تقرير/ أ ـ ن
إن تردي الأوضاع المعيشية وبظل تدني الرواتب والأجور، لجأت نسبة كبيرة من النساء في الساحل السوري وفي ريف طرطوس، إلى العمل بمهن تبدو غريبة على المجتمع، مثل: جني الأعشاب وبيع الموالح والقهوة على الطرقات، فضلا عن انتشار ظاهرة: المطابخ المنزلية، بالإضافة إلى التسويق الإلكتروني والعمل من داخل المنزل، من أجل تأمين طرق عيشهم وتغيير واقعهم الاقتصادي الهش إلى مستويات تتناسب مع الواقع المعيشي الصعب الحالي، فالعديد من النساء في قرى الساحل وريف طرطوس خاصة ، يعملن على استدانة الأموال من أجل فتح مشاريع صغيرة يجنين مبالغ مالية حتى يتمكنن من إعالة أنفسهن وعائلاتهن من براثن لهيب الأسعار الجنونية التي تواجه الجميع، ومن أجل إعالة أزواجهن أو حتى آبائهن وأخواتهن، لا تكاد توجد عائلة إلا والأم أو الأخت تعملن بأي شكل من الأشكال للمساعدة في تلبية متطلبات أسرتها في ظل الظروف المعيشية الصعبة،بالإضافة إلى ندرة فرص العمل لخريجي الجامعات ، يلجأ الشباب ا، وخاصة الفتيات، إلى مِهن تبدو غير لائقة لهم، مثل بيع البنزين أو الخبز على الطرقات، بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة.
السيدة نورا وهي ام لأربعة أطفال ووجها معاق ومصاب حرب، تقول: الحاجة المادية هي أهم الأسباب التي تدفع المرأة للعمل جنبا إلى جنب مع الرجل، انا اقوم بجني الأعشاب من غابات قريتنا، في البداية لم يكن جني الأعشاب مهنة، لكن بسبب الإقبال المتزايد عليها أصبح ذلك مصدر رزق لي ولعائلتي، مشيرة إلى أن جني الأعشاب يتطلب خبرة ودراسة في أصنافها وأنواعها التي هي تعلمتها من والدها، حيث إن قريتنا جبلية ووفيرة المياه، ما ساعد على وجود وتنوع أصناف هذه الأعشاب حيث ينمو أغلبها قرب الأنهار والينابيع.
اما السيدة الاربعينية كوثر شرحت لنا عن أهم الأعشاب التي يبعنها: الزعتر الأخضر الذي لا يكاد يخلو بيت منه لأهميته الغذائية والعلاجية، إضافة إلى زهرة الأوركيد التي تدخل في صناعة مشروب السحلب، والسماق، والبابونج، والزوفا، وورق الغار، والمريمية، وأعشاب أخرى، واننا نبدأ العمل من الربيع حتى الخريف، حيث تبحث عن أصناف الأعشاب المفيدة المنتشرة في الجبال، ما يحتاج إلى وقت ومجهود للحصول عليها، ثم تقوم بتنقيتها وتجفيفها، ومن ثم تخزينها بطرق معينة لتبقى محتفظة بخصائصها لفترة زمنية طويلة، في بداية عملنا وجهنما صعوبات وعواقب، لأنه كانت كل واحدة تبحث بمفردها عن الأعشاب، أما بعد أن زاد الإقبال على شراء الأعشاب فإني استعنت بنساء من القرية يعملن معا في جني الأعشاب وتجفيفها وتسويقها، مؤكدة أنه يتم تسويق هذه الأعشاب إلى بقية المحافظات، وقد زاد الطلب بشكل كبير على هذه الأصناف من الأعشاب لجودتها وأسعارها المقبولة، مما يدر علينا بعض الاموال تساعدنا في معيشتنا في خضم هذا الغلاء.
الدكتورة الصيدلانية ميسون والمختصة بالأعشاب اكدت: أهمية هذه الأعشاب والتي تصنف على أنها طبية، خاصة أن أغلبية أصناف الأدوية تدخل في صناعتها هذه الأعشاب؛ كالزعتر البري الذي يستخدم في علاج السعال، وعشبة الطيون المضاد للجراثيم، وإكليل الجبل للروماتيزم، وهو ما يساعد على عملية بيع هذه الأعشاب، وان الإقبال المتزايد على الأعشاب كان بسبب ارتفاع أسعار الأدوية، لأنها موروث الأجداد ولها أهميتها وفائدتها، كما أن هذه الأعشاب تساعد في علاج حالات الزكام، حيث تستخدم الأعشاب بكثرة، وخاصة في فصل الشتاء كالميرمية والزوفا والبابونج.
