لكل السوريين

حول خطاب الكراهية….2

انعام إبراهيم نيوف

ينص العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية: “تُحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضاً على التمييز أو العداوة أو العنف”. ووفقاً للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري فيعتبر “كل نشر للأفكار القائمة على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية، وكل تحريض على التمييز العنصري وكل عمل من أعمال العنف أو تحريض على هذه الأعمال يُرتكب ضد أي عرق أو أية جماعة من لون أو أصل أثني آخر، وكذلك كل مساعدة للنشاطات العنصرية، بما في ذلك تمويلها، جريمة يعاقب عليها القانون.”

ويمكن تقسيم تشريعات وأنظمة تجريم خطاب الكراهية إلى نوعين:

الأول وضِع بهدف حفظ النظام العام، حيث وضعت تشريعات لحماية النظام العام في كثير من البلدان.

أما النوع الثاني فوضع لأجل حماية الكرامة الإنسانية.

وتتباين التعريفات القانونية عبر الدول، وأحياناً تتعارض التعريفات مع مبادئ حرية التعبير والمساواة، وأن المعايير التطبيقية عرضة لإساءة الاستخدام مما يجعلها تقوض حريات التعبير ذات الأهمية الكبرى، وخصوصاً الحريات السياسية، بالإضافة إلى ذلك، فإن: قوانين مواجهة خطاب الكراهية ومكافحة الإساءة، هي أدوات بيد هؤلاء الذين سيقيدون الحريات العامة لأقصى حد. لان بعض الدول والجماعات تستغل هذا المفهوم، الفضفاض لتمرير قوانين تحد من الحريات العامة، وتسود القوانين البوليسية.

ويجب الإشارة إلى أنّ هذا المفهوم تم تناوله في المواثيق الدّوليّة من باب حظر أشكاله وذكر مبرّراته. وقد برزت في هذا السياق، إشكاليّة تتعلّق بالمعطيات الّتي تجعل من خطاب الكراهية جريمةً يعاقب عليها القانون.

ولقد شهدت سورية خلال سنوات الحرب، انتشارًا واسعًا لهذه الظّاهرة بالتّزامن مع التحوّلات السّياسيّة الّتي تشهدها المنطقة من جهة، والتّغييرات الاجتماعيّة-الديموغرافيّة النّاتجة عن حركتي النّزوح والهجرة، وكذلك عن ممارسات قوى الاحتلال التركية مع المرتزقة السوريين من المعارضة المتعاونين معهم، بحق المواطنين الكرد السوريين، في عفرين وكوباني ورأس العين.

لأن خطاب الكراهية لا يمكن حصره في اللّفظ وحسب، بل هو يتعدّى اللّغة ليتحوّل إلى سلوك عمليّ مما يشكّل خطرًا على المستوى الفرديّ والجماعيّ، معتمدا على التعصّب الفكريّ والإيديولوجيّ والنّظرة الاستعلائيّة والشوفينية المتمثّلة بالخطاب الأحاديّ الجانب الّذي يدّعي بأنّه الخطاب الوحيد الّذي يملك الحقيقة، ما يسهم في تأجيج السّلوك العدوانيّ وإثارة النّعرات على مختلف أشكالها.

رافق هذه التحوّلات انتشار كثيف لوسائل التّواصل الاجتماعيّ، الّتي باتت وسيلةً إعلاميّةً متاحةً للجميع ومحطّةً تستقطب – في بؤرة واحدة – كلّ الاختلافات الإثنيّة والعرقيّة والجنسيّة والدينيّة والجغرافيّة والاجتماعيّة والسّياسيّة – والّتي هي اختلافات طبيعيّة – الأمر الّذي يشكّل مجالًا خصبًا، لتصاعد خطاب الكراهية. ويمتاز هذا الخطاب، من حيث مستويات التعصّب الّتي قد يتبنّاها كيان ما، وهو يستند بالدّرجة الأولى على اللّغة.

وجدير بالذّكر، أنّ مدوّنة السّلوك الصّادرة عن الاتّحاد الأوروبيّ تنصّ على أن تشارك شركات تكنولوجيا المعلومات والدّول الأعضاء في الاتّحاد في مواجهة خطاب الكراهية الإلكترونيّ، ﻋﻠﻰ اﻟﻨّحو اﻟﻤحدّد في القرار اﻟﺼّﺎدر في 28 نوفمبر 2008، بشأن مكافحة كل أشكال التحيّز العنصريّ طبقًا للقانون الجنائيّ الدّوليّ والقوانين الوطنيّة.

وقد شاركت غوغل ومايكروسوفت وفايسبوك وتويتر في مدوّنة السّلوك، وقدمت هذه الشركات تعاريفها الخاصة، والتزمت بمراجعة المحتوى المنشور والإشعارات والخدمات المعروضة عبر صفحاتها ومواقعها، والّتي تتضمّن خطاب كراهية، ووعدت بإزالتها في مدّة لا تقلّ عن 24 ساعة. بيد أنّه المحتوى المحلي، يعاني من صعوبة في إخضاعه لمعايير المراقبة وبخاصّة المحتوى الكتابيّ. والسّبب الرئيس الّذي يحول دون تطبيق هذه المعايير هو الجانب اللّسانيّ، حيث غالبًا ما يكون المحتوى العربيّ – مثلا –  مكتويًا وفقًا للهجة ما وليس بالعربيّة الفصحى ما يصعب تحليله آليًّأ.

ولكون الفيسبوك مرآة للتواصل البشري المباشر، فلقد سجلت بسنة 2012 جريمة بكل 40 دقيقة مرتبطة بالموقع، يتعلق الكثير منها بما يمكن وصفه بخطاب الكراهية، يستخدمها البعض لرفض مفهوم “المساحة الآمنة” على الفيسبوك، لأنه من مواقع التواصل الاجتماعي، موقع خصب للتنمر والهجوم اللفظي الذي يقع، حسب التعريف، ضمن خطاب الكراهية.

بجميع الأحوال، أننا لا نطالب باستصدار قانونا يعاقب على الكراهية والعنصرية في الوقت الذي تعيش المنظومة القانونية في سورية أوضاعا صعبة، نتيجة سنوات الحرب، مما سمح لكل من هب ودب بأن يفتح موقعا إلكترونيا، وأن ينشر ما يريده بكل حرية، وساد لدينا خطابات مضادة لخطابات المواطنة والسلمية والتسامح.

يتبع…