لكل السوريين

الغلاء والفقر والبطالة والفساد عناوين الحياة المعيشية في سورية كلها2 من2

بتصرف وإعداد انعام إبراهيم نيوف

 

إن النظام الضريبي الحالي في سوريا يعود إلى العام ١٩٤٩، تلك القوانين التي مازالت إلى الآن تعد العمود الفقري للنظام الضريبي في سورية، وكل ما حدث من تطورات لاحقة عبارة عن تعديلات شكلية متواضعة، وبالرغم من الدعوات لتعديلها بشكل جذري إلا أن هناك من يعرقل تغييرها من كبار التجار والصناعيين الذين يريدون نظاما على مقاس مصالحهم وحدهم.

إن الحكومات المتعاقبة مازالت متمسكة بالنظام الضريبي السوري منذ الاستقلال وإلى يومنا هذا، كانت تضع لكل نوع من الدخل نوعا من الضرائب، وبالتالي هذا النظام الضريبي لا يتناول جميع عناصر الدخل، ما ينعكس على نقص الحصيلة الضريبية الفعلية، وحتى اللجوء إلى المعدلات الضريبية التقاعدية المرتفعة في العقود الماضية لم تحقق إلا نوعا من العدالة الخطابية  في توزيع الأعباء الضريبية، إلى وصول معدل الضريبة إلى حوالي ٩٣% من صافي الربح خلال التسعينيات، في ظل ما كان يطلق عليه بالتوجه الاشتراكي، ما جعل التاجر المكلف السوري من أكثر المتهربين ضريبيا في العالم.

ولحل أزمة النظام الضريبي، كان يتطلب من الدولة ن تعمل على إلغاء النظام الضريبي المنتهية صلاحيته منذ عقود، والأخذ بمبدأ تشخيص الضريبة لتحقيق العدالة في التكليف، وإحداث مراكز دراسات مالية وضريبية.

كلمة حول البطالة:

ازدادت خلال هذه الفترة معدلات البطالة التي وصلت إلى معدلات عالية جدا في مختلف المناطق السوري، واتسعت دائرة الفقر لتشمل أكثر من 45%من السكان، وظهر في الساحة رجال أعمال جدد لم تكن وجوههم مألوفة في السابق، فكان أن انقلب التغيير او الإصلاح إلى تصليح أوضاع المقربين والمدعومين أو المسنودين، وشعر المواطن بسخافة الشعار وهزالة القضية في بلد تسود فيه بعض الشعارات الكبيرة ولكن دائما النتائج البغيضة.

ظاهرة البطالة نتفاقم وتزيد في إعداد الذين هم بحاجة إلى عمل ويبحثون، ولا يجدون، ولكن البطالة في سورية ذات طبيعة بنيوية، فهي انعكاس مباشر لضعف النمو الاقتصادي، وتردي سوق العمل عن استيعاب شرائح وفئات عديدة، وفي المقدمة خريجو الجامعات والمعاهد العالية والمتوسطة، وازداد الأمر سوءا بعد ان تراجعت الحكومة عن تعيين الخريجين من المهندسين وسواهم، والحرب وظروفها منذ أكثر من 12 عاما وحتى الان.

وتقوم بعض المنظمات الخيرية بإعالة الكثير من الأفراد والعائلات، وتعمل على خلق فرص عمل جديدة لبعض الشرائح من الفقراء وتقديم بعض الاقراضات، من خلال سياسة أخلاقية مميزة لمكافحة الفقر.

