اللاذقية/ سلاف العلي
عاليا تحلق يوميا أسعار المأكولات الشعبية بأسواق اللاذقية، فلم تعد الأطعمة شعبية بعد الأسعار المجنونة التي وصلت إليها بالمقارنة مع القدرة الشرائية لغالبية المواطنين.
فمع استمرار ارتفاع الأسعار بهذا الشكل الجنوني، وشرعنه هذا الارتفاع عبر إصدار نشرات سعرية كل يوم، وفي ظل استمرار الأجور على حالها من قلة الحيلة، فإن المأكولات الشعبية لم تعد متاحة لذوي الدخل المحدود، مما شكل تحديا وتهديدا كبيرا للفئات المعدمة التي باتت عاجزة عن تأمين احتياجاتها الغذائية اليومية.
السيد أبو الخير وهو صاحب مطعم شعبي باللاذقية، أخبرنا: أن زيادة الأسعار من قبل مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك باللاذقية، جاء مقترنا بارتفاع مستلزمات الإنتاج بنسبة 40- 50%، حيث بلغ سعر كيلو الحمص الحب في الأسواق 25 ألف ليرة، وكيلو الفول 20 ألف ليرة سورية، إضافة إلى أنهم يشترون المازوت والغاز الصناعي بسعر مرتفع من السوق السوداء، حيث أن الأسعار ارتفعت بنسبة 35%، وتم رفع سعر كيلو المسبحة من 24 ألف إلى 28-30 ألف، والفول السادة المسلوق من 11 إلى 14 ألف، والحمص المسلوق من 11 إلى 14 ألف، أما قرص الفلافل فتم رفعه من 250 ليرة إلى 500 ليرة، وسندويشة الفلافل من 5500 إلى 7000 ليرة.
السيد أبو شفيق صاحب مطعم شعبي باللاذقية أضاف: أن الأسعار المعلنة بعد الرفع فإن الواقع يقول إن السوق سبق أن تجاوزها قبل صدور النشرة السعرية، ما يعني أن النشرة ما هو إلا شرعنة للأسعار الحالية في السوق، ومن المتوقع إثر صدور النشرة السعرية الجديدة، أن الأسعار ستستعر مجددا، لتصل إلى عتبة سعرية جديدة يتم المطالبة لشرعتنها رسميا، وهكذا كحلقات في مسلسل مستمر وغير منته وبلا سقوف.
السيد طلال موظف ببلدية اللاذقية أخبرنا ما يلي: لم تنج أقراص الفلافل الشعبية من ارتفاع الأسعار، فقرص الفلافل الذي كان بـ 3 ليرات في عام 2011، وكان يقدم كضيافة مجانية لسنوات قريبة، وصل سعره الآن إلى ما يتجاوز500 ليرة، ومما لا شك فيه أن سندويشة الفلافل لم تعد زادا للموظف ولا فطورا للطالب ولا غداء للعامل، وأصبحت سندويشة الفلافل، التي كانت ملاذا لمحدودي الدخل، بحاجة إلى ميزانية خاصة، فقد تجاوز سعرها الـ5500 ليرة وصولا إلى 7000 ليرة، ليس هذا فقط بل لم تعد مشبعة كسابق عهدها، أي إن الأسرة المكونة من 5 أشخاص يلزمها ما يزيد عن مليون ليرة شهريا في حال اكتفت فقط بسندويشة فلافل واحدة يوميا كوجبة غذاء غير مشبعة لأفرادها.
السيدة نجوى مدرسة قديمة وهي ربة عائلة لأربعة أفراد، قالت لنا: هنالك تساؤلات كثيرة تتبادر للأذهان دون إجابات مع كل متغير سعري، رسمي وغير رسمي، على السلع في الأسواق، وخاصة الغذائية، فنحن أمام واقع سوداوي يفرض علينا كمواطنين، لنجد أنفسنا نحارب من كبار التجار والمتحكمين بالسلع والأسواق بلقمة عيشنا، وبرعاية رسمية من الحكومة تشرعن هذه الحرب مع الشراكة فيها، فمن المسؤول عن الارتفاعات المتلاحقة في أسعار المستلزمات، أليست القرارات الحكومية نفسها مقدمة لكل الارتفاعات السعرية، وأين دور مديرية التموين في ضبط المخالفات والتلاعبات بالأسعار في السوق، فواقع الحال يقول إن أسعار المأكولات الشعبية طالتها زيادة سعرية منذ بداية العام وحتى الآن بنسبة 100% ، فماذا بقي للأسرة لكي تستر به نفسها أمام واقع الحال المعدم ، والحرب المعلنة صراحة تجاهها، أما مصلحة المواطن فقد باتت عبارة جوفاء على ألسنة المسؤولين الذين يعملون من أجل مصالح كبار الحيتان فقط لا غير.
أما السيد خالد وهو مهندس مدني أضاف: إن معاناة أصحاب محال المأكولات الشعبية لا تقل عن معاناة زبائنهم من أصحاب الدخل المحدود، فهؤلاء موجودون ومنتشرون غالبا في مناطق السكن الشعبي وأحيائه، وهم جزء من النسيج الاجتماعي لهذه الأحياء، ويحاولون دائماً تلبية احتياجات أبنائه مع الحفاظ على لقمة عيشهم، لكنهم يصطدمون معظم الوقت بأسعار المواد الأولية، ويتعرضون لاستغلال كبار التجار المتحكمين بهذه المواد، الذين يبيعونها بأسعار مرتفعة جدا دون رقيب ولا حسيب، وكذلك الزيت النباتي، وزيت الزيتون الذي يدخل بإعداد وجبات الفول والمسبحة والفتة، والذي ارتفع بدوره إلى مليون و500 ألف ليرة للتنكة، إضافة إلى صعوبة تأمين الوقود والكهرباء، فزيادة ساعات التقنين أضافت أعباء إضافية على المحال والمطاعم التي باتت مجبرة على تشغيل المولدات أو الاشتراك بالأميرات، إضافة إلى قلة المخصصات التي تحصل عليها هذه المحال من الغاز الصناعي، كل هذا دفع أصحاب المحال باتجاه السوق السوداء والمتحكمين فيها.
السيدة إلهام مهندسة زراعية بريف اللاذقية قالت: تعتبر أطباق الأطعمة، الغنية والفقيرة، جزءا من ثقافة تكونت خلال آلاف السنين، وصولا إلى ما بات يعرف بالمأكولات الشعبية مع طقوسها، لكن أخيرا بدأت هذه المأكولات تفقد صفتها الشعبية، فلم تعد المطاعم الشعبية تقدم المأكولات التي يستطيع جميع المواطنين استهلاكها، حيث واكبت أسعار مكوناتها صعود الدولار وهبوط الليرة، من حبة البندورة والنعنع الأخضر والحمص والفول، لغيرها من منتوجات الأرض التي بات شراؤها يحتاج ميزانية، مما دفع العديد من الأسر المفقرة للتخلي عن إحدى أهم العادات الشعبية الموروثة كثقافة اجتماعية مرتبطة بالطعام يوم الجمعة وهي وجبة فطور العائلة الجماعي، المتضمن أطباق المسبحة والفول والفلافل والفتة، هذه العادة، التي كانت من ضمن تراث ألفناه لسنوات، وتم توريثها للأبناء والأحفاد، تكاد تختفي اليوم مع طقسها.