لكل السوريين

تأثير الثقافة الإيرانية الشيعية على مظاهر الحياة في بلدتي نبل والزهراء بريف حلب الشمالي

تطغى مظاهر الثقافة الإيرانية على أوجه الحياة في بلدتي نبل والزهراء الشيعيتين بريف حلب الشمالي، وهو ما ظهر جلياً خلال سنوات الحرب في سوريا.

ويبلغ تعداد سكان البلدتين نحو /70/ ألف نسمة، وتبعدان /20/ كم عن مدينة حلب، لكنهما تتبعان إدارياً لمدينة اعزاز.

وتتجلى مظاهر المد الثقافي الشيعي الإيراني في البلدتين بإحياء ولادات الأئمة الشيعة ووفاتهم ومراسم عاشوراء وبناء المساجد والحسينيات.

كما يتزامن المد الثقافي الشيعي الإيراني مع تزايد حضور شعارات الجهاد والمقاومة وازدياد عمليات تجنيد الشبان، وفق سكان من البلدتين.

البدايات

وقال المحامي محمد علي عساف (52 عاماً)، وهو من المهتمين بالشأن الثقافي، “إن النشاطات الثقافية الإيرانية في البلدتين توسعت بافتتاح القنصلية الإيرانية في حلب 2008.”

وكانت فصائل المعارضة قد استولت على مركز القنصلية في بلدة حريتان بريف حلب الشمالي، خلال سنوات الحرب لتستعيدها القوات الحكومية في شباط/ فبراير 2020.

وأضاف المحامي أن “البلدتين كانت ميالتين للعلمانية قبل الثورة الخمينية في إيران عام 1979، إلى أن وصلها رجال دين عراقيين ليبدؤوا بالتسويق للخميني.”

“أتوا كأئمة وخطباء منابر للحسينيات بينما كان أهالي البلدتين لا يهتمون بدراسة علوم الدين والتعليم الشرعي.”

وقال “عساف” أن “هؤلاء لاقوا اعتراضات في البداية من الوجهاء والمثقفين، لكن ثقافة أن حزب الله وإيران واحدة تم فرضها على معظم أهالي نبل والزهراء وشيعة سوريا لاحقاً.”

وأشار “عساف” إلى أن المد الثقافي الإيراني تصاعد مع بدايات الثمانيات مع صعود الخميني إلى الحكم، حيث علقت كثير من العائلات صوره باعتباره رمزاً شيعياً انتفض بوجه الظلم.

وتم إرسال الكثير من الشبان في تلك الفترة إلى إيران بغرض الدراسة بجامعاتها، ليعودوا إلى البلدتين مشبعين بأفكار ولاية الفقيه، وفقاً لكلامه.

حملات تشييع سرية

ونوه “عساف” إلى “أن الأجهزة الأمنية خلال حكم حافظ الأسد كانت تحظر النشاطات الدينية وتضيّق على الثقافة الشيعية.”

وقال إن حملات التشييّع كانت تتم بسرية وحذر وتتجنب المواجهة مع السنة خلال حكم الأسد الأب، على عكس حكم الأبن إذ أصبحت علانية وبوتيرة متسارعة.

ويرجع “عساف” السبب إلى تغير طبيعة العلاقة بين سوريا وإيران التي أصبحت أقرب للتبعية بعدما كانت علاقة تحالف ندي في عهد حافظ الأسد.

وشهدت السنوات الأولى لحكم الرئيس بشار حملات تشييع منظمة استهدفت سنة سوريين قادتها السفارة الإيرانية في دمشق وملحقيّتها الثقافية في حلب.

وبعد اندلاع الحرب السورية، بدأوا بممارسة دورهم مباشرة على مسرح الأحداث، حيث حصنت البلدات الشيعية في حلب وإدلب بتحصينات كبيرة وسلّحت بمختلف أنواع السلاح.

“تدين فطري”

وقال مهدي رضا فواز، (60 عاماً) “أتذكر بمرحلة الثمانيات وحتى أواخر التسعينات كان التدين في بلدتينا فطريا ولا يحتاج إلى تلك المنظومة الدينية أو الشعائر الثقافية التي نراها الآن.”

وأضاف “فواز”، وهو أستاذ متقاعد، أن “معظمها للتسويق السياسي ولكسب المنافع من قبل القائمين عليها”.

وأشار إلى تأثيرها على فئة الشباب، “حتى الأسماء والألبسة تغيرت منها سجاد ومهدوي وحوراء، كما باتت معظم الأسر تفرض الحجاب على بناتهن في سن لا يتعدى الـ 11 عاماً.”

وتعرضت البلدتين عام 2013 لحصار من ثلاث جهات دام ثلاث سنوات من قبل فصائل المعارضة (أحرار الشام وجبهة النصرة والجبهة الشامية).

أما الجهة الشمالية فكانت تحت سيطرة وحدات حماية الشعب بعفرين، حيث كانت الإمدادات تصل إلى البلدتين من جهتها.

وتمكن مقاتلون من حزب الله اللبناني ومليشيات تابعة لإيران من فك الحصار عن البلدتين في عام 2016 بدعم جوي من الطيران الروسي.

وفي عام 2014 اتهمت شخصيات سورية المستشارية الثقافية الإيرانية بدمشق بممارسة أنشطة تخالف أهدافها المعلنة، لكن رجال دين شيعة سوريين نفوا ذلك.

“تضخيم”

وقال الشيخ ابراهيم جمعة جرادة (55 عاماً) وهو إمام وخطيب مسجد أبو الحسن في بلدة الزهراء “هناك تضخيم للدور الثقافي الإيراني في نبل والزهراء وباقي المناطق الشيعية بسوريا.”

وأضاف “كل شيعة العالم لهم مبدأ ثقافي وديني واحد وبالنتيجة هم فئة اسلامية لها طقوسها الدينية.”

وأما الحديث عن “تعمد إيران نشر ثقافتها بين باقي الطوائف عبر بوابة التشييع فهو محض افتراءات، لأن التشيع الإيراني لا يختلف عن الخليجي ولاعن العراقي ولاعن الهندي”، وفقاً لكلامه.

نتائج عكسية للحرب

وتنتشر في البلدتين ما يقارب عشرات الحسينيات، وهي مراكز لإقامة شعائر عاشوراء، كما تمارس جمعية المصباح، ومقرها في لبنان، نشاطها الديني والتعليمي عبر بعض اللجان.

لكن الحرب ساهمت بتغيير الكثير من المفاهيم لدى سكان نبل والزهراء، وباتت تنتشر فيهما ثقافة أقل التزاماً بالشعائر الدينية التي سوقت لها إيران خلال السنوات الماضية، وفق بعض السكان.

ففي يوم عاشوراء المصادف للعاشر من محرم والذي تم إحياؤه في بلدة نبل، استمر المسير فيه ساعة واحدة فقط، بينما كان في السابق تقام معه المسرحيات والولائم وعرض الأفلام.

نورث برس