أولياً بأن “مسد” يحاور نفسه وهذا ما لا يعبر عن حقيقة تركيبة أعضاء المؤتمر كما هيئ أيضاً المناخ المناسب لهواة التصيّد.

عطفاً على الملاحظة السابقة فإن ممثلي قوات سوريا الديمقراطية لم يحظو بمقاعد أمامية واضطروا للجلوس في أماكن منفصلة رغم جدارتهم بتقدم الصفوف، ورأينا كيف أنهم تصرفوا بمسؤولية وتواضع مع الموقف.

كان المؤتمر مفتوحاً أمام الإعلام رغم وجود آراء دعت لإغلاقه، وهذه تسجل لإدارة المؤتمر مع التذكير بأن الندوات الثلاثة عشر كانت أيضاً مفتوحة أمام الإعلام.

فيما يتعلق بالحل السياسي فإن الآراء اختلفت حول تفسير القرار الأممي ٢٢٥٤ ومضامينه، القرار الصادر في ١٨ ديسمبر ٢٠١٥ وهو آخر القرارات الأممية التي رسمت وحددت أسس الحل في سوريا ولعل أهم نقطتين تضمنهما هذا القرار ولم يتم الالتزام بهما حتى الأن كمقدمات ضرورية واساسية لتطبيق صحيح للقرار هي ما ورد في مقدمته حول “جمع أوسع نطاق ممكن من أطياف المعارضة باختيار السوريين الذين سيقررون من يمثلهم في المفاوضات ويحددون مواقفهم التفاوضية”.

وأيضاً الفقرة “٤” من القرار والتي تنص على” إقامة حكم ذا مصداقية يشمل الجميع خلال ستة أشهر وصياغة دستور جديد ثم إجراء انتخابات نزيهة وفقاً للدستور الجديد وتحت إشراف أممي”.

ومع عدم الوصول لإحراز قرارات متقدمة بديلة ذات صلة بالمرجعيات الدولية يبقى القرار ٢٢٥٤ أحد أهم قرارات الشرعية الدولية رغم التضييق المستمر عليه عبر مسارات عديدة أخرى حتى أن الممثلين الأمميين لم ينجحوا في الالتزام بتطبيق مضامينه وتعثرت مختلف محاولاتهم لتنفيذه عبر تدوير الزوايا وكانت أبرز تلك المساعي “سلال ديمستورا الأربع” والتي استنفدت دون جدوى كل المدة التي أمضاها ديمستورا في موقعه إلى أن تنحى.

أقر المؤتمر “متابعة الحوار مع الأطراف السورية المؤمنة بالحل السياسي الوطني والتغيير الجذري الديمقراطي دون استثناء” وهذه الفقرة تجيب على تساؤلات كثيرة يتم طرحها لجهة أن هناك أطراف لم تشارك في المؤتمر أو امتنعت عن المشاركة رغم توجيه الدعوة لها، حيث المؤتمر ليس المسار الوحيد والنهائي للحوار إنما مسارات الحوار متعددة ولا تنتهي ولابد من الاستمرار في الحوار كمنهج لمعالجة مختلف القضايا الخلافية.

وردت أيضاً فقرة حول “التحضير لانتخابات محلية في مناطق الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية خلال مدة لا تتجاوز العام” ولم ترد الكثير من الآراء حول هذه الفقرة بل كان هناك اجماع على ضرورتها لكن لجنة المتابعة التي تم تسميتها من قبل المؤتمر ستتحمل مسؤولية كبيرة من حيث دراسة إمكانية نجاح أي عملية انتخابية وفقاً لظروف كل منطقة وأيضاً لناحية تهيئة المناخات المناسبة لنجاحها.

إن اتخاذ قرار “إعادة هيكلة مؤسسات النظام الاداري لشمال وشرق سوريا” يعني أنه من حيث المبدأ فكرة الإدارة في أذهان الناس ليست كما كانت في مراحل سابقة وأن سكان هذه المناطق يدركون أهمية ذلك، إلا أن الدعوة إلى إعادة هيكلة الإدارة يتجاوز مسألة الخدمات ويتجاوز قضية إصلاح المؤسسات الإدارية ويشتمل على بعد سياسي يتعلق بشكل وطبيعة الحوكمة القائمة في المنطقة.

إن أي مؤتمر يأخذ أهميته من الشخصيات المشاركة فيه لكن الأهم هي القرارات التي تصدر عنه ومتابعة وتنفيذ ما تم الاتفاق عليه، ومهم أن ضمت اللجنة إلى جانب الأعضاء المنتخبين كل من قائد قوات سوريا الديمقراطية إلى جانب الرئيسة المشتركة لمجلس سوريا الديمقراطية والرئيس المشترك للإدارة الذاتية مما يعني أن اللجنة لديها القدرة والإمكانية للبدء بالعمل على متابعة تطبيق قرارات المؤتمر.

الملاحظة الأخيرة هي بطاقة شكر وتقدير للإعلاميين الذين واكبو مجريات المؤتمر وملأ صخب حضورهم أرجاء القاعة وهي أيضاً دعوة لهم لمتابعة مخرجات المؤتمر وتنفيذ مقرراته.

أمجد عثمان