لكل السوريين

دعوة إلى تكنيس مدَّعي الثقافة!

عبد الكريم البليخ

بات العديد من الأصدقاء المثقفين يدعون إلى تكنيس الكثير من المدّعين للثقافة، السياسة، الإعلام والصحافة، الفن، العلم، الطب، الهندسة، والقانونيون، وتجار الدين، ونبذهم من اعتلاء منصات التتويج، وما أكثر أمثال هؤلاء المدَّعين، حتى أنّ قارئي الفنجان ومدّعي الغيب صاروا بحاجة إلى تكنيس، لأنهم صاروا يَبيضون على عباد الله بغير وجه حق، ويقدمون لهم صوراً طيبة عن واقع بغيض!

إنه واقع مهزوم..  مرير، مؤلم، وهم أكثر من الهمّ على القلب!

القائمة تطول وتطول، وتحتاج إلى غربلة.. فما أكثر المتسوّلين من هؤلاء المدّعين للأدب والثقافة والشعر، وفي شتى أنواع الفنون.. فقد وجدوا، وللأسف، ضالتهم، لا سيما أنّ الساحة متاحة لهم اليوم احتضان الكثير من أمثال هؤلاء الجهابذة المدّعين، ويرسموا أفكارهم الخبيثة لجهة تحقيق مآربهم، وما أكثرهم!

خطوة نحو تطهير أنفسنا قبل كل شيء مما أصابها من علل وفساد، وما نشاهده من صور مريضة، وما لم يكن بالإمكان تجاوز كل تلك الظواهر المخيّبة للآمال والسكوت عنها، والاكتفاء ـ بأن ندير لها ظهرنا ـ مع جيل يحتضر!

وها هو الجيل الجديد لا يعرف سوى التواكل والكسل.. ويعزّي نفسه بالإبقاء على هذا الواقع المترهّل البائس!

هل صار التكنيس بحد ذاته فناَ قائماً بذاته، وعلينا التخلص مع ما يتضمنه من صور “تافهة” حتى إنّه لامس قامات لها اسمها؟ علينا الابتعاد عن أي نشاط يمكن أن تقوم به أو تقدمه تلك الوجوه البائسة في قائمة الثقافة وسلتها التي ننشد، والتي باتت تضمّ أصواتاً كثيرة ومتنوعة فيما تطرحه وتشير إليه، بطعم أو بلا طعم! لا سيما أن أمثال هذه النماذج الخاوية من كل شيء باتت تخرج علينا بين حين وآخر، بقوالب وصور ثقافية متلوّنة صرنا نشمئز منها ونبتعد عنها، وحتى من معرفة ماذا ترسم وتخفي، ومن خلال المنابر الإعلامية المتاحة يجب أن تأخذ دورها وتشير إلى هذا الخطأ، أو ذاك مهما على شأنه…؟ وما على المنابر الإعلامية، التنويه والإشارة لمن يستحق الإشادة والحضور والإبداع، وأن يمنح الثقة، وينشر ما يشتهي، ضمن اشتراطات معينة، ومن ثم على هذا المثقف الجديد، الذي سيكبر مع الأيام، في حال اجتهد وعرف كيف يمارس دوره، ويستفيد من تجارب الآخرين، وأمثال هؤلاء صاروا يتغنون بما يقدمون، سواء في حقل الثقافة والإبداع، أو في مجال الرياضة، واقتحام عالمها، وفي باقي الفنون الإبداعية، حتى وصل الحال إلى القامات العلمية، وحملة الشهادات العلمية الذين يحاولون جاهدين خداع الناس، وأمثال هؤلاء متواجدون وبكثرة بيننا، وصارت شهاداتهم يلزمها تكنيس، وجرف من جذورها؛ لأنها لا صحّة ولا أساس لها!