اما السيدة مها والتي تعمل ببيع الفستق على عربة صغيرة في شوارع طرطوس لتأمين مصدر رزق لها ولأسرتها وسط تردي الأوضاع المعيشية. فمنذ حوالي ثمانية أشهر، قررت بمساعدة إحدى صديقاتها البدء في بيع الفستق واقترضت مبلغا من المال من صديقة لشراء العرباية والمواد الأولية اللازمة لها، ووجدت نفسها ببيع الفستق، فعرباية الفستق فاتحة بيت وساترتني أنا وأولادي، وتعرض أولادها في بادئ الأمر للسخرية والتنمر في المدرسة من قبل بعض الأولاد الذين يقولون لهم والدتكم تبيع فستق مع الاستهزاء، لكن بعد مرور أصبحت مصدر فخر لأولادي فأنا أطعمهم من عرق جبيني برزق حلال.
الشابة ندى 28 سنة تقف أمام آلة القهوة على الرصيف الحجري في شارع الحمرات بطرطوس لتبيع القهوة وغيرها من المشروبات الساخنة بهمة ونشاط لا ينقطعان طوال ثلاث عشرة ساعة من العمل، تبدأ ندى عملها منذ الساعة التاسعة صباحا. وتصل إلى المنطقة التي اختارتها لتضع فيها آلة القهوة على دراجتها الهوائية، قادمة من منزلها في احدى قرى الدريكيش، لكنها لا تهتم لنظرات المارة الذين لم يعتد بعضهم حتى اليوم لعمل الفتيات في بيع القهوة على الطرقات. إذ إنه من غير المألوف في شوارع طرطوس بعد رؤية فتيات يعملن في بيع القهوة الطرقية، وتقول ندى: عملت في كثير من الأعمال، قبل أن أستدين مبلغا لأشتري آلة القهوة وافتتح البسطة المتواضعة في بيع القهوة والمشروبات الساخنة، سعيا منها لمواجهة الصعوبات الاقتصادية ولتأمين قوت يومها الذي يحتاج الجهد والروية والإصرار.
السيدة حياة اخبرتنا بانه مؤخرا، يوجد فتيات يقتحمن سوق بيع البنزين في طرطوس، فهي تقف بالقرب من سيارة قديمة مغلقة، وتشير إلى السيارات العابرة بقمع ملء البنزين، كمؤشر على أنها تبيع مادة البنزين. عند الاقتراب منها، يتضح أن السعر الذي تبيع به أغلى من سعر البائعين الذكور بنحو 5000 لكل عبوة تحتوي على 9 لترات من “بنزين لبناني” مهرب ولا تقبل المفاصلة، وتضيف حياة : إن عمل المرأة ليس عيبا، وخاصة في ظل هذه الظروف الصعبة ، من غلاء المعيشة وإلى عدم توفر فرص عمل جيدة، وأغلبية النساء اللاتي يعملن في مِهن كبيع البنزين والخبز على الطرقات مجبرات، نظرا لأنهن المعيل الوحيد لأسرهن والحرب أفرزت أسوأ ما لديها على هذه الارض، والفقراء هم الضحايا الرئيسيون.
بعض الفتيات يعملن في بعض المطاعم أو محال الألبسة ومستحضرات التجميل، أو حتى في بعض الأماكن الأخرى، مثل مكاتب الحوالات المالية أو مراكز التجميل أو عيادات الأطباء والمهندسين، أو حتى يقمن بإعطاء دروس خصوصية لطلاب المدارس، إلى جانب دراستهن الجامعية، نظرا لأن التكاليف الدراسية باتت تفوق مستوى قدرة أهاليهن، وسط تدني مستوى الرواتب والأجور.
الفتاة هناء قالت لنا: بعض الفتيات لجأن إلى مِهنٍ، تنتشلهن من الفقر والعوز، مثل تعقيب المعاملات، وانتشار ظاهرة المطابخ المنزلية بالإضافة إلى التسويق الإلكتروني والعمل من داخل المنزل، من أجل تأمين لقمة عيشهم.