لكل السوريين

الفصل من الوظائف بقرارات تعسفية تهدد حياة الآلاف بطرطوس واللاذقية

تقرير/ سلاف العلي

نهاية شهر كانون الأول الماضي، تم اصدار عدة قرارات تقضي بفصل آلاف الموظفين من عملهم في طرطوس واللاذقية، بمختلف القطاعات الحكومية دون توضيح الأسباب، رغم تأكيد حكومة سلطة دمشق أن قرارات الفصل صدرت عن الوزراء المختصين تباعاً خلال فترة الشهرين الماضيين، رغم أن معظم المفصولين لديهم أعمال مؤثرة على أرض الواقع، منها الإدارية والعملية، وبالتالي فصلهم بهذه الطريقة ترك الأثر بشكل مباشر على جودة العمل في كل القطاعات.

ويوجد مئات الموظفين ممن تم فصلهم عينوا بمسابقات خاصة لذوي الشهداء، وبالتالي لا يوجد غير الراتب الذي يتقاضونه من الحكومة السورية، بالإضافة إلى العقود السنوية، التي خصصت جزءاً كبيراً منها لحالات إنسانية، فقدوا ذويهم أثناء الحرب، أو من ذوي الاحتياجات الخاصة.

وإن قرار فصل الموظفين أدى لتراجع الخدمات في بعض القطاعات، وأدى إلى تسجيل ازدحام كبير في كل الدوائر الخدمية، التي استمرت بالعمل والتي عادت أخيراً إلى العمل في سوريا، وخصوصاً مع ازدياد النقص في عدد الموظفين، وتأخر حصول المواطنين على خدماتهم.

ونشير إلى الازدحام الخانق في دوائر السجل المدني بالمحافظتين، ودائرة الهجرة والجوازات، حيث لا يتناسب عدد الموظفين الموجودين مع عدد المواطنين المراجعين لهذه الدوائر، مما أدى إلى انتظار المراجعين لعدة ساعات، لتقديم الأوراق أو القيام بأي إجراء يخص معاملاتهم، وكذلك التأمينات الاجتماعية والعمل في المحافظتين، وكذلك قرارات فصل آلاف الموظفين شملت قطاعات مديريات النفط والغاز والزراعة والصناعة والثقافة والمياه والداخلية ومؤسسات التأمينات الاجتماعية، حيث تشير الإحصائيات إلى أن العدد الكلي للموظفين المفصولين بالمحافظتين بلغ حوالي 100 الف موظف، فيما سجل حصول نحو 100ألف موظف على إجازات مأجورة لمدة ثلاثة أشهر لحين البت في وضعهم الوظيفي، وهذا لا ينطبق على العسكريين ، فقد تم تسريح أعداد كبيرة بطرطوس واللاذقية، وتم صناعة جيش عاطلين عن العمل، وبرقابهم أسر وأطفال، جميعهم بلا مدخول شهري. رغم أن الرواتب، والتي هي بالأساس غير كافية في ظل الوضع المعيشي والواقع الاقتصادي الخانق حتى قبل سقوط النظام. كما أن التعاطي مع هذا الملف وفق مبدأ “من يحرر يقرر”، هو خاطئ بالمطلق، لأن الشعب هو المتضرر الوحيد، فإذا كانت لقمة العيش بيد طرف واحد فإن الطرف الآخر وبكل تأكيد سيعيد رواية الثورة، في المقابل، يؤكد كثيرون أن خطوة الحكومة المؤقتة بالأصل غير قانونية كونها حكومة تصريف أعمال، ولا تملك الصلاحيات للقيام بخطوات مماثلة، وإنما يقتصر دورها على متابعة العمل في القطاعات المختلفة إلى حين تشكيل حكومة دائمة، من دون اتخاذ قرارات استراتيجية أو سن قوانين أساسية.

لم تخفِ تقديرات الأمم المتحدة عن معدلات الفقر في سوريا حجم المأساة التي يعيشها السوريون منذ سنوات، حيث تؤكد الإحصاءات أن 90% من السكان يعيشون تحت خط الفقر، في ظل صعوبة الحصول على أدنى مقومات الحياة البسيطة وحاجتهم الملحة للحصول على مساعدات عاجلة، ورفع العقوبات الاقتصادية الغربية التي تمنع إنعاش الاقتصاد وانطلاق عجلة إعادة الإعمار، لقد أصبح الواقع المعيشي أكثر تدهورا ومأساوية، وصار الجوع أبرز سمات المرحلة الحالية من سوريا الجديدة.

