أحمد الحمود
في الآونة الأخيرة، شهدنا تحولًا كبيرًا في مهنة الإعلام، حيث أصبح تصوير الإعلانات والدعايات أحد أبرز مكونات هذا القطاع بينما كان الإعلام في الماضي يُعتبر منبرًا لنقل الأخبار وتحليل الأحداث، تحوّل تدريجيًا إلى منصة تُستخدم لتحقيق الأرباح من خلال الإعلانات التجارية فما هي الأسباب التي أدت إلى هذا التحول، وكيف أثر ذلك على جودة ومصداقية الإعلام؟
الأسباب الرئيسية لهذا التحول
تعد التغيرات الاقتصادية والتكنولوجية من أبرز العوامل التي أسهمت في تغيير طبيعة الإعلام في ظل ازدياد التنافسية بين وسائل الإعلام المختلفة وتقلص مصادر التمويل التقليدية، مثل الاشتراكات والإعلانات المطبوعة، بدأ البعض من الإعلاميين بالاعتماد أكبر على الإعلانات الرقمية كمصدر أساسي للدخل هذا التحول إلى النموذج الربحي دفع البعض من الإعلاميين إلى تعديل استراتيجياتهم لزيادة الجذب والمشاركة من الجمهور.
من جانب آخر، أدت وسائل التواصل الاجتماعي إلى تسريع هذا التحول، حيث أصبحت المنصات مثل فيسبوك وإنستغرام، ويوتيوب تعتمد بشكل كبير على الإعلانات الموجهة الإعلام التقليدي بدأ بدوره في تقليد هذه المنصات لتحقيق الاستفادة المالية، مما أدى إلى ازدياد التركيز على المحتوى الترفيهي والإعلاني على حساب المحتوى الإخباري الجاد.
التأثيرات على جودة الإعلام ومصداقيته
التحول إلى مهنة ترتكز على الإعلانات أثر بشكل واضح على جودة المحتوى الإعلامي في كثير من الأحيان، يؤدي الاعتماد الكبير على الإعلانات إلى إضعاف المحتوى وتقليل الاهتمام بالقضايا المهمة التي تؤثر على المجتمع انتقل الإعلاميين إلى تقديم محتوى يحقق أكبر قدر من الانتشار والتفاعل بدلاً من تقديم محتوى هادف ومثقف.
على سبيل المثال، قد يتم تقديم مواضيع خفيفة أو مثيرة للاهتمام بسرعة لجذب الأنظار، في حين تُهمل المواضيع الأكثر تعقيدًا أو التي تتطلب تحليلًا عميقًا هذا التوجه نحو “الإعلام السريع” أو “الإعلام الاستهلاكي” يؤثر على ثقة الجمهور، حيث يشعر البعض أن الإعلام لم يعد يخدم مصلحة الجمهور بل يخدم مصالح تجارية بحتة.
تغيرات في مهنة الإعلام
مع هذا التحول، شهدت مهنة الإعلام تغيرات جوهرية لم يعد الإعلامي يعتمد فقط على مهارات الصحافة التقليدية مثل التحقيق والكتابة، بل أصبح بحاجة إلى معرفة كيفية التعامل مع التسويق الإلكتروني وفهم كيفية تحسين المحتوى لجذب الإعلانات المهارات الفنية مثل التصوير الفوتوغرافي، التحرير بالفيديو، وإدارة المحتوى الرقمي أصبحت جزءًا أساسيًا من عمل الإعلاميين اليوم.
هذا التحول يمثل تحديًا كبيرًا للعاملين في المجال الإعلامي التقليدي، الذين قد يجدون أنفسهم بحاجة إلى اكتساب مهارات جديدة تتناسب مع المتطلبات الحالية لكن في الوقت نفسه، يُنظر إلى هذا التحول كفرصة للابتكار، والتكيف مع عالم الإعلام الرقمي الجديد.
التوازن بين الربحية والمصداقية
السؤال الأهم هو: هل يمكن تحقيق التوازن بين الربحية من الإعلانات وتقديم محتوى إعلامي ذي جودة ومصداقية؟ من المؤكد أن بعض الإعلاميين نجحوا في تحقيق هذا التوازن، لكن العديد منها يعاني من الضغوط المالية التي قد تدفعها إلى تقديم تنازلات من هنا، تظهر الحاجة إلى وضع سياسات تحريرية صارمة تضمن أن المحتوى الإعلامي يبقى مستقلًا وأن الجمهور يظل على ثقة.
هل يمكن للإعلام العودة إلى دوره الأصلي؟
السؤال الأوسع هو: هل يمكن للإعلام أن يعود إلى دوره الأصلي كمنبر لنقل الحقائق وتقديم التحليلات؟ قد يكون من الصعب ذلك في ظل الظروف الاقتصادية الحالية والتطورات التكنولوجية، لكن هناك دائمًا أمل في وجود إعلاميين قدموا محتوى ذو قيمة بعيدًا عن الضغوط التجارية.
في نهاية المطاف، يظل الجمهور هو العامل الحاسم إذا استمر الجمهور في تفضيل المحتوى الخفيف والإعلانات على الأخبار والتحليلات الجادة، سيستمر هذا الاتجاه ولكن إذا طالب الجمهور بمحتوى إعلامي مستقل وهادف، فقد نشهد تحولًا جديدًا يعيد للإعلام دوره التقليدي.