لكل السوريين

تحذيرات بتردي الواقع المعيشي بين سكان سوريا

مناطق سيطرة المرتزقة تستعيض عن الليرة السورية بالتركية بعد تخطيها عتبة 2500 مقابل الدولار.

تتفاقم الأزمتان الاقتصادية، والمالية في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية، وسط مخاوف من انفجار ثورة جياع بدأت نذرها في التحركات الاحتجاجية التي تشهدها عدة مناطق في الجنوب لاسيما في محافظة السويداء.

ويقول خبراء اقتصاد إن الوضع في مناطق السيطرة الحكومية يتدحرج بسرعة نحو الانهيار مع قرب إعلان الإدارة الأميركية عن حزمة عقوبات أقرَّها الكونغرس ضمن قانون قيصر (سيزر) الذي دخل رسميًّا حيِّز التنفيذ مع بداية الشهر الجاري.

وتسجل الليرة السورية تدهورًا قياسيًا في قيمتها في السوق الموازية حيث تخطت عتبة 2500 مقابل الدولار الاميركي وفق ما قال تجار، ومحللون في انخفاض يسبق تطبيق العقوبات المنتظر أن تشمل مصرف سوريا المركزي.

وبينما سعر الصرف الرسمي يعادل 700 ليرة مقابل الدولار، شهدت الليرة منذ أيام انخفاضًا غير مسبوق.

وأكّد ثلاثة تجار في دمشق أنّ سعر صرف الدولار في السوق الموازي تراوح ما بين 2300 ليرة إلى 2700 ليرة “لأول مرة في تاريخه”.

وتشهد سوريا بعد تسع سنوات من الحرب أزمة اقتصادية خانقة فاقمها تفشي الفساد، والصراع الدائر داخل عائلة بشار الأسد.

كما زاد الانهيار الاقتصادي المتسارع في لبنان المجاور حيث يودع سوريون كثر أموالهم الوضع سوءًا في سوريا.

وأوضح محللان أنَّ المخاوف من تداعيات بدء تطبيق قانون قيصر في 17 يونيو الجاري، والذي يفرض عقوبات على المتعاونين مع دمشق تعدّ سببًا إضافيًا في تراجع قيمة الليرة.

حيث قال أحدهما الخبير الاقتصادي، والباحث لدى “شاثام هاوس” زكي محشي إنّ الشركات الأجنبية بينها الروسية اختارت أساسًا عدم المخاطرة.

ولفت إلى أنّ تحويل الأموال يحتاج أسبوعين إلى ثلاثة “ما يعني أنّ التحويلات التي تحصل اليوم ستُدفع بعد 17 يونيو”.

وتوقّع مدير برنامج سوريا في مجموعة الأزمات الدولية هايكو ويمن أنّه مع دخول العقوبات حيّز التنفيذ، “سيصبح التعامل مع سوريا أكثر صعوبة، ومحفوفًا بالمخاطر”.

ويفرض قانون قيصر الذي ندّدت دمشق به الأربعاء قيودًا مالية على سوريا بما في ذلك وقف مساعدات إعادة الإعمار، كما يفرض عقوبات على الحكومات والشركات التي تتعامل مع دمشق.

ويقول المنسق العام لهيئة التنسيق الوطنية حسن عبدالعظيم إنَّ الأطراف المستهدفة من قانون سيزر هي الحلقة الضيقة للنظام السوري من عسكريين، ومدنيين، وكل المتعاونين معها من تجار، وأثرياء.

وتشمل العقوبات وفق عبدالعظيم الداعمين الإقليميين خصوصًا إيران، والميليشيات الموالية لها، وحتى حلفاء دوليين للإدارة الأميركية من الاتحاد الأوروبي، والدول العربية.

ويهدف قانون قيصر إلى إجبار نظام الرئيس بشار الأسد على السير في التسوية السياسية بناء على المقررات الدولية، ويعتبر كثيرون أن الإشارة التي تضمنها القانون بشأن إمكانية إيقاف العمل به هي رسالة للنظام، وداعميه بأن نافذة السلام مفتوحة.

ويحذر رئيس هيئة التنسيق من أن العقوبات التي ستفرضها الإدارة الأميركية ستؤثر مما لا شك فيه على شريحة واسعة من الفقراء، والعاطلين عن العمل الذين تتجاوز نسبتهم 80 في المئة من مجمل الشعب السوري ما يهدد بثورة جياع.

وتشهد محافظات سورية في الفترة الأخيرة تحركات احتجاجية آخرها في السويداء جنوب البلاد، حيث خرج المئات الأحد للتنديد بالوضعين الاقتصادي، والاجتماعي.