كلمة الفقر في سورية

يعاني اكثر من 45%من الشعب السوري من الفقر ويعيشون في ظله، ويتأثرون بثقافته، وينتجون سلوكياته، ويبعدون بواسطته عن المشاركة والحراك الاجتماعي، وبتحويل هذه النسبة إلى أرقام نجدها تساوي نحو 9 مليون مواطن أي ما يقارب نصف الشعب السوري , ويتوضعون في مختلف المناطق السورية, وبالطبع فهذا الرقم مؤهل ومرشح للزيادة مستقبلا بسبب التراجع الاقتصادي العام الذي يشهده الاقتصاد منذ سنوات، وبسبب غياب برنامج متماسك للتغيير والإصلاح الاقتصادي، واستمرار تفشي نموذج اقتصاد الفساد وسيطرته على مفاصل الاقتصاد الحيوية, الأمر الذي فتح باب الانتساب إلى نادي الفقر بدون شروط مسبقة، ويمنح هوية “مهمش اجتماعياً” لملايين جديدة من الناس وفي كافة المناطق السورية، والدولة السورية لا تسيطر على كامل عملية الإنتاج الاجتماعي، وتفتقد الى بنية صناعية حديثة الا في بعض المنشأت الخاصة، ولم تطرح حتى الان اي مشروع تطوير مستقبلي لبنيتها الاقتصادية والاجتماعية، بل تعتاش على رفع الأسعار، وفرض الضرائب، وضغط الإنفاق، والاقتراض الخارجي، وتأجير القطاع العام.

يشار إلى أن الحرب فرضت شروطها القاسية على المرأة السورية، ولقد مثلت الحرب قي سورية تهديدا خطيرا على امن وحياة البشر وحضارتهم  والنساء،  فأصبحت المرأة هي ام او اخت او بنت الضحية وتحملت وزر وضعها الاجتماعي وأصبحت هي المعيل لأسرتها في مناخات يسود فيها العوز والفقر  وتعرضت لكثير من الاعتداءات على حقها في سلامة الجسد وحرية الرأي والتعبير وحقها في الحياة و لخوف والرعب, فالحرب اكتسحت  العديد من الحقوق والحريات الأخرى كالحق في التملك والتنقل والسكن والثقافة والتعليم وغيرها من الحقوق المدنية والسياسية  والاقتصادية والثقافية والاجتماعية، وأصبحت المرأة هي المعيل لأسرتها ولأولادها في ظل الغياب القسري للرجل مما زاد من كمية الأعباء على كاهلها واضطرت للانخراط في سوق العمل ولم تكن مهيأة لذلك، واقتحمت  حرفا كانت مختصة بالذكور كسائقة أجرة وعاملة في الورش كالدهان والنجارة مقابل أجور زهيدة ، وانتشرت ظاهرة التسول الإلكتروني والتقليدي حيث أن غالبيتهم من الفتيات والفتية والنساء المعيلات، في حين يتساوى العاملين والعاملات والعاطلين عن العمل بالفقر المدقع، في ظل ارتفاع الأسعار وانعدام سبل الحياة الكريمة. بينما لا تحصل أغلب السوريات على فرص عمل آمنة أو دعم مستدام لتأمين متطلباتهن، هناك أخريات يتعرضن للعنف الاقتصادي ضمن العائلة أو العمل ولا يملكن حلول بديلة من الدعم الاجتماعي المؤسساتي والاستقلال المادي.

كلمة صغيرة حول الفساد

إن الفساد وبما يمثله من انتهاكات فظيعة على مجمل حقوق الانسان، فهو ليس نتيجة لأسباب بعينها وإنما هو نتاج منظومة من العناصر يغذي بعضها البعض قادرة على صنع بيئة عامة، وأهم مقومات الفساد تكمن في استغلال الوظيفة العامة وتسخير المال العام لمصالح خاصة، والفساد في سورية يتقاطع في هيكله مع الفساد المستشري في العالم بأكمله وليس فسادا خاصا، ذو عناصر مختلفة، إنما هو نتيجة ضعف البناء المؤسسي والإخلال بفكرة الفصل ما بين السلطات الثلاث، إضافة إلى تراجع الدور الرقابي للمؤسسات التشريعية وتهميش السلطة القضائية.

