لكل السوريين

فوضى في أسواق التعاملات النقدية في سوريا

تقرير/ بسام الحمد

تشهد الأسواق السورية حالة غير مسبوقة من الفوضى الاقتصادية منذ سقوط نظام الأسد، إذ بدأ التعامل بثلاث عملات رئيسية هو السائد بينما كان النظام السابق يمنع التعامل إلا بالليرة السورية، ويقتصر تعامل العملات الأجنبية في المناطق الخارجة عن سيطرته في شمال شرق البلاد وغربها.

ومنذ سقوط النظام بدأت الأسواق السورية تداول ثلاث عملات رئيسية في معاملاتها النقدية وهي الليرتين التركية والسورية والدولار الأمريكي.

هذا التنوع ألقى بظلاله على الأسواق، حيث بات لكل تاجر حرية تسعير بضائعه بالعملة التي يراها مناسبة، مما أدى إلى تباينات كبيرة في الأسعار حتى بين المحلات المتجاورة، فسلعة واحدة قد تكون لها ثلاثة أسعار مختلفة تبعاً لمزاج البائع.

يعاني المواطنون الذين يتنقلون بين المحافظات من أزمات إضافية بسبب فروقات صرف العملات، فالذاهبون من الشمال السوري إلى دمشق يضطرون للتعامل بالليرة السورية لشراء السلع، ما يستلزم تصريف الدولار أو الليرة التركية بأسعار تحدد وفق أهواء التجار.

وعلى الجانب الآخر، يعاني القادمون من دمشق إلى مناطق الشمال من نفس المشكلة، حيث يسود التعامل بالليرة التركية، مما يزيد من الأعباء المالية على المواطنين.

ولا يقتصر تأثير هذه الفوضى على السلع الكمالية، بل يشمل المواد الغذائية الأساسية والمحروقات وحتى الأدوية، خاصة أن الأسعار تتغير بشكل يومي وحتى خلال ساعات اليوم الواحد، ما يجعل التخطيط للشراء أو ادخار الأموال أمراً شبه مستحيل بالنسبة للعائلات السورية التي تعاني أصلاً من شح الموارد وقلة مصادر الدخل.

وأصبح التنقل بين الشمال ودمشق بمثابة مغامرة اقتصادية فلكل منطقة قوانينها الخاصة، ففي إدلب التعامل بالليرة التركية هو الغالب، بينما في دمشق يفضلون الليرة السورية، ويأمل أهالي في إيجاد حلول تنهي هذه الفوضى الاقتصادية التي أرهقت الجميع.

ويقول باحثون اقتصاديون إنّ التسعير عشوائي في الأسواق السورية حالياً بسبب عدم تفعيل قوانين الدولة أو ثقة بمؤسساتها بالتالي، يجري التحكم بالأسعار حسب المزاج وسط تلاعب بأسواق الصرف من شركات التصريف والحوالات.

ويشيرون إلى أنهم ليسوا من أنصار التعامل بأكثر من عملة في سوريا، إذ يجب العمل على دعم الليرة السورية والتقليل قدر المستطاع من استخدام الدولار الأمريكي والليرة التركية، على اعتبار أن تداول عملات أجنبية قد تخلق مشاكل اقتصادية مستوردة.

ويلفت بعضهم إلى إمكانية التعامل بالدولار في الوقت الحالي، إلى حين تغيير العملة وضبط الكتلة النقدية الموجودة في السوق، وإعادة تسعير العملة وتفعيل منشآت الدولة المالية، موضحاً أن هذه المهمة تحتاج إلى وقت، فالأمر ليس سهلاً.

وعن وجود عدد كبير من الصرافين، أبدى خبير اقتصادي دعمه لذلك، مؤكداً ضرورة السوق المفتوحة والحرة، بالتزامن مع تنظيم العملية وإنهاء أي عملية تلاعب أو احتكار، إلى حين تجاوز المرحلة الحالية بأقل الخسائر تمهيداً للوصول إلى مرحلة البناء.

في ظل الفوضى الاقتصادية التي تعاني منها الأسواق السورية، تبرز مجموعة من الحلول الممكنة التي يمكن أن تسهم في تحسين الأوضاع وتعزيز الاستقرار الاقتصادي.

يُعد توحيد العملة خطوة أساسية لتقليل الفوضى الناتجة عن تعدد العملات، ويمكن اعتماد عملة واحدة، كما يُقترح إنشاء هيئة لضبط سعر الصرف يومياً ومنع التلاعب به، وهو ما يحد من الخسائر الناتجة عن فرق تصريف العملات.

لزيادة الشفافية وتقليل التفاوت في الأسعار بين المحلات، يمكن تطوير منصات إلكترونية تُظهر الأسعار الرسمية للسلع بشكل يومي، ويُوصى بإنشاء هيئة رقابية اقتصادية مسؤولة عن مراقبة الأسواق وضمان التزام التجار بالأسعار المحددة، مما يحد من الاحتكار والتلاعب بالأسعار، ويعدّ تنسيق الجهود بين مختلف المؤسسات المعنية مفتاحاً لتوحيد السياسات الاقتصادية وضمان استقرار الأسعار.