لكل السوريين

مسنات في حلب يدخلن ميدان العمل بمشاريع صغيرة

بعد انقضاء ثلاثة عشر عاما من عمر الأزمة السورية، وجدت بعض النساء السوريات أنفسهن في وضع صعب توجب عليهن فيه البحث عن عمل وكسب الرزق الحلال لإعالة أسرهن.

فقبل نشوب الحرب في سوريا قبل حوالي ثلاثة عشر عاما، كانت النساء في سوريا، ولاسيما في حلب شمال سوريا إما منهمكات في أنشطة ترفيهية أو وظائف مريحة للغاية، ناهيك عن أولئك الحاصلين على تعليم عال في مجالات الطب والهندسة.

وعُرفت حلب على وجه الخصوص بأنها مدينة غنية وثرية لأنها كانت العاصمة الصناعية للبلاد، لذا لم تكن الوظائف الصعبة مطروحة على الطاولة في حال أرادت أي امرأة العمل.

ولكن مع نشوب الأزمة واستمرارها لعدة سنوات تغير الوضع وخاضت المرأة ميادين العمل المختلفة التي كانت في وقت ما حكرا على الرجال، إذ شكل العمل لهن مهربا من المشاكل الحياتية، التي مروا بها جراء فقد بعضهن أزواجهن أو أطفالهن بسبب الحرب.

ففي زاوية صغيرة وجميلة في حديقة عامة بمدينة حلب، اجتمعت العديد من النساء معا ليتعلمن مهنة الخياطة وصناعة الأعمال الفنية اليدوية الأخرى بدعم من جمعية خيرية محلية تطلق على نفسها جمعية المحترف السورية، والتي بدأت أنشطتها لتعليم مهن المرأة في عام 2015.

وتوفر الجمعية التدريب والمواد الخام، وعندما تكون المرأة قادرة على تنفيذ الأعمال الفنية اليدوية الخاصة بها فإنها تسهل لها عملية البيع وتمنحها الأرباح.

وعبرت السورية مريم سلوم، وهي امرأة تبلغ من العمر (50 عاما) عن سعادتها عندما كانت تخيط سترة أثناء تبادل الدردشة والضحك مع نساء أخريات، مشيرة إلى أن العمل أكسبها خبرة جديدة وأخرجها من حزنها.

وأعربت سلوم عن حزنها العميق لمقتل ابنها خلال الحرب، وهو حدث حزين بالنسبة لها أغرقها في يأس وحزن عميقين لم تستطع معالجته إلا من خلال تعلم مهنة الخياطة والبدء في العمل مع مجموعة من النساء في الحديقة.

وقالت المرأة “باختصار أنسى نفسي عندما أعمل هنا”.

وظلت المرأة الخمسينية بالعمر تردد عبارة “أنسى نفسي” وكأن العمل بمثابة مسكن لألمها وحزنها العميقين.

وأضافت “على المرء أن يكسب لقمة العيش ليكون مستقلا”، مشجعة في الوقت نفسه جميع النساء على التشمير عن سواعدهن والشروع في العمل لإعالة أنفسهن خلال الأوقات الاقتصادية الصعبة التي تعيشها البلاد حاليا.

وبعد سنوات طويلة من الحرب والصعوبات الاقتصادية، أدركت النساء أن الوقت قد حان للخروج من البيت والبحث والعثور على وظائف تساعد فيها أسرهن.

وقالت مريم “تعلم هذا النوع من العمل اليدوي ساعد كثيرا في التخلص من التوتر والحزن وكسب العيش في هذه الأوقات الصعبة”، معربة عن تمنياتها بأن يتحسن الوضع في البلاد في الأيام القادمة.

وعلى الطاولة المقابلة جلست سعدية توتنجي البالغة من العمر (45 سنة) والمعروفة باسم أم مهند، كان وجهها يشرق بالأمل والسلام على الرغم من أن الحياة كانت قاسية للغاية معها، فزوجها معاق وابنها مريض وابنتها تدرس في الجامعة.

وترى أم مهند أن تعلم مهنة ما لكسب العيش كان أمرا مهما للغاية بالنسبة لها لأنها المعيل الوحيد لعائلتها.

والآن، تكسب أم مهند المال من صنع الأشياء اليدوية في الحديقة بعد أن خضعت لدورة تدريبية من قبل جمعية المحترف السورية.

وقالت المرأة “كنت أعمل على خياطة المخرز وأتيت إلى هنا لتعلم المزيد من المهارات، وبدأت العمل وكسب المال وأصبحت سعيدة لأنني تمكنت من إحضار الأشياء التي يحتاجها أطفالي في المنزل”.

ويتم تدريب المرأتين من بين العديد من النساء الأخريات على يد امرأة تدعى ماجدة ويس، وهي في الخمسينيات من عمرها، وأم وزوجة، وأيضًا المعيل الوحيد لأسرتها لأن زوجها كان مريضًا في الفراش لمدة أربع سنوات.

وقالت ويس: إنها مولعة بالفن اليدوي منذ أن كانت فتاة صغيرة والآن بعد أن أصبحت امرأة في الخمسينيات من عمرها بدأت بتعليم النساء الأخريات عملا مرضيا يحقق لهن دخلا ماديا جيدا.

وأضافت “لقد أثرت الأزمة على كل الشعب السوري، ووُضعت المرأة في موقع يجب أن تعمل فيه وتكون منتجة لتحصل على دخل إضافي للأسرة لأن ضغوطات الحياة باتت كبيرة، ولهذا قررت أن أعمل وأن أكون منتجة”، مضيفة “أعيل أسرتي وأولادي”.

وتابعت أنه بدلاً من البقاء في المنزل دون القيام بأي شيء يجب على النساء أن تتعلم مهارات جديدة والبدء في العمل، مشيرة إلى أن تعليمها للآخرين أمر ممتع للغاية.

وأوضحت “أنه شعور رائع عندما أقوم بتدريس نساء أخريات وأرى أنهن يستفدن من معرفتي إنه لمن المثير للاهتمام تعليم شخص ما”.