لكل السوريين

الغلاء والفقر والبطالة والفساد عناوين الحياة المعيشية في سوريا كلها1 من 2

بتصرف وإعداد أنعام إبراهيم نيوف

 

لابد لنا من كلمة حول الوضع الاقتصادي والمعيشي في سوريا بعد دخول البلاد في أزمة منذ أثني عشر عاما وحتى الان، أفضت إلى تدمير كبير أصاب البشر والحجر، وخربت كل المسارات السياسية والاجتماعية والاقتصادي والثقافية وانهارت كل الأنشطة الاقتصادية وتم الإضرار بالممتلكات الاستراتيجية للدولة وبمختلف البنى التحتية، وترافق ذلك مع حركة نزوح كبيرة، وإن هذه العوامل وغيرها أدت وبشكل طردي لانهيار المستوى المعيشي للبشر منذ عام 2011، وارتفعت مستويات البطالة والفقر المدقع، ولا سيما في الآونة الأخيرة.

لقد تدهورت الأوضاع الاقتصادية وانهارت أسعار صرف الليرة السورية  مما أدى إلى تراجع حاد للقوة الشرائية للسوريين، وتفاقمت أزمة الطاقة المعدومة في معظم المناطق السورية، مع استمرار نفاذية  وتأثيرات العقوبات الغربية الأمريكية والأوربية على المجتمع السوري، وتشدد الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيق العقوبات على الحكومة السورية وناقلات النفط الإيرانية، ما أوصلنا إلى حالة من الشلل في معظم مؤسسات الدولة والحياة العامة، ودفع إلى استصدار العديد من القرارات الحكومية الغريبة بتعطيل الدوام الرسمي لعدة فترات في الدوائر الحكومية وفي المدارس والجامعات، إضافة إلى ذلك ازدياد نسبة المهجرين من الشباب والشابات وأصحاب الشهادات العلمية والكفاءات المهنية، ومن التجار من القطاعين الصناعي والحرفي إلى خارج البلاد بحثا عن مورد رزق وعمل، تزامن ذلك مع الافتقار إلى آليات تشغيل البنى التحتية كالقطاعات الصحية والخدماتية، ما أوصل المطاف إلى تعطل عملية الدوران الاقتصادي والتهالك المستمر في سوق الإنتاج، وكل ذلك ترافق مع موجات من الغلاء متصاعدة أصابت جميع المواد الأساسية وغير الأساسية، والتي توجت بضعف فظيع للقدرة الشرائية لمعظم أفراد المجتمع، وأكدت الحكومة المركزية بدمشق على وجود عجز في موازنة العام السابق، فقام البنك المركزي بتدارك الأمور وعمل على طباعة المزيد من العملة لتغطية العجز، مما أدى إلى تضخم هائل، والكلام يدور الآن عن رفع الدعم الحكومي عن عدة قطاعات أخرى ومواد أساسية منها الوقود والخبز، فالتضخم المتصاعد منذ عدة أعوام وارتفاع الأسعار وانخفاض قيمة الليرة السورية ، لم يكن إلا بسبب عدم وجود سياسة نقدية تحارب التضخم وتوقفه عند حدود معينة.

أن الاقتصاد السوري يعاني من اختلالات كبيرة ومتراكمة على مدى السنوات العديدة الماضية، في مناخ من المتغيرات المتسارعة في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي، ولن تستطيع سوريا الاستفادة من الفرص والتخفيف من التهديدات المقبلة عليها، تحتاج سوريا لرؤية جديدة حول مستقبلها الاقتصادي والسياسي في المنطقة وترجمة هذه الرؤية إلى تغييرات عميقة وشاملة ومتعددة الجوانب، مترافقة مع خطة تنمية شاملة، وذلك حتى ترقى سوريا إلى مستوى التحديات الداخلية والتحديات الخارجية التي تواجهها، وواقع الأمر أنه لا يمكن تحقيق التغيير الاقتصادي والتنمية بالشكل الذي يجعل سوريا قادرة على رفع مستوى المعيشة للمواطن وقادرة على اللحاق بالآخرين وعلى إدخال سوريا في النظام الاقتصادي العالمي إذا لم تتخذ خطوات جدية باتجاه مسار التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان.

