لكل السوريين

الرغيف، والقانون، والسياسة

عبدالرحمن العيسى

لم يكن يومًا انقسام الخبز إلى أبيض، وأسمر محور اضطرابات فحال الرغيف أيًّا يكن لونه كان ولا يزال شأناً سياسياً بالغ الحساسية، وسريع الاشتعال.

إنَّ التاريخ الإسلامي يؤكد أن السلاطين كانوا يحرصون دائماً على تحديد سعر الخبز خصوصاً في فترات الحروب، والجفاف، والكوارث الطبيعية، وبلغ هذا الحرص شأناً عظيماً في دولة المماليك، وخاصة في عصر السلطان بيبرس.

الذي وضع قوانين تحدد نوعية الخبز، وأوزانه، وأسعاره بل، وكانت عقوبة الخباز الذي يتلاعب بالأوزان، أو بنوعية الخبز صلبه بالمسامير على باب دكانه.

وفي بريطانيا حرص الملك جون في العام 1202م على تحديد أسعار المواد الأولية للخبز، ومقدار أرباح الخبَّاز، وأجبر قانونٌ في العام 1266م الخبَّاز على وضع توقيعه الخاص على كل قطعة خبز يبيعها كي يمكن التعرف فوراً إلى من تعود إذا لم تكن مطابقة للقانون.

ومن الحوادث التي تروى في هذا المجال أنه في العام 1327م في بريطانيا أيضًا اكتشف أن أصحاب فرن عمومي استحدثوا فتحة صغيرة في أسفل المعجن لسرقة كمية من عجين النساء اللواتي يقصدنه لطهو خبزهن فيه فهاجمت النسوة الفرن، وانتهى الشغب بتوقيف أصحابه في الساحة العامة ليُرجموا، فيما أُرسلت النسوة إلى السجن المركزي.

ولم تتغير الأمور كثيراً في عصرنا عمّا كانت عليه في العصور الغابرة، وفي البلاد العربية هناك أكثر من اضطراب وقع في القرن العشرين بسبب الرغيف.

ففي الأربعينيات من القرن الماضي أدى وزن الرغيف إلى إسقاط حكومة الشيخ تاج في سورية فيومها كان الرغيف يباع بالوزن، ومحدد المواصفات، والمعايير.

واكتشف أحد المواطنين في حلب أن أصحاب الأفران يزيدون من كمية الماء في العجين ويحرصون على وزن الخبز قبل أن يجف ماؤه تماماً فانتشر الخبر، وعمَّ الغضب، واعتبرت الحكومة مسؤولة عن ذلك، وسقطت.

وفي مصر لم ينس الكثيرون انتفاضة الخبز التي حصلت عام 1977م حين حاولت الحكومة تقليص دعم الخبز، وسلع أخرى فهاج المواطنون، وخرجوا إلى الشوارع في غضبة حقيقية.