ويتحول الفساد إلى إفساد، فيغدو عملية موجهة لحماية نفسه، والبحث عن الضعفاء لرشوتهم، ولملء الأفواه بالنقود، وإسكات من يكون صوته مؤثرا، وحماية طرقه غير القانونية في النمو المالي، ان للفساد كلفة اجتماعية واقتصادية باهظة لأنه يعمل على تأخير عملية التنمية ويحول دون تحقيق الازدهار والتنمية للمجتمع، ان الفساد يضع العقبات ويعمل على تقليص مجال دولة القانون والمؤسسات، ولذلك فإن مكافحته تصبح مسألة جماعية ووطنية.

ونؤكد على ضرورة المدخل الصحيح لفهم الفساد في سورية، عبر ملاحظة درجة المؤسسية والعبقرية في عمله ووسائله وحيله حتى يكاد يكون عصيا على محاولات مكافحته مهما كانت جادة وصادقة، وحتى حين تتبنى هذه المكافحة جهات عليا في الدولة، فما تكشفه وسائل الإعلام ومناقشات السياسيين والمجالس النيابية من وقائع الفساد تدل على انتشار فظيع للفساد وقيمه وممارساته في مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والسياسية.

إن معالجة الفساد تكون بمنهجية شاملة تستهدف محاصرته والتعامل مع أسبابه ومكوناته، فالفساد أساسا يقع عندما يكون الاحتكار والقدرة على التصرف ولا تكون ثمة مساءلة، والعلاج يقع في الشفافية الإدارية والمالية والمحاسبة والمتابعة واختيار الأمناء دائما وتعديل المكافآت والحوافز والعقوبات وتطوير أنظمة المعلومات.

ونختم بالقول:

إن التصريحات والنقاشات الكثيرة حول غلاء الأسعار الذي أصاب كل شيء في المجتمع طيلة هذه الفترة، والذي تزامن مع التوجه لرفع الدعم لان الفساد في ملف الدعم بات واضحا للجميع، وفي مقدمته فساد المؤسسات المعنية بالمواد المدعومة، فقد أصبح من الأجدى رفع الدعم بصورته الحالية، واستبداله بدعم نقدي، وصناديق ضمان اجتماعي لغير الموظفين.

بالرغم من أن الحكومة السورية لا تمتلك إحصاءات حقيقية ولا قاعدة بيانات واضحة، كي تستطيع اتخاذ القرار في بقاء الدعم أو رفعه، فحتى عدد السكان غير معروف بدقة، والبطاقات الذكية للمغتربين لا تزال تعمل، وعدد المستفيدين والمستحقين للدعم غير دقيق، كل ذلك بالتوازي مع تفاوت طبقي هائل، بحيث تتركز الثروات لدى 1% من الشعب، دون أن يسأل أحدهم من أين لك هذا؟

هنالك خللا حقيقيا يتمثل بالعقلية المتحكمة بالقرار الاقتصادي، متضافرة مع اليات احتكار المواد ورفع الأسعار من قبل بضعة مستوردين، فضلا عن الهجرة المستمرة فضلا عن هجرة الخبرات والكفاءات العلمية، وإغلاقات للعديد من المنشآت، وبيع عقارات وتحويل قيمتها لقطع أجنبي، مما تسبب بارتفاع كبير لسعر الصرف، ما يفترض أن التصريحات اللامسؤولة يجب أن يحاسب أصحابها، فالوعود منذ أشهر بزيادة الأجور دفعت بالتجار الى رفع الاسعار وإشعال الأسواق بنيران الغلاء الجهنمية.

لكن مهما كانت نسبة زيادة الرواتب فلن تحل المشكلة، لكن حجرة تسند جرة، فيما يجب التركيز على ضبط الأسعار من خلال السماح والمرونة بالاستيراد، وتأمين حوامل الطاقة بشكل مستقر، وإلغاء المرسوم 3 لتيسير العمل الاقتصادي، وتطبيق مبدأ: دعه يعمل دعه يمر.