تظهر مشكلة التسريح الوظيفي عائقاً يحول بين الشعب والاطمئنان تجاه الحكومة الجديدة، كما أن هذه المشكلة تواجه سلطة دمشق أيضاً، والتي قالت إنها تنفذ خططاً من أجل إعادة هيكلة إدارية لموظفي الحكومة والقطاع العام.

لكن هذه الإجراءات الإدارية الواسعة المتعلقة بتقليص أعداد موظفي القطاع العام تم تطبيقها بطرق عدة في كل مؤسسة حكومية من خلال إدارتها الجديدة بعد أمر من الوزير المعني بالمؤسسة، هذه الإجراءات وجدت من يراها عملية طبيعية بسبب الفائض الكبير في أعداد الموظفين، والكثير أيد هذا القرار بحجة أن النظام السابق كان يكسب ولاءات الشعب له من خلال تعيين موظفين بعقود عمل من دون دوام فعلي أو حتى فائدة مهنية في المؤسسات التي يعملون بها.

وعملياً فان تطبيق هذا القرار لم يكن بطريقة واحدة فحسب، فبعض الموظفين تم منحهم إجازة إجبارية لمدة ثلاثة أشهر واحالتهم على وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبعضهم الآخر أُنهيت عقودهم بشكل تام، مثل ذوي الشهداء والمسرحين من خدمة الجيش والمعينين في دوائر الدولة سابقاً، والبعض تم فصلهم تعسفاً من دون أسباب،  والحال ليس بعيداً عن المؤسسة الأمنية والعسكرية السابقة، والتي يوجد فيها الآلاف من الموظفين في طرطوس واللاذقية، لا يعرفون مصيرهم حتى الآن، ورغم قيامهم بعملية تسوية لأوضاعهم وإثبات عدم ضلوعهم بجرائم وانتهاكات مباشرة، إلا أن العديد من المنتسبين للقطاع العسكري من جنود وعقود واحتياط لا حيلة بيدهم سوى الانتظار الذي قد يكون لا فائدة منه، لاسيما أن الآلاف منهم ما زالوا في سجون حماة وإدلب.

وعلى نهج القرارات الجائرة، أصدرت سلطة دمشق قراراً بحل الضابطة الجمركية البرية والبحرية، بكل مسمياتها وتشكيلاتها، وبات على العاملين في الضابطة وهم بالآلاف على اختلاف مراكزهم الوظيفية، تسليم عهدهم والجلوس في منازلهم، مع إعادة تشكيل الضابطة بما يخدم المصلحة العامة وفق تصريحات الحكومة التابعة لسلطة دمشق.

الموظفون بالمحافظتين احتجوا على هذه الإجراءات التي وصفوها بالظالمة والمجحفة بحقهم بعد خدمتهم الطويلة في مجال عملهم، ورفعوا لافتات تندد بالقرار وتطالب بعودتهم إلى الوظيفة، وأصبحنا نشاهد في ساحات الاعتصام موظفين في القطاعات الصحية والإعلامية والتربوية وحتى الزراعية، وآخرين من عناصر الشرطة، والكثير ممن فصلوا من وظائفهم وحرموا من رواتبهم ومساكنهم أيضاً.

وأكد موظفون وموظفات في عدة مؤسسات حكومية من بينها الصحة والإدارة المحلية، عدم حصولهم على زيادة راتب بنسبة 400% التي وعد بها وزير المالية كانون الثاني الماضي، وكانت الحكومة أعلنت عن زيادة بنسبة 400% على الرواتب يتم صرفها مع بداية كانون الثاني، وفيما بعد تقرر تأجيل الزيادة على الرواتب حتى شهر شباط، بعد الانتهاء من عملية إعادة هيكلة الجهات العامة، وإعادة تقييم العاملين القائمين على رأس عملهم فيها، وبدلا عن الزيادة المرتقبة، لم يحصل كثير من الموظفين على رواتبهم لا مع الزيادة ولا من دونها ، أما الموظفون القلائل الذين قبضوا راتبهم فلم يتضمن أي زيادة بالنسبة الموعودة، وهذه الوضعية الاقتصادية أدت الى تفاقم الأزمة المعيشية لدى عموم المواطنين، وأصبح سعر ربطة الخبز 4000 ليرة، وسعر أسطوانة الغاز 150 ألف ليرة.