لكل السوريين

المرأة السورية والكارثة السورية

إن حقوق المرأة تندرج ضمن الإطار العام لمجموعة حقوق الإنسان وحرياته الأساسية، فهي تشمل كافة أنواع الحقوق والحريات الأساسية، وتقسيماتها وضمانها لكافة بني البشر، رجالا أم نساء، أطفالا أم كبارا في السن ونتيجة لتطور مفهوم وفكرة كافة حقوق الأنسان وحرياته الاساسية فقد أصبح هناك نوع من التخصصية في طرح هذه الحقوق، سواء عبر المطالبة بصياغتها وإقرارها ضمن مواثيق دولية وتشريعات وطنية، أو التأكيد على ضرورة تطبيق هذه الحقوق الواردة في التشريعات وضمان احترامها وتفعيلها ، فظهرت مصطلحات حقوق المرأة وحقوق الطفل وحقوق المعاقين وحقوق المحرومين من حريتهم، وغيرها من هذه التي تركز على حقوق فئة أو شريحة معينة، إلا أنه يجب التأكيد على المناداة بهذه الحقوق لأية فئة أو شريحة مما سبق ذكرها لا يخرجها عن إطارها العام وهو حقوق الأنسان وحرياته الأساسية بل المقصود من المناداة بالتخصصية، توفير المزيد من الحماية والضمانات لهذه الفئات عبر إقرار المواثيق الدولية والتشريعات الوطنية التي تضمن بعض الحقوق لهذه الفئات.

أما بالنسبة لمصطلح حقوق المرأة فقد أخذ هذا المصطلح حيزاً أكبر من الاهتمام المتنامي يوما بعد يوم، وذلك على الصعيدين العالمي والوطني، وأصبحت هناك منظمات وجمعيات واتحادات عالمية وإقليمية ووطنية ترفع لواء المطالبة بتقرير وتطبيق هذه الحقوق.

وتتلخص الغاية الأساسية في المطالبة بحقوق المرأة بضمان تطبيق المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في التمتع بالحقوق المختلفة سواء أكانت سياسية أم مدنية أم اقتصادية أم ثقافية أم اجتماعية، إضافة إلى ما سبق ذكره من تحقيق مزيد من المكاسب في تقرير هذه الحقوق للمرأة وضمان فاعلية التطبيق لهذه الحقوق على أرض الواقع فلا يكفي مجرد تضمين القوانين والتشريعات الوطنية لهذه الحقوق للمرأة، إن كان ذلك يعتبر بحد ذاته مكسبا هاما إلا أن العبرة في التطبيق العملي لهذه الحقوق وتمتع المرأة بها.

حملت الحرب المرأة السورية هموما وأوزارا كبيرة نسفت كل طرق حياتها، فأضحت تعيش تجربة خاصة وتواجه تحديات كبيرة، فإلى جانب الصعاب التقليدية التي تواجه المرأة في المجتمع السوري، وأهمها التمييز بينها وبين الرجل، والعادات والتقاليد التي تسيطر عليها نظرة دونية للمرأة، وقعت المرأة ضحية ظروف حرب قاسية دمرت البشر والحجر.

تعتبر المرأة السورية من أكثر الشرائح تضررا من اندلاع الحرب، فمنذ أيامها الأولى أجبرت الحرب المشتعلة المرأة على الخروج إلى سوق العمل وفرَضَت عليها الكثير من الأعباء التي تفوق طاقتها وتكوينها، وكانت المرأة السورية في الأوقات التي سبقت الحرب متفرغة لشؤون أسرتها وتربية أبنائها وإدارة شؤون أسرتها، خصوصا في المناطق الريفية التي تحتفظ فيها المرأة بصورتها التقليدية ووضعها الخاص. وقد حذّرت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة من أنّ عشرات الآلاف من نساء سوريا وقعن في دائرة المشقة والعزلة والقلق، ليكافحن من أجل البقاء والعيش في ظل حرب قاتلة.                                        

