في نيسان عام 2013 ظهر تسجيل صوتي لزعيم مرتزقة “داعش” أبو بكر البغدادي أكد فيه أن “جبهة النصرة” في سوريا امتداد لتنظيم “دولة العراق الإسلامية”، والذي كان قد تم تأسيسه في العراق منذ العام 2006، وأعلن توحيد التنظيمين تحت اسم واحد، وهو “الدولة الإسلامية في العراق والشام” والتي تعرف اختصاراً بـ”داعش”.
وفي العام 2013 استفادت التنظيمات المتطرفة في سوريا بما فيها “داعش” و”جبهة النصرة”، من خروج مناطق عن سيطرة النظام السوري السابق واستطاعت تقوية نفوذها العسكري وضم عدد جديد من المقاتلين في صفوفها وزيادة عتادها العسكري.
وأواخر العام 2013 بدأ اقتتال داخلي بين فصائل من الجيش الحر ومرتزقة “داعش” بدأ من ريفي حلب وإدلب وصولاً إلى الرقة ودير الزور، انتهي الاقتتال بانسحاب “داعش” من حلب وإدلب وتمركز في دير الزور والرقة والتي اتخذها لاحقاً عاصمة له.
وسيطر مرتزقة “داعش” خلال العام 2014 على مساحات واسعة من سوريا والعراق وارتكبوا خلال تلك الفترة مجازر وانتهاكات بحق المدنيين في المناطق التي احتلوها، من بينها إبادتين جماعيتين واحدة بحق الإيزيديين شملت قتل مدنيين أبرياء واختطاف نساء وأطفال في منطقة شنغال في العراق، ومجزرة الشعيطات في ريف دير الزور الشرقي.
وأعلن مرتزقة “داعش” في 29 حزيران عام 2014، تأسيس دولة “الخلافة الإسلامية” على رقعة جغرافية واسعة سيطر عليها في العراق وسوريا وتنصيب البغدادي “خليفة للمسلمين في كل مكان”، ودعا الفصائل المتطرفة في العالم لمبايعته، ودعا البغدادي المتشددين الإسلاميين للهجرة إلى “دولة الخلافة”.
وتفاوتت التقديرات البحثية والاستخباراتية لمجموع مقاتلي مرتزقة “داعش” في سوريا والعراق، بين 10 آلاف و35 ألف مقاتل ينتمون إلى جنسيات عربية وأجنبية، وسبق لكثير منهم أن قاتلوا في العراق والشيشان وأفغانستان وبلدان أخرى.
واستمد مرتزقة “داعش” تمويلهم من الجزية والفدية والإتاوات التي فرضوها على سكان مناطق سيطرتهم، كما أنه سيطروا على آبار نفط سورية، وصدرت تقارير عن بيعه النفط لتجار محليين وحتى للحكومة السورية السابقة.
وعقد اجتماع في مدينة جدة السعودية، في 11 أيلول عام 2014، ضم وزراء خارجية مصر والأردن والعراق ولبنان ودول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، وأعلنت هذه الدول دعمها لإنشاء تحالف دولي لمحاربة تنظيم الدولة. وبعد هذا التاريخ بأيام، بدأ التحالف في قصف مواقع التنظيم في كل من سوريا والعراق.
وخلال تلك الفترة اشتبكت وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة في مناطق من ريفي الحسكة والرقة مع مرتزقة “داعش” في أكثر من موقع، في محاول لحماية المناطق الشمال والشرقية من سوريا من تمدد المرتزقة بعد ارتكابهم مجازر وجرائم حرب في المناطق التي أحتلوها في سوريا والعراق.
وفي 15 أيلول عام 2014، هاجم مرتزقة “داعش” قرية تعلك غربي مدينة كوباني بالدبابات وترسانة كبيرة من الأسلحة وعدد كبير من المرتزقة، ثم بعد يوم، وسع داعش جبهات القتال حول ريف كوباني، وبدأ بالزحف نحو المدينة نفسها.
وبعد 21 يوماً من بدء الهجوم، وصل “داعش” إلى أطراف مدينة كوباني بعدما احتل الغالبية العظمى من القرى في محيطها، وبينما ظن جميع من كان يراقب ويشاهد سير الأحداث، أن مدينة كوباني ستلقى المصير ذاته، أوقف المقاتلون المدافعون عن المدينة زحف داعش في شوارع كوباني وبدأوا بخوض حرب الشوارع في مواجهة غير متكافئة.
وبدأ “داعش” باقتحام أحياء مدينة كوباني بعد الاستيلاء على تلة مشته نور الاستراتيجية في الخامس من تشرين الأول من عام 2014، لكن المقاتلين الذين اجتمعوا في مركز المدينة، أعادوا تنظيم صفوفهم وبدأوا بخوض مهمة شبه مستحيلة.
ولكن، وما إن ظهرت أولى بوادر المقاومة وبدأ المقاتلون من وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، إلى جانب تشكيلات عسكرية للجيش الحر الذي شكّل مع الوحدات “غرفة عمليات بركان الفرات”، بدأ العالم يتفاعل مع هذه المقاومة أمام إجرام مرتزقة “داعش”.
