لكل السوريين

تحسّن صرف الليرة

عبد الكريم البليخ

في ظل التحديات الاقتصادية والسياسية الكبيرة التي تواجهها سوريا، كان من المتوقع استمرار انخفاض قيمة العملة السورية أمام الدولار الأميركي. إذ ساهمت عوامل مثل إغلاق الحدود، توقف عجلة التصدير، نفاد الخزينة من القطع الأجنبي، استمرار العقوبات الأميركية والأوروبية، والاضطراب السياسي المستمر، في جعل الليرة السورية مرشحة لمزيد من الانهيار. ومع ذلك، جاءت الأيام الأولى التي أعقبت سقوط نظام الأسد المجرم مخالفة تماماً لهذه التوقعات، حيث شهدت الليرة تحسناً مفاجئاً وغير متوقع، ما أثار العديد من التساؤلات حول الأسباب الكامنة وراء هذا التحسن.

فالأيام الأولى لسقوط النظام شهدت الليرة انخفاضاً كبيراً في سعر الدولار. إذ وصل سعر الدولار إلى 11 ألف ليرة للمبيع و12 ألفاً للشراء في دمشق، بينما بلغ في حلب 11,500 ليرة للمبيع و12,500 ليرة للشراء. واستمر هذا التحسن بشكل يومي خلال الأيام الخمسة التالية، حيث ارتفعت قيمة الليرة بمعدل يزيد عن ألف ليرة يومياً.

عند مقارنة هذه الأرقام بسعر الصرف قبيل سقوط النظام، نجد أن الدولار كان قد بلغ نحو 27 ألف ليرة في دمشق و50 ألفاً في حلب. وبالتالي، فإن الليرة السورية تحسنت بنحو 16 ألف ليرة في دمشق و37 ألفاً في حلب في فترة قصيرة للغاية.

رغم الأداء السيئ لليرة حتى الساعات الأخيرة من حكم النظام نتيجة المعارك والاضطراب السياسي وعدم اليقين بشأن المستقبل، إلا أن التحسن المفاجئ الذي أعقب سقوط النظام قد يُفسر بعدة عوامل، أبرزها:

عودة أعداد كبيرة من السوريين إلى البلاد بعد سقوط النظام أدت إلى تصريف العملات الأجنبية التي جلبوها معهم، مما زاد الطلب على الليرة السورية.

مع استئناف تحويلات المغتربين، والتدفق الكبير للمساعدات الإنسانية، تحسّنت الأسواق المحلية، ما دعّم قيمة العملة الوطنية في السوق السوداء.

اتخذت الحكومة خطوات لتحفيز التعامل بالليرة، ما أسهم في زيادة الثقة المؤقتة بها.

إزالة القيود على تصريف العملات الأجنبية دفعت السوريين لتصريف مدخراتهم من الدولار، وهذا ما يعني إلى انخفاض الطلب على الدولار وزيادة الطلب على الليرة.

رغم تحسن قيمة الليرة، لم يلمس السوريون هذا التغيير بشكل فعلي على مستوى أسعار السلع والخدمات في الأسواق. فقد استمرت أسعار المواد الغذائية والمنتجات الأساسية عند مستوياتها المرتفعة، مما يثير تساؤلات حول ما إذا كان هذا التحسن حقيقياً أم مجرد وهم مؤقت ناجم عن عوامل ظرفية!.

هذا الشك تعزّزه تصريحات رئيس حكومة تصريف الأعمال، محمد البشير، الذي أكد أن خزائن المصرف المركزي تحتوي فقط على أموال بالليرة السورية، بقيمة تعادل 35 ألف ليرة مقابل الدولار الأميركي. ما يعني أنّ القوّة الشرائية الحقيقية للعملة لم تتغير، وأن التحسّن الحالي هو نتيجة اضطرابات في العرض والطلب، وليس تحسناً ناتجاً عن دعم اقتصادي فعلي أو زيادة في الاحتياطات النقدية.

التحسن المؤقت في قيمة الليرة قد يُعزى إلى عمليات مضاربة واسعة، في ظل التوقعات بدعم خليجي محتمل للمصرف المركزي السوري. ومع ذلك، فإنَّ هذا الدعم يبقى مرهوناً برفع العقوبات الاقتصادية الدولية، وتقديم ودائع أجنبية كبيرة تُنعش الاقتصاد بشكل مستدام.

التحسن الذي طرأ على قيمة الليرة السورية خلال الأيام الأولى لسقوط النظام يبدو ظرفياً وهشّاً، مدفوعاً بزيادة الطلب عليها وتراجع الطلب على الدولار بسبب عوامل مؤقتة مثل تدفق الحوالات والمساعدات. ومع استمرار التحديات الاقتصادية الكبرى، وغياب دعم حقيقي ومستدام للمصرف المركزي، يبقى هذا التحسن عرضة للتلاشي ما لم تُتخذ خطوات استراتيجية لدعم الاقتصاد وبناء الثقة بالعملة الوطنية.