وتداول نشطاء مقاطع فيديو لمسيرات رفع خلالها المشاركون شعارات من بينها “سوريا لنا، وما هي لبيت الأسد”، إلى جانب شعارات أخرى حمّلوا فيها النظام المسؤولية عن الأوضاع المتدهورة في مناطقهم.

وكانت مدينة السويداء شهدت اعتصامًا الأسبوع الماضي شاركت فيه أطياف سياسية مختلفة للمطالبة بتحسين الأوضاع الاقتصادية، والمعيشية.

والسويداء من المحافظات القليلة التي نأت بنفسها عن الصراع الذي تفجر في العام 2011، وذلك يعود إلى وجود غالبية درزية تباينت مواقفها بين السير في الحياد، والدعم السياسي للنظام.

ويقول متابعون إنّ خروج أهالي السويداء مؤشر قوي على أنَّ الأمور بدأت تخرج عن السيطرة، وأنَّ الموالين للنظام فقدوا الثقة بهن وبأركانه لاسيما مع بلوغ الفساد مستوياتٍ خطيرة زد على ذلك الحرب الدائرة داخل العائلة، وتحديدا بين زوجة الرئيس أسماء الأخرس، وابن خال بشار رامي مخلوف، والتي أثرت بشكل كبير على صورة النظام.

ويشير المتابعون إلى أن كل المؤشرات توحي بأن مناطق سيطرة الأسد على أعتاب ثورة جديدة قد يعجز النظام هذه المرة عن فرملتها، أو احتوائها بالقوة العسكرية مثلما فعل حينما تحركت الجموع في العام 2011 رافعة شعارات تطالب بالديمقراطية، والحرية ذلك أنَّ المنتفضين هذه المرة من بيئته، وموالوه، وهم لم يعد لديهم ما يفقدونه.

ويعيش أغلب السوريين تحت خط الفقر وفق الأمم المتحدة، بينما تضاعفت أسعار السلع في أنحاء البلاد خلال العام الأخير، وقالت المتحدثة باسم برنامج الأغذية العالمي جيسيكا لاوسون إنّ أي انخفاض إضافي في قيمة الليرة سينعكس ارتفاعًا في أسعار المواد الغذائية الرئيسية التي يتمّ استيرادها كالأرز، والباستا، والعدس.

ونبّهت إلى أنّ ارتفاع الأسعار “يهدّد بدفع المزيد من السوريين إلى الجوع، والفقر، وانعدام الأمن الغذائي فيما القدرة الشرائية تتآكل باستمرار”.

وحذّر مصرف سوريا المركزي الشهر الماضي في بيان من أنّه “لن يتوانى عن اتخاذ أي إجراء بحق أي متلاعب بالليرة السورية سواء من المؤسسات، أو الشركات، أو الأفراد” مؤكدًا عزمه اتخاذ “كافة الإجراءات الكفيلة باستعادة ضبط أسعار الصرف”.

وتتجه المناطق الواقعة تحت سيطرة المرتزقة، والمتشددين الإسلاميين لتجنب خطر الانهيار المالي الذي يحيق بمناطق السيطرة الحكومية بالاستعاضة عن الليرة السورية بالليرة التركية.

وأصدر المجلس المحلي في مدينة مارع بريف حلب الشمالي الأحد بيانًا يتعلّق بالتراجع الأخير لليرة السورية، وانهيارها مقابل العملات الأجنبية، وما نجم عنه من ارتفاع في الأسعار، وخلل في المعاملات المالية، وصعوبة عمليات تداول السلع، والخدمات بين المدنيين.

ودعا المجلس إلى تثبيت أسعار البضائع بالليرة التركية بدلًا من الليرة السورية، بالإضافة إلى تثبيت الاتفاقات الصغيرة، والمتوسطة بالليرة التركية أمَّا الاتفاقات الكبرى فبالدولار الأميركي.

وأكد على تثبيت رواتب العمّال المياومين، والمهن، والبناء بالليرة التركية كما دعا إلى تثبيت أسعار المحاصيل الزراعية، ورواتب المزارعين بالليرة التركية أيضًا.

وحث المجلس في البيان الجميع على تثبيت سعر صرف الليرة السورية، أو اعتماد الليرة التركية بشكل دائم كعملة بديلة.

وتشهد سوريا نزاعًا داميًا منذ العام 2011 تسبّب في مقتل أكثر من 380 ألف شخص، وألحق دمارًا هائلا بالبنى التحتية، والقطاعات المنتجة، وأدى إلى نزوح، وتشريد الملايين من السكان داخل البلاد، وخارجها.