لكل السوريين

في ظل تآكل نظام الحماية الدولية.. قبرص توقف النظر بطلبات لجوء السوريين ولبنان يرحل العشرات منهم قسراً

تحقيق/ لطفي توفيق

أعلنت السلطات القبرصية وقف النظر بطلبات لجوء السوريين حتى إشعار آخر كـ “إجراء احترازي طارئ”، وفق ما أكد الرئيس القبرصي الذي اعتبر إصدار القرار ضرورة تمليها عليه “حماية مصالح قبرص” التي تقوم بتحركات حثيثة للحد من تدفق موجات طالبي اللجوء إلى أراضيها.

ووصف الرئيس القبرصي تصاعد موجات اللجوء بشكل يومي نحو سواحل بلاده بالوضع الخطير، وأشار إلى أن استمرارها “سيدفع أوضاع الجزيرة إلى الانهيار”.

ووفقا لإحصاءات رسمية، فإن نسبة السوريين الذين وصلوا إلى قبرص بلغت نحو 53% من إجمالي المهاجرين إليها، ومازالت طلبات أكثر من ألفين منهم وصلوا خلال العام الحالي، قيد الدراسة.

ويتدفق اللاجئون السوريون إلى الجزيرة من لبنان عبر قوارب صغيرة تنطلق في رحلات غير منتظمة من ساحل مدينة طرابلس اللبنانية باتجاه الجزيرة لتهريب مئات السوريين الذين يبحثون عن ملاذ آمن وحياة أفضل.

وسجلت سواحلها خلال الشهر الماضي، وصول أكثر من 15 قارباً تحمل المئات من طالبي اللجوء الذين غادروا لبنان على خلفية تصاعد الخطاب المناهض لوجودهم فيه، وتعرّضهم للمضايقات من قبل الجيش اللبناني خلال حملاته المتواصلة لترحيل العشرات منهم إلى سوريا.

إعادة تقييم الوضع

تربط الحكومة القبرصية إعادة اللاجئين منها بموقف شركائها في الاتحاد الأوروبي، وأعلنت غير مرة أنه ليس بإمكانها أن تخطو خطوة كهذه ما لم يعد الاتحاد تقييم سياسته تجاه الوضع الراهن داخل سوريا من جديد.

ولفت وزير الداخلية القبرصي إلى أن بلاده ترى أنه من المفيد إعادة تقييم وضع سوريا الذي لم يتغير منذ فترة طويلة، لأن بعض المناطق أصبحت في الآونة الأخيرة في عداد الآمنة.

وأشار إلى وجود منطقتين آمنتين تعترف بهما وكالة اللجوء في الاتحاد الأوروبي هما دمشق وطرطوس، وقال “يجب الاعتراف بهما على مستوى الاتحاد، بما يسمح لنا بترحيل الأشخاص أو إعادتهم إلى سوريا”.

وكشف الوزير في جلسة للجنة الداخلية بمجلس النواب القبرصي عن استجابة العديد من دول الاتحاد لمقترح تصنيف أجزاء جديدة من سوريا على أنها آمنة بشكل إيجابي.

ونقلت صحيفة “ديلي قبرص” عن المتحدثة باسم وزارة الداخلية أن الدول المستجيبة هي اليونان وإسبانيا والسويد وجميع دول شرقي البحر الأبيض المتوسط، إضافة إلى الدانمارك التي سحبت الحماية عن اللاجئين السوريين من دمشق وريفها في وقت مبكر.

الاتفاقية الجديدة

رحبت قبرص باتفاقية الهجرة الجديدة التي وافق عليها البرلمان الأوروبي مؤخراً، ودخلت حيز التنفيذ يوم أمس، واعتبرتها ملبية لطموحها في حال تنفيذها.

وبموجب هذه الاتفاقية ستكون دول الاتحاد البالغ عددها 27 دولة، ملزمة إما بقبول اللاجئين

من الدول الواقعة على أطرف الاتحاد الأوروبي، أو تقديم تمويل إضافي لهذه الدول لتسريع عمليات معالجة طلباتهم، وإعادة المهاجرين غير النظاميين إلى أوطانهم، وإعادة من رفضت طلباتهم خلال فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهر.

وأشادت رئيسة المفوضية الأوروبية بالاتفاقية واعتبرتها “اتفاقاً تاريخياً”، في حين اعتبرتها رئيسة البرلمان الأوروبي أهم اتفاق تشريعي أثناء ولايتها.

وبالمقابل، انتقدت منظمات تعنى بحقوق الإنسان وعمليات الإغاثة الاتفاقية، وأشارت في بيانات أصدرتها إلى أنها تتسبب بالمزيد من وفيات اللاجئين في البحار، وتزيد من معاناة المنفيين من أوطانهم، ووصفتها إحدى هذه المنظمات “بالتفكيك الخطير للمبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وقانون اللاجئين”.

ووفق محللين سياسيين جاءت الاتفاقية الجديدة في وقت حرج بالنسبة للاتحاد الأوروبي الذي يواجه تدفقات هجرة كبيرة، حيث يتزايد عدد الأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة للمهاجرين.

تآكل نظام الحماية الدولية

ذكر تقرير مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في شهر شباط الماضي وجود “أسباب منطقية للاعتقاد بأن الظروف العامة في سوريا لا تسمح بعودة آمنة وكريمة ومستدامة للاجئين السوريين إلى وطنهم”.

وأضاف التقرير أنه في ظل تصاعد عمليات ترحيل السوريين من بلدان عديدة يثير وضع هؤلاء تساؤلات جدية بشأن التزام الدول بالإجراءات القانونية الواجبة وعدم الإعادة القسرية.

وقالت المتحدثة باسم المفوضية إن تقرير مكتب حقوق الانسان التابع للمنظمة الأممية “يرسم صورة مثيرة للقلق لمعاناة العائدين وسط تزايد عدد عمليات ترحيل السوريين من دول أخرى”.

وفي الرسالة الأخيرة التي وجهها رئيس لجنة التحقيق الدولية المستقلة بشأن سوريا من مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، خاطب باولو بينيرو العالم قائلا “إن عدم احترام قواعد القانون الدولي الإنساني الأساسية في سوريا لا يؤدي إلى قتل وتشويه الضحايا من جميع الأطراف فحسب، بل يقوض جوهر نظام الحماية الدولية ذاته ويجعله يتآكل، ونحن نشهد النتائج اليوم”.