لكل السوريين

وسط الضائقة الاقتصادية وقلة الأجور، سوريات يؤمنَ مقتضياتهن داخل المنازل

تقرير/ أ ـ ن

في مدن الساحل السوري، تتعرض النساء الراغبات في العمل إلى عدة إعاقات ذاتية وموضوعية، أبرزها الافتقار إلى التعليم والخبرة وقلة فرص العمل المتاحة، فضلاً عن صعوبة الموازنة بين رعاية الأسرة والعمل، وعدم توفر وسائل النقل إلى أماكن العمل، ورغم قيام عدة دورات تدريبية وورشات عمل خاصة بالنساء، إضافة إلى توفر معاهد تدريبية تكسب المرأة بعض الخبرات والمهارات، في اللاذقية وطرطوس، إلا أن السيدات ينخرطن في مهن مرهقة وخطرة، بغية تأمين حاجاتهن المتعددة، وسط ارتفاع الأسعار وقلة الأجور.

وتلجأ بعض النساء، خصوصاً من المقيمات في القدموس وبانياس، لأعمال تعرف محلياً بأنها من تخصص الرجال، أو نشاط محفوف بالخطر كالبحث بين أكوام القمامة عن البلاستيك أو العتالة أو البيع على البسطات في الشوارع.

لكن العديد من النساء بدأن بالعمل في مشاريع تتعلق بالطبخ وعمل المؤونة المنزلية لأسر كثيرة، فالسيد أم علي من قرية بريف بانياس قالت: كانت البداية متعثرة وصعبة وبأدوات بعضها لا يلبي الحاجة، أو قليلة، ودفعها للعمل سوء الأوضاع المعيشية التي ترافقت مع موجة غلاء من إيجارات المنازل والكهرباء والأغذية، ويرجع نشاط مثل المشاريع إلى قلة فرص العمل، أو انعدامها، وضعف القدرة الشرائية وعدم الاكتفاء من دخل الزوج أو معيل الأسرة، فالأجرة اليومية لزوجها العامل لا تكفي لسد احتياجات العائلة الأولية، فقد قمت بتحضير الطعام والمؤونة، لتحقيق مصدر دخل إضافي لعائلتي، وبدأت كمحاولة من خلاله مساعدة عائلتها، فهي أم لأربعة أطفال، ولا يمكنها تركهم والعمل خارج المنزل، وكونها مغرمة جدا بالمطبخ وتستمتع بالطبخ وإعداد الوجبات، وبدأت بالترويج لأطباقها الشرقية وبعض أصناف المؤونة مثل المكدوس ودبس الرمان و المخللات والكشك وغيرها على صفحات التواصل الاجتماعي، ولاقت رواجا من محبي الأكل المنزلي، من المناسف أو الكبة المقلية أو المقلوبة أو المحاشي أو الكبيبات بسلق، ومن النساء الذين يرغبون تخزين المؤونة، رغم صعوبات اعترضت طريقها من ضعف الإمكانيات المادية، وعدم وجود مستلزمات كافية من أوان للطبخ وأطباق وغيرها من المعدات الأساسية، أما أسعار أطباقها، فهي معتدلة وتراعي ظروف الناس جميعا، إضافة الى الوجبات للمناسبات وللأفراد، كما تعتبر الأسعار مخفضة مقارنة بأسعار المطاعم وجودة المواد المستخدمة فيها وكميتها، وتتفاوت الأسعار بحسب مواسم توفر الخضار واللحوم فهي أسعار غير ثابتة، ومع عرضها لأصناف أطباقها، زاد من الإقبال على طلباتها، وباتت لها سمعة جيدة في التحضير، وتذوق منتجاتها، وهي قدمت مجموعة تدريبات للسيدات حول كيفية تحضير معظم الأطباق الشرقية والمؤونة وغيرها، لتفتح أمامهن بابا يتمكن من خلاله تأمين مصدر دخل ثابت لهن بعد تعلمهن أهم النقاط لنجاح العمل، كالتنظيم وتأمين المواد الأولية واستقبال الطلبات قبل يوم على الأقل، والترويج لمنتجاتهن بطريقة لافتة للنظر، ووضع أسعار تتناسب مع الواقع الاقتصادي بمربح بسيط لجذب أكبر عدد من الزبائن.

وانتشرت خلال السنوات الماضية مشاريع مشابهة لسيدات خضن تجارب العمل من المنزل سواء في الطبخ أو صناعة الحلويات أو الشمع أو التطريز والخياطة وغيرها، في مناطق القدموس بريف طرطوس، وتعاني ربات المنازل في القدموس قلة الخيارات المتاحة لإعداد أطباق الطعام لأسرهن، والكفاح في البحث عن الموازنة بين الدخل اليومي لأزواجهن، ويحتلن على الظروف لإيجاد طبق طعام يؤمن التغذية اللازمة للأسرة.

لان الوضع المعيشي الراهن صعب جداً، الذي تعاني منه عائلات محدودة الدخل، تغيرت الثقافة الاستهلاكية المتبعة لديهم بشكل عام، مستغنين عن كثير من الأمور التي اعتادوا عليها طيلة حياتهم لحين تحسن الأوضاع المعيشية، لكننا بدأنا العمل بطلبيات محدودة وصغير ثم زاد الطلب والشغل، فالزوج يقوم على بتأمين بعض أنواع الطعام، ويذهب لإحضار لوازم الطبخة أو مواد المؤنة المطلوبة، لقد أصبحت وظيفتي اليوم هي إعداد وجبات طعام وبيعها للناس في القدموس، لقد وجدت نفسها في دوامة فرضت عليها إعالة أسرتها وتحمل مسؤوليات لم تكن منوطة بهن من قبل، لقد امتهنت الطبخ بمقابل مادي، لقد تبلورت فكرتها بعد النجاح الذي حققه مشروعها، إذ قررت افتتاح مطبخ خاص بها يعمل على مدار الأسبوع بإعداد وجبات الطعام وغيرها من الأطعمة التقليدية والمونة، وبالفعل بدأت تروج لمطبخها عبر الإعلانات والمنشورات الورقية، إنها بدأت العمل بإمكانيات بسيطة كانت تغطي تكاليف الطبخات فقط محققة أرباحا مادية قليلة، أما الآن وبعد أن اشتهرت، أصبحت تحقق أرباحا مادية تكفيها لعيش حياة كريمة، وأصبح لديها موظفات يساعدنها على إعداد الطعام.

السيدة جميلة من ريف القدموس قالت: لائحة الأطعمة في مطبخ جميلة وتندرج في إطار وجبات شرقية، ومنها المحاشي بأنواعها والملفوف وورق العنب واليالنجي، بالإضافة إلى المناسف المختلفة باللحم أو الدجاج كبسة، فريكة، مندي، وأيضا الكبب والمعجنات وبعض الوجبات الغربية، مثل البروستد والدجاج المكسيكي والكباب الهندي وغيرها، وتعتمد في إعداد الطبخات على تواصي الزبائن، بالإضافة إلى برنامج طبخ يوزع على مدار الأسبوع، إذ تخصص وجبات معينة لكل يوم، تعلن عنها عبر مجموعات خاصة بمطبخها على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة واتساب، وإن طعامها يتميز بأنه بيتوتي ويختلف كثيراً عن وجبات السوق، فهي مثل الكثير من النساء في بانياس والقدموس، اللواتي اتجهن نحو افتتاح مشاريع منزلية صغيرة، يواجهن بها تبعات الكارثة الاقتصادية.