لكل السوريين

كورونا ما بين التهديد ببقاء البشرية… وتداعيات مواجهته

انعام إبراهيم نيّوف

انتشر الفايروس في زمن قياسي مختلف دول العالم التي فرضت أطواقا من العزلة حول حدودها وقطع سبل التواصل بين المدن، إضافة إلى العديد من الإجراءات الحمائية كمنع الطيران وإغلاق المعابر والحدود أمام التنقّلات ومنع تصدير عدد من المنتجات التي تتعلّق بالوقاية من الفايروس كالأقنعة والمعقّمات والمطهّرات وملابس الحماية وغيرها من المواد.

وتم الإعلان عن حالات الطوارئ الصحّية والعامة، وأجبر مئات الملايين من البشر على الانعزال عن العالم وعن ذاتهم، فدخلوا في حجر صحّي إجباري.

الفيروس كشف زيف إنسانية العولمة ومفاهيمها المشوبة بالجشع واللاإنسانية وموازين تجارتها الخارجية، فالتكتلات الدولية تعرضت للاهتزاز، الدول المؤسسة للسوق العالمي الواحد والتجارة الحرة، هي ذاتها، أول من شرع في فرض القيود والتعريفات واستخدام الأدوات الضريبية والجمركية لحماية انتاجها، وهي ذاتها الدول التي فعّلت كما لم يحدث من قبل في التاريخ، سلاح العقوبات، الأنانية الشوفينية بدلا عن التضامن الأممي، تحل كقاعدة حاكمة في العلاقات الدولية.

سياسياً، عرَى مناعة الحكومات وضعفها أمام الأزمات الطارئة أو غير المتوقّعة، فقد شكّل ويشكّل انتشار الفايروس وطريقة التعامل معه تحدّياً رئيسياً للنظام الحاكم في بلد ما وتقويضاً محتملاً لشرعيّته.

وفي نفس السياق، بيَن الفايروس زيف الحديث عن العمل الجماعي والتضامن الدولي والمؤسسات الدولية بالإضافة الى التجمّعات السياسية والاقتصادية، فوجد أنّ كلّ دولة تعمل على قاعدة “أنا ومن بعدي الطوفان” وقت الشدائد، وهو أمر سيكون له انعكاساته على هذه المنظومات والكيانات القائمة مستقبلاً.

اقتصاديا، انتشر الفايروس عالمياً كهزّة أرضية بالغة الشدّة، ستكون على شكل أزمة اقتصادية كبرى. معظم الحكومات تحاول الآن قدر المستطاع أن تضخ السيولة في السوق وأن تخفّض سعر الفائدة وأن تتّخذ تدابير اضطرارية لمحاولة السيطرة على الهلع الحاصل عند شرائح كبيرة من الناس و/أو للتعامل مع صدمة الضغط الحاصل على بعض القطاعات الانتاجية أو القطاعات الخدمية والصحّية.

علاوةً على ذلك، فإنّ إجبار الناس على الحجر الذاتي أو عزل المدن والدول بأكملها يحتاج إلى تكاليف مالية عالية جداً لأنّه يتطلّب من الحكومة تأمين كل شيء أساسي للناس دون أن يكون هناك عمل.

اجتماعيا، ترك الفايروس ردود أفعال مختلفة عند كثير من الناس، ردّة الفعل الأساسية هي الخوف والهلع، وهو العامل الأوّل الذي دفع بشريحة واسعة منهم إلى الهرع باتجاه المحلّات التجارية لتخزين أنواع مختلفة من السلع والمنتجات كالأقنعة الواقية والمعقّمات والمطهّرات وأدوات التنظيف والكولونيا وبعض المأكولات المعلّبة أو القابلة للتخزين كالمعكرونة، وأوراق الحمّام…الخ.

في المقابل، أظهرت شريحة أخرى من الناس حالة عدم مبالاة أو تهاونًا أو حتى رفضاً لإتّباع التعليمات الضروريّة للحد من انتشار الفايروس ومن تبعاته مُعرّضةً نفسها والآخرين لخطر الإصابة بالعدوى وزيادة الضغط بشكل كبير وسريع على أجهزة الدولة الخدمية لاسيما على القطاع الصحي، وارتفاع عدد المتوفّين من أصحاب الفئات الأكثر ضعفاً وتأثرّاً بالفايروس. ونتيجة لذلك، قامت دول بعزل مدن بأكملها تضم عشرات الملايين من البشر، فيما اضطرت أخرى إلى فرض حالة الطوارئ في البلاد فيما يشبه إعلان الأحكام العرفية.

لم يغب الطابع الأمني عن تداعيات الفايروس بطبيعة الحال، فأصل هذه التداعيات هي الشق الأمني، سواء شمل ذلك الأمن الصحّي أو الأمن الغذائي أو حتى الأمن البشري، كلّها تعرّضت لضغط هائل وفجائي، الأمر الذي ترك آثاره أيضاً على الأمن السياسي والاقتصادي في البلدان التي تفشى بها.

لقد تباينت النسب في معدلات الوفيات جراء الإصابة بوباء كورونا الجديد” كوفيد19 ” بين بلدان العالم بشكل مثير للانتباه، هناك جملة من الأسباب يمكن أن تفسّر الى حد كبير هذا التباين الحاصل في معدلات الوفاه عند الإصابة بهذا الوباء وأهمها:

أولا، المسح الصحي للوباء: فكان إما استشرافيا أو معتمدا على أعداد الإصابات المتوافدة على المستشفيات وعلى ما تفحصه من مرضى ومراجعين مشتبه بهم.

العامل الثاني هو تباين العناية الطبية الضرورية بين بلدان العالم.

العامل الثالث: عمر المصابين. فرغم أن النسبة الكبيرة من المرضى الذين يشكون من أعراض خطيره بهذا الوباء تكون عادة ضمن كبار السن وذلك لكونهم لا يمتلكون المقاومة الكافية للتصدي لهذا الوباء، فإن الإحصائيات الأخيرة بينت اختلافات ملموسه قد حصلت على هذا النحو في بعض البلدان.

العامل الرابع هو: غياب الشفافية، فإخفاء العدد الكلي للإصابات الحقيقية، تم لأغراض اقتصادية أو سياحيّة أو نفسيّة حيث لا تريد خلق حاله من الرعب في نفوس مواطنيها.

كورونا يطرح علينا بندا إنسانيا ملحا ويتعلق بضرورة النضال من أجل ان يكون النظام العالمي ونظام العلاقات الدولية، أكثر انسانية، وإلغاء كافة أشكال الحصار والعقوبات بحق الشعوب، فالفئات الأكثر ضعفاً وتهميشاً، هم أكثر المتضررين من جائحة كورونا، سيما وأن انفجار إعصار كورونا، يتزامن مع دخول الاقتصاد العالمي رسمياً في مرحلة ركود، وانهيار أسعار النفط.