إن ثقافة عمل المرأة هي ثقافة جديدة في بعض الأوساط السورية التقليدية، عمرها بضع سنوات، حيث لم يكن عمل المرأة مألوفاً سابقاً سوى لحاجة تفرضها الأوضاع الاقتصادية السيئة، وكل امرأة تعمل هي بالضرورة مضطرة، فيما لا يناسب عمل المرأة الطبقة الراقية أو الفئات المحافظة، ويقتصر دور المرأة الفاعلة من الأسر الغنية على الصالونات الثقافية والأعمال التطوعية، بعيداً عن الأعمال المأجورة والبعيدة عن تخصّصها، لكن ظروف الحرب فتحت أمام النساء أبواباً لم تُفتح من قبل، حيث لم يعد العمل ثقافة وتطوراً، بل بات واجباً تفرضه الأوضاع المعيشية الصعبة في الداخل السوري، وقد تعرضت المرأة السورية لانتكاسات صعبة أثقلت حملها مع فقدان المنزل والمعيل من أب أو زوج أو أبناء، مروراً بالتشرد والنزوح، ووصولاً إلى العمل في ظروف صعبة.

إن المرأة السورية وقعت في أكبر مشكلة، لا بل إنها الكارثة التي أصابتها على أثر الحرب، فهي أمام تحديات عظيمة، إذ تحوّلت بالإضافة إلى دورها كأم إلى أبٍ أيضاً بتحمل المسؤولية الاقتصادية والاجتماعية والتربوية، بعد أن كانت مهمتها الوحيدة هي رعاية الأطفال في المنزل وترك المسؤولية الاقتصادية والإدارية على الأب، كما إن الفتيات اللواتي بعمر الزواج اضطررن للزواج من أي شخص، وإن كان الرجل لا يتناسب مع عمر الفتاة ومؤهلاتها الفكرية، وذلك من أجل “السترة” واستمرارية العيش، ووقعت المرأة السورية في مشكلة أخرى هي زواج القاصرات، ناهيك عن تجنيد القاصرات من قبل عدة تنظيمات عسكرية متشدّدة، وبخاصة اللواتي احتلّت مناطق سكنهن من قبل مثل هذه التنظيمات، وأثبتت المرأة السورية جدارتها وقدرتها على تحمُّل المسؤوليات كافة، ابتداء من حمل السلاح ومروراً بالعمل أيّاً كان نوعه، وما كان يهمها هو إعاشة أبنائها وحمايتهم من العوز والمرض والحاجة ما أمكنها ذلك، فالمرأة السورية تشرَّدت وهاجرت وبحثت عن كل السبل الكفيلة بحماية أسرتها بعد غياب الأب والأخ والزوج والابن.

المرأة السورية ما زالت تتعرض للعديد من أشكال العنف والتمييز وذلك نتيجة لتضافر عوامل اجتماعية ثقافية وقانونية واقتصادية وغياب الإرادة السياسية ومنها:

صادقت الحكومة السورية بتاريخ 28 آذار عام 2003 وقبلت اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، إلا أنها تحفظت على المواد التالية: المواد (2)،الفقرة 2 من المادة (9)، الفقرة 4 من المادة (15)، والفقرة 1 و2 والبنود ج، د، و، ي من المادة 16، والفقرة 1 من المادة 29، إضافة إلى ذلك لم تصادق الحكومة السورية على عدد من الاتفاقيات الخاصة بحقوق المرأة ومن ضمنها الاتفاقية بشأن جنسية المرأة المتزوجة، إذ لازال مطلب النساء المتعلق بتمكين المرأة السورية المتزوجة بأجنبي من إعطاء جنسيتها لزوجها وأبناهما لم تتم الاستجابة له، كما لم يصادق على عدد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية أبرزها الاتفاقية الدولية 183 بشأن الحق في الأمومة.