هذه الفئة من المثقفين، أو من يظن أنهم محسوبون على المثقفين نجد أن الشهادات التي سبق أن حصلوا عليها مزيّفة، ويحاول الجدد ساعين في الحصول عليها بشتى الوسائل. بالمال، بالعلاقات الخاصة، أو بغير ذلك لجهة الحفاظ على المكانة الوظيفية التي يشغلها في بلاده، وتقوّي ـ بالتأكيد ـ من موقفه أمام السلطات التي يعمل لحسابها، وهو في الواقع بالكاد قادر أن “يفكّ” الخط، أو بإمكانه أن يرسم مستقبل المؤسسة التي يعمل فيها، فضلاً عن أنه ليس لديه القدرة على التحدث في أبسط موضوع يطرح للنقاش، وخاصة في مجال الاختصاص الذي سبق أن حصل عليه، ومنهم من يحمل الشهادات العلمية، ويحاول أن يحقق غاية أو هدف، أو رؤية ما ويرغب في الوصول إلى المكانة التي يريد بين المجتمع، ويأخذ دوره باتباع طرق صارت واضحة للقاصي والداني غير تلك التي ينبري فيها كثيرون من أجل الحصول على الشهادة العلمية التي يرغب.. وهو يركض باحثاً عله يتمكن من أن يصل صوته، وما يدور في خلده إلى الناس، وللأسف، من خلال السرقات الأدبية، والثقافية، والاقتطاع من هذا المقال وينسبه لنفسه ليثبت للناس أنه قادر على الإبداع، وإثبات وجوده بين الكبار، وهذا الهزال الفاضح لا شكّ أنّه سينكشف مع مرور الوقت.

أمثال هؤلاء صاروا أكثر من الهمّ على القلب.. وهم بحاجة إلى تكنيس من القائمة ممن يشيعون ادعاءات كاذبة ونرجسية بغيضة محاولين إثبات وجودهم وعلناً، بعيداً عن الخجل وكيفما يشاءون، وبإقناع الآخرين على أن ما يكتبونه من بنات أفكارهم، وما يقدمونه في الحقيقة، مسروق من منافذ معروفة، من خلال الاعتماد على محرك البحث “غوغل”، وعلى غيرها من المواقع الإلكترونية، وصفحات “فيسبوك” التي سبق أن تناولت المادة التي يكتب فيها، ويبحث عنها ويقدمها للمسؤول عن تلك الصحيفة أو المجلة بادعاءات كاذبة، وهذا الشخص المدّعي سواء أكان كاتباً أو صحفياً يجهل كثيراً من المفاهيم وما تتضمنه مقالته من صور بيانية يظن أنها لن تفلت من أنها مكشوفة، وهو عاجز تماماً في الحقيقة عن كتابة كلمات بسيطة في المادة التي يعمل عليها، محاولاً تدبيجها كيفما يشاء، للجهة التي طلبتها منه، أو بادر هو في المساهمة بإرسالها لها.

ليس بهذه الصورة العفنة توردُ الإبل، فالكثير من أمثال هؤلاء يحاولون سلق المزيد من الأسئلة بعبارات فارغة، خاوية من أي محتوى وبأساليب لا طعم ولا لون لها.

لنكن أكثر معرفة ودراية عما يُحيط بنا من أمثال هؤلاء المدّعين للثقافة، ولكتابة المقال الصحفي الذين علينا تكنيسهم بمكانس مهترئة، والعمل على إبعادهم عن الخوض في هذا الباب الذي لا يليق بهم، ولا بأفكارهم، ولا بحضورهم، ولا يُناسب الجماهير التي تجرّ ذيول الخيبة لجهة قراءة مقال لها، فهم مجرد أناس متعدّين على نتاج غيرهم، وعليهم الابتعاد عن هذا المحراب؛ لأنه لا يناسبهم، ومن غير اللائق أن نظل نشرّع لهم أبواب النجاح الزائف بالتصفيق وكيل المديح لهم.!

نداء نوجهه لمن يجد في نفسه القدرة على تكنيس أمثال هذه الصور العفنة التي لم تعد تليق بنا، بالقضاء عليها، وإزالتها من جذورها، على أن نعود إلى ماضينا التليد، برقيه، صفائه، صدقه، وطيب بذرته.

نداء إلى تغيير ما في أنفسنا. فهل نفعل؟