وشن التحالف الدولي لمحاربة “داعش” غارات جوية على نقاط للمرتزقة في كوباني ومحيطها، وكان هدف داعش يتمثل في احتلال كامل الشريط الحدودي السوري مع تركيا، لذلك هاجم كوباني ولكن خطط المرتزقة اصطدمت بمقاومة كبيرة لتبوء بالفشل.
ونجح المدافعون عن كوباني من تحريرها وطرد مرتزقة “داعش”، وبعد 134 يوماً من المعارك المستمرة استطاعوا طرد المرتزقة منها بشكل كامل وأعلنوا في 26 كانون الثاني عام 2015، تطهير المدينة بشكل كامل، والاتجاه نحو تحرير قراها.
وفي غضون أشهر قليلة، تمكّن المقاتلون من تحرير كل القرى وانتزاع بلدات ومدن اتخذها داعش قواعد له لمهاجمة كوباني، مثل بلدات صرين والشيوخ ومدينة كري سبي/تل أبيض.
وفي الحادي عشر من تشرين الأول أعلن عن تشكيل قوات سوريا الديمقراطية، لتضم وحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة إلى جانب تشكيلات عسكرية أخرى عربية وسريانية وانضم إليها أبناء مناطق شمال وشرق سوريا.
وتولت قوات سوريا الديمقراطية مهام تحرير مدن شمال وشرق سوريا من داعش، فكانت أبرز المدن التي جرى تحريرها منبج والرقة والطبقة وريف دير الزور الشمالي والشرقي، حتى القضاء على وجوده الجغرافي في آخر معاقله بالباغوز في ريف دير الزور الشرقي في آذار عام 2019.
وشكل تحرير منبج في آب عام 2016، بعد نحو عام ونصف من تحرير كوباني، ضربة قاضية لداعش، إذ كانت المدينة عاصمة المرتزقة الأجانب القادمين من خارج سوريا، كما مكّن تحرير منبج من فصل مناطق احتلال داعش عن الحدود التركية، وكان ذلك بمثابة قطع شريان الحياة عن المرتزقة الذين بدأوا بالانهيار يوماً بعد آخر بعد الابتعاد عن صانعتهم تركيا.
واستمر تراجع مرتزقة “داعش” في العراق أمام تقدم للجيش العراقي وقوات البيشمركة، في الوقت ذاته كانت قوات سوريا الديمقراطية تشن هجمات وتوجه ضربات قوية للمرتزقة واستطاعت تحرير المدن الرئيسية التي كان يحلتها “داعش” حتى وصلت إلى أخر معاقله في بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي.
واستمر الهجوم على ريف دير الزور بما فيها بلدة الباغوز عدة أشهر، وخلاله حوصر الآلاف من مرتزقة “داعش” وعائلاتهم في جيب صغير في البلدة، قبل أن يخرجوا تدريجياً على وقع القصف والمعارك، لتعلن قوات سوريا الديمقراطية في 23 مارس 2019، القضاء على “داعش”، والذي الإجرام والرعب لسنوات في مناطق شاسعة في سوريا والعراق ونفذت هجمات إرهابية حتى في مناطق خارجة عن سيطرته في مدن سورية وأوروبية وعراقية.
وأحصت تقارير خروج أكثر من 66 ألف شخص من بلدة الباغوز، بينهم عشرات آلاف من مرتزقة “داعش” وعوائلهم وبعض المدنيين الذي كان المرتزقة يحتجزونهم كدروع بشرية.
وبعد القضاء على مرتزقة داعش في آخر معاقله في بلدة الباغوز، ربيع عام 2019، انتقلت الأسر العراقية وأسر المرتزقة إلى مخيم الهول في ريف مدينة الحسكة الجنوبي.
ويعدّ مخيم الهول قنبلة موقوتة؛ لأنه يضم الآلاف من نساء مرتزقة داعش وعشرات الآلاف من أطفالهم الذين يكاد أغلبهم يصل إلى سن البلوغ، ما يعدّ جيشاً جاهزاً يحاول مرتزقة داعش دوماً الوصول إليه.
وفي 20 كانون الثاني من عام 2022، شهدت مدينة الحسكة واحدة من أشرس وأعنف الهجمات التي شنها مرتزقة داعش على سجن الصناعة، الواقع في حي غويران بالمدينة. الهجوم، الذي استمر عدة أيام، كان يهدف بشكل رئيس إلى إخراج المرتزقة المعتقلين في السجون، بعد أن تم القضاء على آخر معاقلهم في مدينة الباغوز في آذار 2019 على يد قوات سوريا الديمقراطية.
ولتنفيذ هذا الهجوم، تم التخطيط بشكل دقيق مع مشاركة العديد من المرتزقة الانتحاريين، وتلقى الهجوم دعماً لوجستياً وعسكرياً من جهات خارجية.
ووفقاً للتحقيقات التي أجرتها قوات سوريا الديمقراطية مع المرتزقة الذين ألقي القبض عليهم بعد فرارهم، كان المخطط المتفق عليه من قِبل متزعمي مرتزقة داعش يهدف إلى التسلل والهروب من السجن والانطلاق إلى مناطق تقع تحت سيطرة التنظيم.
وتم إعداد سيارات مجهزة لاستقبال المهاجمين بعد فرارهم من السجن، بهدف توجيههم إلى مناطق في سوريا أو خارجها، كتركيا، حيث كان يخطط البعض منهم للالتحاق بمرتزقة داعش أو التوجه إلى أماكن أخرى.