لكل السوريين

دمشق تركتها مرتعًا للإرهاب، وتركيا كرّست وجوده فيها.. “الرقة” نفضت غبار الإرهاب بسواعد أبنائها، وفتنٌ تحدّق بها

شكّل سيطرة إرهابيو داعش على الرقة في مطلع العام 2014 صدمة كبيرة ألقت بظلالها على كل المدنيين المتواجدين فيها، وباقي المدن التي كانت تحت سيطرة داعش، الصدمة فاجأت الكل، الفكر المتطرف بات الحاكم المطلق في مدينة كانت بالأمس القريب من أهدأ المدن السورية.

بعد تدعيم السيطرة عسكريا لجأ جباة التطرف والتشدد لحصد أي مظهر للمدنية والحضارة في الرقة، أُغلِقت مدارس المدينة وجامعاتها، ونُهبت مكاتبها، وأي شيء لا يتفق مع فكر داعش لاقى ذات المصير. أما النساء فحدّث ولا حرج، فقد كانت نساؤها يعشن مرارة الموت ببطء.

بعد أن كرّس وجوده فيها، بعد دعم تركي منقطع النظير بدأ مرتزقة داعش بخط مخطوطات تتحدث عن الدستور الجديد الذي يجب على من يعيش في أرض دولة الإسلام في العراق والشام على أن يُتّبع كمنهج وطريقة حياة يومية.

شهدت الرقة في ذاك الوقت بعض مظاهر الرفض الذي واجهها القمع الداعشي بأبشع الصور الوحشية، إلى أن باتت المدينة مدينة غربان أعتمها سواد التطرف، لتتحول لاحقا وفي ذات العام 2014 لعاصمة للدولة الإسلامية التي شكّلت عامل جذب للعديد من متطرفي العالم ومن مختلف الجنسيات.

الرقة التي تركتها الحكومة السورية تجابه ما تجابهه من إرهاب وجرائم تمارس فيها، لم تكن يوما تلقى اهتمام من قبلها، فمعارك الساحل والعاصمة كانت أكثر أهمية بالنسبة لدمشق، وداعش كان يصول ويجول كيفما شاء ووقت ما أراد.

داعش والمؤسسات

حاول مرتزقة داعش في تلك الفترة إلى جانب التدعيم الأمني والعسكري في الرقة إنشاء بعض المؤسسات التي تقوم بجباية الضرائب من السكان والتجار المحليين والوافدين للرقة، حيث أُنشئ ديوان للزكاة، ومتب للهجرة والعبور، وكانت البضائع التي تدخل إلى الرقة فقط عبر الدولار الأمريكي.

إضافة إلى ذلك، استفاد التنظيم من المبالغ الهائلة من تجارة النفط، حيث تحولت الرقة لعاصمة اقتصادية وعسكرية لمرتزقة داعش بعد إعلان إنشاء الدولة الإسلامية وحذف مصطلحي العراق والشام، بعدما اعتبر المرتزقة أن الحدود لم تعد حاجزا بين ولاياتهم في العراق وسوريا.

لم تدم هذه الأحوال طويلا، فمع إعلان قوات حماية الشعب وفصائل أخرى متحالفة معها تأسيس غرفة عمليات بركان الفرات بدأت أولى معارك تحرير الرقة من مرتزقة داعش، والتي بدأت بتحرير كل من مدينتي عين عيسى وتل أبيض في محاولة لفصل المرتزقة عن خطوط الدعم التركي الذي كان المصدر الرئيسي للأسلحة والمقاتلين الأجانب الذين يشكلون العمود الفقري لـ “الدولة الإسلامية” بسبب العقلية المتشددة لدى هؤلاء المقاتلين.

وفي منتصف العام 2015 أُعلِنَت كل من مدينتي عين عيسى وتل أبيض محررتين وخارج عباءة المرتزقة، ليشكلا لاحقا نقطة الانطلاق العملياتية نحو تضييق الخناق على مرتزقة داعش والذي سينتهي لاحقا بتحرير مدينة الرقة.

