لكل السوريين

ما بين انتظار رسالة المازوت والجري وراء بدائل الدفء تمضي شتوية المواطن في الساحل

تقرير/ أ ـ ن

يبحث سكان طرطوس وريفها عن وسائل للتدفئة، مع الغلاء الفاحش لأسعار المحروقات ومواد التدفئة في السوق السوداء، حيث يتراوح سعر لتر المازوت بين 15-18ألف ليرة، علاوة على التردد والتراخي في توزيع مازوت التدفئة وسط تقنين كهربائي شديد خلال الشتاء، مضافا إلى ذلك، الأوضاع الاقتصادية المتردية وانخفاض الدخل مقارنة بارتفاع أسعار المحروقات، مما أدى إلى خلق ظروف كارثية على سكان ريف ومدينة طرطوس مع بداية قدوم فصل الشتاء، فالكثير من السكان بانتظار رسائل المازوت المدعوم نتيجة عجزهم عن شراء المادة من السوق السوداء، وبذريعة نقص توريدات المشتقات النفطية، يتم توزيع المازوت المدعوم بشق الأنفس وبكميات 50 لتر لكل عائلة، حيث أن الكثير من العائلات لم تستلم مخصصاتها منذ السنة الماضية، ما دفع بالكثير من المواطنين بريف طرطوس والمدينة للبحث عن بدائل أخرى للتدفئة منها الحطب وبقايا الزيتون والغاز إذا توفر.

السيد أبو مقداد وهو من قرية في ريف طرطوس أخبرنا: خصصت الحكومة السورية بـ 100 لتر مازوت مدعوم على دفعتين لكل أسرة، الأولى 50 لتر في بداية الشتاء والثانية بنهايته بسعر 2000 ليرة للتر، لكن عملية التوزيع تسير ببطء وتتسم بعدم العدالة في التوزيع، والكميات التي توزعها شركة محروقات الحكومية رغم قلتها غير كافية للتدفئة طوال فترة الشتا، وانتظر رسالة تعبئة المازوت المدعوم منذ السنة الماضية، رغم إن الـ 50 لتر المخصصة لكل عائلة لا تكفي لعشرة أيام خلال الشتاء في حال حصلوا عليها، ويوضح أبو مقداد أن خيارات التدفئة الأخرى كالحطب والغاز متوفرة لكن سعرها مرتفع وخارج قدرته الشرائية، ويضيف إن المازوت متوفر أيضا في السوق السوداء لكن بأسعار خيالية، وهذه السنة اشترى مدفأة حطب بدلا عن المازوت، وقام بشراء طن حطب أيضاً بمليون ونصف المليون منذ شهرين كوسيلة تدفئة مع الكهرباء إذا توفرت.

أما السيد عزت من قرى ريف الدريكيش فقد أخبرنا: إن وضعه شبيه بالآلاف من الذين قاطعوا نهائيا المازوت كوسيلة للتدفئة، لارتفاع سعره وفشل الحكومة في تأمينه بسعر مدعوم، وعليه، اتجه مثل الكثيرين لاستبدال المازوت بالحطب أو بقايا بذور الزيتون المعصور، وأوضح إنه: مع بداية الشتاء، تزداد ظاهرة بيع المحروقات على الطرقات وفي أماكن محددة ومعروفة منذ بداية الحرب وحتى الآن، حيث تتوفر كميات كبيرة في ظل عجز الحكومة عن توفير مازوت التدفئة.

السيدة فاطمة وهي أرملة ومعلمة صف ولديها أربعة أطفال وتقيم في قرية من ريف القدموس فقد أخبرتنا: يتوفر الحطب بريف طرطوس بأسعار مقبولة، هناك بشر يعملون في بيع الحطب للناس من نوع شجر السنديان والبلوط والزيتون وبيعه بأسعار مختلفة ولا شيء ثابت، والكل يغني على ليلاه ويبيع على كيفه، ويتراوح سعر طن الحطب ما بين المليون ونصف المليون ليرة إلى المليونين ونصف المليون ومع الأسف كل الحطب مقطوع ومسروق، فقد تعرضت مساحات كبيرة من الغابات لقطع أشجارها بقصد التجارة بحطب التدفئة، وهذه السنة بعد حصولها على 50ليتر مدعوم بسعر 2000ليرة، باعتهم بسعر 17000ليرة للتر، واشترت 2طن حطب بدلا من ذلك لتدفئة بيتها.