رغم أن الدستور السوري يمنحها حق المساواة الكاملة مع الرجل، كمواطنين متساويين في الحقوق والواجبات، إلا أن قوانين الأحوال الشخصية لازالت مجحفة بحقها فيما يتعلق بالزواج والطلاق والولاية والوصاية والإرث، وتأتي العادات والتقاليد المجحفة وتحرمها حتى من حقوقها المنصوص عليها شرعا وقانونا، كحقها في الإرث واختيار الشريك، كما أنها محرومة من منح جنسيتها لأولادها، وتعاني من مواد مجحفة بحقها في قانون العقوبات، كالأعذار المحلة لمرتكبي الجرائم باسم الشرف والتي تخفض عقوبة القاتل هنا إلى أشهر معدودة، والمادة التي تسقط العقوبة عن المغتصب بزواجه من المغتصبة.

ما تزال المرأة تعاني من تمييز شديد في العمل (العام والخاص) وتشكل النساء في كافة قطاعات العمل 25% من إجمالي العمالة السورية، ولا يوجد إحصائيات دقيقة حول عمل المرأة بكافة القطاعات الاقتصادية وخاصة القطاع الزراعي، و يشكل القطاع الزراعي النسبة الأكبر لعمل النساء فيه, ومن مختلف الأعمار، ففي الفئة العمرية بين 15-19 تشكل المرأة حوالي 33% من قوة العمل مقابل 16% بالنسبة للذكور في مجال الزراعة، وفي الفئة العمرية 20-24 تصبح النسبة 35% من قوة العمل للإناث في الزراعة مقابل 18%، وتتساوى بين النسبة الرجل والمرأة في مجال الزراعة في الفئة العمرية ما بين 30-34.

تعاني المرأة السورية من ضغوطات تصدر عن الثقافة التقليدية السائدة والعادات والأعراف, ودور هذا الموروث في ممارسة العنف المباشر وغير المباشر على المرأة, وللعنف ضد المرأة أشكال عديدة ,كحرمانها من التعلم والعمل, وعدم إشراكها بقرار زواجها, والاستغلال الجسدي ,والاغتصاب ,والضرب ,والقتل والذي يمارس تحت راية ما يسمى ب”القتل بدافع الشرف” وهذه من أبشع أشكال العنف ضد المرأة وأقساها، وفي سوريا ازدادت في الأعوام الأخيرة الجرائم التي ترتكب بحجة “الدفاع عن الشرف”, وسنويا يذهب ضحية هذه الجريمة العشرات من النساء, ويترافق ذلك مع استمرار الأمية وسط النساء في المناطق الريفية وبين الأسر الفقيرة, مما يعرقل أي مجهود لإقرار حقوق النساء و ضمان المساواة و الكرامة لهن.

افتقار نصف المجتمع السوري للسكن اللائق أو الدخل الكافي لسد حاجاته الأساسية. إن النساء اللائي يحاولن الحفاظ على تماسك عائلاتهن ويكدحن في سبيل الإيفاء بمتطلبات الحياة يمثلن قلب المعاناة هناهناك آلاف من المنازل السكنية مهددة بالانهيارعلى ساكنيها، مترافقة مع أوضاع معيشية صعبة.

إن المرأة الكردية السورية، عدا عن أنها تعاني من نفس الصعوبات التي تعانيها المرأة السورية عموما إلا أنه يضاف إلى ذلك الممارسات التمييزية بحقها كامرأة من قومية أخرى، وغياب الاعتراف الحكومي دستوريا بهذه القومية, وكذلك ما يتعرض له أطفالها من ممارسات تمييزية تتعلق بعدم تسجيلهم و معاملتهم كأجانب.