إن التردد في عمليات الإصلاح الشامل والعميق ما قبل الأزمة واثناءها والآن، أضاع زمنا كبيرا وجهودا كثيرة، وأصبح يحتاج إلى تكاليف كبيرة.

ونشير إلى ما يسمى بالاقتصاد غير الرسمي وهو السائد والفاعل حاليا: أنه اقتصاد لا يخضع للرقابة الحكومية ولا تدخل مدخلاته ومخرجاته في حسابات الدخل القومي، ولا يعترف بالتشريعات الصادرة أي أنه يتهرب من كافة الاستحقاقات المترتبة عليه تجاه الدولة.‏

ونظرا لتنوع مجالات عمله يطلق عليه أسماء متعددة حسب مجال العمل الذي يمارسه فإذا كان متعاملا بسلعة محرمة الاستخدام والتعامل (أسلحة – مخدرات- سرقة الآثار-المتاجرة بالبشر.. الخ) فإننا ندعوه (الاقتصاد الأسود أو اقتصاد الجريمة).‏

أما إذا كان التعامل به ممنوعا واستخدام السلعة مسموحا، وخاصة بلعبة العرض والطلب والاحتكار، مثل (السوق السوداء لبعض السلع ومنها المحروقات والغاز والأدوية البشرية والحيوانية والزراعية – إنتاج بعض السلع بمعامل غير مرخصة- دكاكين وورش غير مسجلة لكافة المواد الاستهلاكية والغذائية) ويدعى: الاقتصاد غير الرسمي، واقتصاد الظل أو الخفي، الذي يشكل أكثر من 80% من حجم النشاط الاقتصادي.

أن الحلول التي يطرحها النظام لحل مشكلات الوضع الاقتصادي غير مجدية، بسبب التدخلات الدولية وارتباط الحل الاقتصادي بالحل السياسي، حيث أن بعض الموارد السورية ليست بيد الدولة.

وفيما يخص قرار تحرير أسعار المواد، أن القرار انعكس سلبيا على المواطن، وذلك لأن أي قرار تتخذه الحكومة يكون لمصلحة الفئة المتنفذة والمقربة منه، مما يوصفون بـ الأمراء الجدد، وأن مشكلة الاقتصاد السوري ليست بتحديد أو تحرير الأسعار، بل في هيكلية الاقتصاد والفساد المستشري بدوائر الحكومة.

أن الاقتصاد السوري يعاني من اختلالات كبيرة ومتراكمة على مدى السنوات العديدة الماضية، في مناخ من المتغيرات المتسارعة في النظام الاقتصادي والسياسي العالمي، ولن تستطيع سوريا الاستفادة من الفرص والتخفيف من التهديدات المقبلة عليها، تحتاج سوريا لرؤية جديدة حول مستقبلها الاقتصادي والسياسي في المنطقة وترجمة هذه الرؤية إلى تغييرات عميقة وشاملة ومتعددة الجوانب، مترافقة مع خطة تنمية شاملة، وذلك حتى ترقى سوريا إلى مستوى التحديات الداخلية والتحديات الخارجية التي تواجهها، وواقع الأمر أنه لا يمكن تحقيق التغيير الاقتصادي والتنمية بالشكل الذي يجعل سوريا قادرة على رفع مستوى المعيشة للمواطن وقادرة على اللحاق بالآخرين وعلى إدخال سوريا في النظام الاقتصادي العالمي إذا لم تتخذ خطوات جدية باتجاه مسار التحول الديمقراطي واحترام حقوق الإنسان.

يتبع