السيد علي أبو قيس وهو من ريف سكان الدريكيش ولديه خمسة أولاد فقد أوضح لنا: فقد اعتمد على بقايا بذور الزيتون وما يسمى ب “التمز” للتدفئة إلى جانب الكهرباء في حال توفرت، شهدت مادة تفل الزيتون في السنين الأخيرة، إقبالا متزايدا على شرائها من أهالي طرطوس ريفا ومدينة، بغية استخدامها للتدفئة المنزلية كبديلٍ عن مادة المازوت غير الملبية لاحتياج الأهالي، إضافة لاستخدامها من أصحاب المداجن كبديل لتدفئة مداجنهم، وإن عشرات الأسر في طرطوس وريفها وفي ظل الخطوات غير المتسارعة لتوزيع مادة المازوت باتت وجهة البدائل عندهم مادة تفل الزيتون إلا أن الإقبال على شرائها استغله أصحاب المعاصر، للتحكم ببورصة أسعارها حتى أصبحت تنافس مادة الحطب في سوق البيع والشراء وحتى في السعر، علما بأن هذه المادة يتم بيعها من قبل أصحاب المعاصر بشكل عشوائي كونها غير خاضعة لأي تسعيرة نظامية، ومن المفترض تشكيل لجنة خاصة تضع الشروط والضوابط لإيجاد تسعيرة موحدة تلتزم بها جميع معاصر المحافظة، وأن قطعتين من تفل الزيتون تولد حرارة توازي ما يتم توليده من ليتر واحد من المازوت، وأوضح بأن كل طن من الزيتون ينتج نحو 350 كيلو غراما من التفل، ويصل سعر طن تمز الزيتون أو البيرين إلى مليون ونصف المليون وربما أكثر، وسعر الكيلو الواحد منه يتراوح بين 1500 و2000 ليرة، حسب نوعه وطريقة تجفيفه وكبسه.

السيد أبو معن وهو من تجار بيع المازوت على الطرقات أوضح لنا بعد الطلب عدم ذكر اسمه ولا مكانه رغم أن مكانه معروف: إن المازوت متوفر لدينا وبكميات كبيرة جداً وكذلك البنزين، نحصل على المازوت من مصادر عدة، ويشتري المازوت أيضا من سائقي سرافيس النقل العام الذين يبيعون مخصصاتهم في السوق السوداء بدلا من العمل في النقل، ويشتري المازوت من مصادره بسعر أقل من السوق السوداء بألف ليرة وأحيانا بألف وخمسمائة حسب توفر المادة والطلب عليها، وأوضح أن الحصول على المحروقات يكون من محطات وقود معينة ومعروف أنها تتلاعب بعداد التعبئة، وهناك محطات تتلاعب بكميات البنزين والمازوت المعبئة لكل سيارة سواء خاصة أو عامة بمقدار لتر أو لترين أو أكثر ومن ثم تبيع تلك الكميات الناتجة عن هذا التلاعب  إلى أصحاب محال  لتصريفها في السوق السوداء.

السيد صلاح مهندس مدني أشار إلى نقطة هامة وهي: قامت الحكومة في شهر آب أمام أزمة المحروقات المتفاقمة بتحرير أسعار المشتقات النفطية وفقا للسعر العالمي وأبقت قسم منها ضمن ما يسمى الدعم، وهذا أدى إلى ارتفاع سعر بيعها في السوق السوداء جراء فشل الحكومة افي توفير المحروقات عبر نظام الرسائل للسيارات الخاصة والعامة وفي توفير مازوت التدفئة، ومع اشتداد البرد، لا يبقى أمام الأهالي الكثير من الوقت لتحديد خياراتهم، ويبدو أن التفكير في وسيلة تدفئة توفيرية أو تناسب الإمكانيات المادية هو مجرد حلم أو ربما ضرب من الخيال.

السيد الياس وهو من دينة صافيتا أخبرنا: هنالك نوع جديد خاص بالتدفئة نشأ منذ سنوات وهو: بقايا الخشب حيث أن التكلفة الأسبوعية للتدفئة باستخدام النشارة حوالي ال 60 ألف ليرة، وهي ثمن كيس واحد، حيث يتم استخدام مدفأة فحم، وتعبئة سطل المدفأة بالنشارة الناعمة بعد أن وضع أنبوبا بلاستيكيا وسط السطل، وضغط النشارة على جانبي الأنبوب، بعد ذلك القيام بسحب الأنبوب وتشعيل المدفأة باستخدام قطعة قماش مبللة بالمازوت، يمكن أن تكفي التعبئة الواحدة للسطل 6 ساعات.

السيد أبو عفيف مدرس من طرطوس قال: مضينا العمر يلي نوفره بالصيف نحطه بأول شهر بالشتوية، ونركض وراء البحث عن الأوفر حتى تنتهي الشتوية نركب مازوت يغلى المازوت، نرجع على الحطب يغلى الحطب، نروح على الفحم يغلى الفحم، نرجع على الجلة، أعزكم الله، وهي حالنا كل شتوية، وتستمر المعاناة بسبب الظروف المعيشية الصعبة، في ظل ارتفاع أسعار مواد التدفئة، وانخفاض مستوى دخل الفرد، وانتشار البطالة وقلة فرص العمل، إضافة إلى تدهور قيمة الليرة.