تقرير/ أ ـ ن
استجابة لمئات الشكاوى من أهالي ريف طرطوس وخاصة أهالي القرى المحيطة بمعمل الإسمنت وتوجعاتهم، نعيد من جديد طرح الموضوع، ومن البداية نؤكد أن كافة المنشآت الصناعية وحتى مولدات المصانع التابعة لمنشآت الحكومة لا تحتوي على أدنى متطلبات التنقية والحد من التلوث، وتستخدم الأنهار وشبكات الصرف الصحي للتخلص من مخلفات الصناعة ومنها معامل الأسمدة والسكر والصلب والحديد والإسمنت، وهذه الأمور تؤثر سلبياً على حياة السكان مع تواصل الاستهتار والوعود الكاذبة بمعالجة هذه الظواهر، حيث انه من المعروف أنها تتضمن معظم النفايات الصناعية مواد كيميائية خطيرة ومؤذية وتهدد جميع الكائنات الحية.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة حول إن كان معمل الإسمنت قد تسبب بزيادة حالات الإصابة بالسرطان إلا أن بيانات صحة طرطوس تظهر بأنها تتصدر باقي المحافظات بأعداد المصابين بالمرض، وسط تجاهل رسمي لهذه الانبعاثات وعدم إصلاح فلترات التصفية في المعامل، وإن أكثر الحالات السرطانية بدأت بأمراض الدم أو أمراض الصدر منها الرئة والقصبات ثم انتشرت في جميع أنحاء جسم المصاب، وان الانبعاثات بالجو والغبار الذي يطلقه معمل الاسمنت بالأطنان يؤثر على الإنسان والحيوان والنبات، من خلال ترسبه على المياه الجوفية التي تعتبر المسبب المباشر للمرض.
وفي تبرير جديد أصدرت وزارة الصناعة الحكومية، توضيحا بررت خلاله تزايد انبعاثات معمل الأسمنت بطرطوس، وحالة التلوث البيئي الناتجة عن الغبار والدخان الصادر عن المعمل بعد شكاوى متكررة، وحسب الوزارة فإنه “نتيجة حدوث انخفاض جهد مفاجئ “رفة كهربائية” للتيار الكهربائي المغذي لمعمل إسمنت طرطوس الأمر الذي أدى إلى فصل عدة آلات عن العمل يرتبط عملها باستقرار التيار الكهربائي، وذكرت أن “الرفة الكهربائية” أدت إلى فصل خط الإنتاج بشكل كامل عن العمل للمحركات الكهربائية الضخمة والمركبة على كامل خط الإنتاج الأمر الذي سبب صعوبة التحكم بعمل الفلاتر الكهربائية إلا بعد إعادة اقلاع منظومة العمل، ولفتت إلى أن هذا الأمر تطلب بعض الوقت لإعادة الاستقرار لخط الإنتاج، وزعمت وجود متابعة مع شركة “عمران” خطة وضع الفلاتر الكهربائية في معمل طرطوس غربي سوريا، وادعت أن المتابعة تتم مع الكادر الفني في المعمل والمرتبط عمله باستقرار حوامل الطاقة، ريثما يتم في العام القادم تركيب الفلاتر القماشية للمعمل والتي تم إقرارها في الخطة الاستثمارية لعام 2025 والتي لا يعتمد مبدأ عملها على استقرار حوامل الطاقة.
ولكن تجددت الشكاوى السنوية حول انبعاثات معمل إسمنت طرطوس خصوصا في القرى القريبة، واعتبار إن معمل الإسمنت في طرطوس عبارة عن كابوس أسود على أهالي المنطقة، وإن بناء المصنع مستهجنا ضمن المناطق السكنية وعدم الاستجابة لمطالب الأهالي.
واعتبر الاهالي أن مع التجاهل الرسمي رغم تكرار الشكاوى، فإنهم يدفعون إلى مغادرة المنطقة كحل وحيد وسط تجاهل مطالبهم لحل جذري للمعاناة مع انبعاثات المعمل لا سيما الدخان والغبار الذي يصل إلى المنازل السكنية بكثافة.