إن تدني المستوى المعيشي والاقتصادي دفع الكثير من الشباب للهجرة والعمل لإعالة الأسر السورية، كذلك أدّت الحرب إلى قتل عددٍ كبيرٍ من الرجال، وقد أفرز ذلك تغيرا ديموغرافياً، فزادت نسبة النساء عن الرجال بشكل كبير، وحمل ذلك التغيّر معه تغيّرات كثيرة في أنماط الحياة السورية، إضافة إلى إفراز وإنتاج مشاكل اقتصادية واجتماعية جديدة، كما كان للتغيّر في الهيكلية النسبية بين الإناث والذكور آثار واضحة تتعلق بتأخر الزواج وتراجع معدلاته، وزيادة عدد حالات الطلاق والعنوسة.

ومن المفارقات المؤلمة أن تتم الموافقة على مشاركة المرأة في العمل المأجور، وحرمانها من العلم، إن الحق في التعلم واكتساب الشهادات العلمية واجب على الجميع، بل وضرورة في ظلّ هذه الظروف التي هيّأت المرأة نفسياً واقتصادياً لاكتسابه، ويجب علينا توفير كل الظروف المتاحة أمام المرأة لنيل ذلك الحق، لأنّنا بذلك نهيّئ الفرص للأم والأخت والزوجة للقيام بدورها الفاعل في تمكين نفسها من تعليم أولادها ومساندتهم أيضاً، بل ومساعدة الرجل في ظلّ هذه الظروف القاسية التي عاشها المواطن السوري في وطنه بسبب الحرب.

إن المرأة التي استطاعت أن تستوعب قسوة الحرب هي ذاتها القادرة على تعويض عائلتها، فيما لو أعطيت مكانتها الحقة في التعلم والعمل معا.

شهدت سوريا أحداثا كارثية منذ عام 2011 اختلفت الآراء حولها ولكنها مازالت تحمل آثاراً من عدم الاستقرار، ونتائج الاحداث لن تتوقف في المدى القريب، بالرغم من ضرورات وجود محالات للإصلاح وخلق قيادات شبابية قادرة على تولى مناصب ومسئوليات الحكم فيما بعد.

والانعكاسات السلبية على التماسك المجتمعي ربما ستستمر إذا كان هنالك سوء في إدارة مرحلة ما بعد الحرب، وإذا لم يرمم افتقاد المجتمع السوري بصفة عامة لتقاليد ثقافة الديمقراطية وتقبل الآخر، وثقافة إدارة الاختلاف، ولابد لنا من الإشارة الى مفهوم بناء السلام واليات تعزيزه، كمقدمات ضرورية لإدارة مرحلة ما بعد الحرب او ما يسمى بإعادة الاعمار.

تؤثر الحروب على المرأة بشكل يختلف اختلافاً كبيراً عن تأثيرها على الرجل. ولكن نظراَ لإضعاف دورها او لاستبعاد المرأة من عمليات السلام، فإنه نادراً ما يتم الحديث عن ذلك وبالتالي لا يتم معالجته عند صياغة معاهدات السلام والدساتير الجديدة.

ونشير إلى أنه وخلال الحروب الحالية في سوريا، قامت منظمات المرأة العاملة من أجل السلام بتنظيم حصول المتضررين من الحرب من النساء على المساعدات، وتولى رعاية اللاجئين من الأرامل وأطفالهن، كما سوعدت النساء على تنظيم أنشطة مدرة للدخل، وتم تنظيم الدراسة للأطفال والاهتمام بالاحتياجات الأساسية لكبار السن – في نفس الوقت الذى كانوا فيه من أقوى الدعاة للسلام والمصالحة، وكانت منظمات المرأة كذلك هي أول من بدأ فى تنظيم لقاءات مع ممثلين من “الجانب الآخر” في محاولة لإيجاد أرضية مشتركة وسبل لوقف العنف. فالمرأة هي أحد أهم العناصر الفاعلة لتحقيق السلام، ولكن حين تم البدء فى مفاوضات السلام الرسمية، فهي عضو غير مرحب به.