لكل السوريين

أول كاتبة مختصة بكرة القدم.. جولي ويلش ماذا تعرف عنها؟

لا يزال بمقدور جولي ويلش تذكر شعورها عندما تولت أول تغطية لأحداث مباراة كرة قدم في حياتها. كانت تشق طريقها بصعوبة نحو المكان المخصص للصحافيين، وتحاول بأقصى طاقتها تجنب الاصطدام بأي شخص أو لفت الانتباه إلى حقيقة ليس فقط أنها المرأة الوحيدة بالمكان؛ وإنما أيضاً أنها أول امرأة تطأ قدماها هذا المكان «المقدس». وفي خضم ذلك، راودها شعور بالفزع من أنها ربما تجد نفسها عاجزة عن الكتابة.

كان ذلك في أغسطس (آب) 1973 عندما كان كوفنتري سيتي يخوض مواجهة أمام توتنهام، وكانت ويلش التي تكتب لحساب «أوبزرفر» في الـ24 من عمرها. وعن هذه الفترة، قالت: «أثناء تغطيتي أول مباراة كرة قدم في حياتي، بدا الأمر لي بمثابة تحد، أو حيلة قد تلجأ إليها في المدرسة لترى ما إذا كنت ستنجو بفعلتك بعدها. وتوقعت حينها أن يربت أحد على كتفي ويخبرني بأنه يتعين علي المغادرة».

تعدّ ويلش، التي تبلغ 71 عاماً، أول امرأة تتولى تغطية مباريات كرة القدم لحساب صحيفة وطنية. وظلت ويلش تكتب عن الرياضة لحساب «أوبزرفر» طوال 11 عاماً. اليوم، كتبت ويلش مذكراتها عن هذه الفترة، وتناولت خلالها ليس تجاربها فحسب بصفتها سيدة تقتحم عالماً كان في ذلك الوقت لا يزال خاضعاً بصورة شبه كاملة لهيمنة الرجال، وإنما كذلك تجارب عدد من الصحافيات الرواد.

يحمل الكتاب الذي وضعته ويلش اسم «فليت ستريت غيرلز»، ويعد بمثابة خطاب غرامي موجه إلى حقبة ولت واختفت كانت فيها أصوات نقر أصابع العاكفين على الآلات الكاتبة تستمر طوال الليل، وناضلت خلالها الكاتبات من أجل أن يجري التعامل معهن بجدية. واضطرت الكاتبات في ذلك الوقت إلى الدخول في معارك ضارية ليس ضد التوجهات الكارهة للنساء التي سادت أماكن العمل فحسب؛ وإنما كذلك المجتمع الأكبر الذي لم يكن راضياً عن اضطلاع النساء بمسؤولية إدارة شؤونهن المالية؛ ناهيك باضطلاعهن بوظائف ذات نفوذ.

اللافت أن التجارب التي خاضتها ويلش لم تكن دوماً لطيفة. وبينما كان المسؤولون في القسم الرياضي داخل «أوبزرفر»، بمن فيهم هيو مكليفاني الشهير، «رائعين»، لم يكن الجميع سعداء بالسماح لسيدة بتغطية شؤون كرة القدم معشوقة الجماهير.

واعترفت ويلش في هذا الصدد: «كانت تراودني مشاعر فظيعة بعض الأحيان. كان أحد الكتاب الرياضيين يتعامل معي على نحو مروع. وكان يتحدث طوال الوقت عن مراسلة (أوبزرفر) التافهة المعنية بكرة القدم. وعندما رآني في إحدى المرات، انتابه غضب عارم لدى رؤيتي من جديد، لدرجة أنه دفع بمقعد بغضب في اتجاه قدمي. في الحقيقة، لا يمكنني ذكر اسمه؛ لأنني ما أزال أشعر بالخوف منه حتى اليوم».

في الوقت الذي شكل هذا المراسل حالة متطرفة، فإن كثيرين غيره رفضوا وجودها ورفضوا أخذها على محمل الجد. وقالت ويلش: «كان هذا أمراً مثيراً للإحباط للغاية؛ لأنني نشأت على عشق كرة القدم. ولدي عقل وأعلم جيداً كيف يمكنني متابعة مباراة لكرة القدم بالكفاءة نفسها لأي رجل بجواري».

منذ صغرها، تعشق ويلش نادي توتنهام، وكانت واحدة من أولى المهام التي اضطلعت بها بعد تركها الصحافة، تأليف مسرحية تلفزيونية بعنوان «أيام المجد» حول إعجابها الشديد بأسطورة توتنهام داني بلانشفلاور. وترعرعت وهي تشعر بالانبهار إزاء القصص المرتبطة بعالم كرة القدم. وعن ذلك، قالت: «كنت أعشق قصص كرة القدم التي تضم أبطالاً وأشراراً، وأزمات ووفاء». ونالت ويلش فرصتها بعدما قال آرثر هوبكرافت، المراسل الرئيسي المعني بكرة القدم لدى «أوبزرفر»، إنه سئم تغطية المباريات.

وقالت ويلش: «لا أتذكر أنني التقيت لاعب كرة قدم بغيضاً. في الواقع كانوا جميعاً رائعين». وأضافت: «أتذكر أنني ذات يوم كنت أسير مع بريان كلوف وكان برفقتي ابني الأوسط، لوكاس، وكان كلوف لطيفاً للغاية معه ويداعبه. وقلت له: (أنت رجل طيب القلب للغاية، بريان)، ورد علي ضاحكاً: (أتمنى لو أنني كنت كما تقولين). إلا إنه كان كذلك بالفعل من وجهة نظري. وكذلك كانت زوجته باربرا. كانا شخصين لطيفين للغاية».

بعد رحيل ويلش عن شارع الصحافة «فليت ستريت»، واجهت صعوبات خلال الفترة الأولى. وقالت: «شعرت أن ذلك أصبح الوقت المناسب للعيش بصفتي امرأة. كنت قد تزوجت من جديد ورغبت في التوقف عن السفر، لكني وجدت الحياة من حولي شديدة الملل. وافتقرت المحادثات والنقاشات الذكية. وشعرت أن العالم أصبح رتيباً ودون ألوان، ولم تكن لديّ أدنى فكرة حول كيفية الحديث إلى الجيران؛ لأنني كنت ما أزال كما أنا؛ غريبة الأطوار بعض الشيء، ومولعة بكرة القدم، وغاضبة بعض الشيء…».

إلا إنها نجحت في التأقلم مع هذا الواضع وبناء مسيرة مهنية جيدة لها في عالم تأليف المسرحيات. واليوم، تعكف على وضع كتاب عن توتنهام، وتستمتع بالمشاركة في فعاليات رياضية. وقالت: «في العادة كان الجري لمسافات طويلة، لكنه اليوم أصبح أقرب لكونه السير لمسافات طويلة»، وأقرت بأنها تشعر بحنين شديد للماضي بكل ما كان يحمله من لحظات سعيدة وحزينة. وأضافت ضاحكة: «كانت خطواتي إلى داخل (أوبزرفر) أشبه بالسير إلى داخل الجنة. وعندما أتطلع نحو الخلف، أجد أنني عشت حياة رائعة حقاً».

وكالات