وبتاريخ العاشر من شهر تشرين الأول 2015 أعلنت قوات سوريا الديمقراطية عن تأسيس نفسها كقوة سورية تهدف لمحاربة وتحرير المناطق التي يسيطر عليها مرتزقة داعش، وإنقاذ السكان من بين أيديهم، وسميت العملية آنذاك بغضب الفرات.

سكان الرقة والحياة مع مرتزقة داعش

منذ بداية العام 2014 وحتى تحرير الرقة عاش سكان المدينة حياة غريبة ربما تعود بالذكريات لفترة هجوم المغول، فذات الوحشية وذات طرق القتل، أرهبت ممارسات الدواعش السكان في الرقة عمليات القتل والصلب وقطع الرؤوس باتت مشاهد شبه يومية، لكن لم تكن معتادة.

لا زال الناس رافضين لوجود هذا الفكر وهذه الممارسات، وحاول داعش آنذاك بتقريب أهالي الرقة من فكره عن طريق الدورات الشرعية ودورات “الاستتابة” التي كان يقيمها لمن يعتبرهم عصاة، وتم القبض عليهم مرتكبين لإحدى الذنوب والمعاصي الشرعية، بداية بالتدخين أو تبرج النساء أو أي أمور يراها الدواعش لا تتفق مع شريعتهم وفكرهم الذي فرضوه في الرقة وباقي المدن التي وقعت تحت سيطرتهم.

عاش أهالي الرقة تلك الظروف، ولم تكن هناك أي آمال تلوح بالأفق للخلاص من هذا الحال، إذ ومع بداية انطلاق عمليات تحرير الريف الشمالي للرقة من قبل وحدات حماية الشعب ومن ثم قوات سوريا الديمقراطية بعد تأسيسها؛ حاول مرتزقة داعش ومن خلال أدواته الإعلامية والخطب في المساجد تصوير القوات التي ستحرر على أنها “قوات كافرة” وستفتك بالمسلمين على حد وصفه، ومن واجب أهالي الرقة الانضمام لـ “المجاهدين” لحماية نسائهم ومدينتهم من القادمين من شمال المدينة.

“غضب الفرات” عيون التحرير تتجه نحو الرقة

بعد تشكيل غرفة عمليات غضب الفرات في مدينة عين عيسى؛ بدأت رسائل التحرير تتجه صوب مدينة الرقة من خلال تطمينات إعلامية وجهت للأهالي بأن المستهدف هو فقط مرتزقة داعش، وليس المدنيين كما روج المرتزقة وبعض الجهات المرتبطة بهم حتى ضمن الداخل التركي.

انطلقت معارك التحرير ضمن معركة اُعتبرت وقتئذ صعبة وربما طويلة، لكن بفضل التكتيكات والخطط العسكرية والروح المعنوية العالية لدى مقاتلي قوات سوريا الديمقراطية الذين وصل تعدادهم لأكثر من ثلاثين ألف مقاتلة ومقاتل تم تحرير مساحات واسعة من محيط مدينة الرقة وأريافها، ووصولا لحدود المدينة وعزلها بشكل نهائي.

تحولت بعد ذلك مرحلة التحرير لتدخل ضمن خطط حرب الشوارع والقتال المباشر مع غطاء جوي من قبل التحالف الدولي الذي كان يوفر الدعم الجوي واللوجستي للقوات المقاتلة على الأرض.

استمرت معركة تحرير الرقة لمدة 166 يوما، سجّل فيها مقاتلي ومقاتلات قوات سوريا الديمقراطية سجلات بطولية دونت في صفحات التاريخ السوري.

كانت مدينة الرقة آنذاك ملغمة بشكل كامل، مما شكل تحديا أمام المحررين، مما ساهم في إطالة المعركة نوعا ما، وتسببت تلك الألغام بتدمير قسم كبير من الأبنية السكنية داخل أحياء المدينة.

وعلى عكس المناطق السورية المدمرة في مناطق سيطرة الحكومة ومرتزقة تركيا، بدأت مدينة الرقة التي شهدت أعنف المعارك ضد داعش، تُبنى بسواعد أبنائها وتكاتف عشائرها مع الإدارة المدنية، واليوم، وبعد مرور 3 أعوام على التحرير تسير الرقة بخطىً سريعة نحو التطور.