تمت الدعوات من أجل الوقوف جميعا ضد هذا الغبار المدمر، وإن يتم وضع حدا لهذه الجريمة التي ترتكب بحق الطبيعة والإنسان، وتم وصف غبار معمل الأسمنت بغبار الموت، والجميع يطالب بقوة من اجل الوقوف والاتحاد لوقف هذا الظلم.
وفي سياق مواز، نقل عن مدير عام سابق للمعمل، قوله: إن تشغيل المعمل على هذه الشاكلة يعتبر دمارا للبيئة والأهالي، مستغربا الحجج حول عدم تشغيل المرسبات الكهربائية التي تم شراؤها منذ 10 سنوات، وأكد أن استمر الوضع على ما هو عليه، فإن المناطق القريبة من المعمل ستودع كروم زيتونتها وطبيعتها الخلابة، وقدر مسؤول صحي بطرطوس، فإن ما تخسره الدولة بسبب التلوث الناتج عن المعمل يفوق العائدات.
بعد مضي أكثر من شهر على احتجاج الكثير من مواطني حصين البحر والقرى المجاورة لمعمل إسمنت طرطوس بسبب معاناتهم الكبيرة من كثافة التلوث الناجم عن غبار المعمل في الفترة الأخيرة وبعد الاجتماع الذي جرى في مكتب المحافظ بحضور المدير العام لشركة تصنيع وتسويق الإسمنت، كثرت شكاوى أبناء حصين البحر وجوارها متضمنة استمرار الغبار والتلوث ولو بنسبة أقل بعض الشيء من السابق والمطالبة بتنفيذ الوعود التي أطلقت لجهة تحويل المعمل إلى معمل صديق للبيئة ريثما يتم إلغاء هذا المعمل من مكانه.
وضمن هذا الإطار بين مدير سابق لشركة إسمنت طرطوس وهو ابن حصين البحر أنه من خلال مشاهدته للمعمل من نافذة منزله لاحظ أن الغبار خف بعض الشيء من المداخن ومن المسخنات والمطاحن والأرضيات مقارنة بما كان عليه منذ شهر وعدة أيام، مضيفاً: لا أعلم ماذا يفعلون داخل المعمل وهناك احتمالات كثيرة لكن الاحتمال الأخطر ما ينعكس ذلك على الطوب الحراري من المبردات إلى الأفران إلى المسخن الأولي، حيث هذا الطوب لا يتحمل التوقف المتكرر ولا التوقف الطويل للفرن.
وأكد أن التآكلات والافتراءات والفتحات المنتشرة والكثيرة على الخط ستمنع من أن يكون معمل قديم متهالك بهذا الشكل صديقاً للبيئة، الأهم من كل ذلك أن المواد الأولية من المقالع غير مناسبة لإنتاج إسمنت بورتلاندي عادي وفق المواصفات والمقاييس العالمية وهذا قد يؤدي لكوارث.
وتمنى المواطنون إيجاد حلول ناجعة لهذا الواقع، وإن تصاعد الغبار من مدخنة المعمل كان لافتا، حيث أن التحسن بات ملحوظا وأن الشركة قامت منذ بداية أيلول بإجراء الصيانات اللازمة على الخط الأول، ومن ثم على الخط الثاني وهي مستمرة في تحسين الواقع لحين توريد وتركيب الفلاتر القماشية والحجر الذي يستخدم من المقالع جيد ومواصفات الإسمنت ضمن المواصفات الفنية الصحيحة والممتازة وهناك تحاليل يتم إجراؤها.
قامت الشركة بمتابعة تأمين الفلاتر القماشية على ان يتم تركيبها بعد توريدها مع ترك الفلاتر الكهربائية وبالتالي سيصبح معمل طرطوس صديقاً للبيئة ولا يمكن أن يكون أي معمل صديقا للبيئة إلا بتركيب الفلاتر القماشية.
في الظروف الحالية لا يمكن توقيف هذا المعمل للحاجة الماسة إلى إنتاجه، ففي حال توقفه ستكون هناك مشكلة في تأمين مادة الإسمنت خاصة محافظتي طرطوس واللاذقية، إضافة لذلك تم صرف تعويضات للفلاحين المتضررين الذين سبق أن حصلوا على أحكام قضائية مبرمة من القضاء.