لكل السوريين

أردوغان يترك الفلسطينيين لمصيرهم ويركز على أوكرانيا

الرئيس التركي يضاعف ابتعاده عن حركة حماس وحركات الإسلام السياسي التي راهن عليها لسنوات بهدف التقارب مع نتنياهو وفق علاقات تقوم على المصالح.

في ظل انشغال العالم بالتصعيد في غزة وقمة السلام التي احتضنتها مصر السبت، خيّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يترك الفلسطينيين لمصيرهم ويذهب للبحث عن الأضواء في مهمة أخرى هامشية وسهلة ولا تكلفه خسائر، وتتعلق بالسلام في أوكرانيا.

وتشارك تركيا في اجتماع بشأن السلام في أوكرانيا تنظمه كييف في مالطا نهاية الأسبوع المقبل، وفق ما أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي السبت بعد اتصال أجراه مع الرئيس التركي.

واكتفى أردوغان بمكالمة هاتفية مع رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وأبلغه بالجهود التي تبذلها أنقرة لوقف إطلاق النار وتوصيل المساعدات الإنسانية إلى غزة واحتمال علاج الجرحى في تركيا.

ويرى مراقبون أن اتصال أردوغان بهنية كان أقرب إلى تسجيل موقف والرد على انتقادات واسعة للموقف التركي الذي بدا وكأنه غير معني بالملف.

وبدا أن الرئيس التركي قد تجنب الحضور إلى قمة القاهرة، رغم معرفته مسبقا بأنها قمة الحد الأدنى، وأنها ستركز على البعد الإنساني. ويعرف أردوغان أن إسرائيل لن تسمح بتجاوز الخطوط الحمراء حتى لو كان ذلك في باب التصريحات والمزايدات الكلامية، ولذلك كان الغياب عن القمة الخيار الأسلم بالنسبة إليه، فلا يغضب إسرائيل ولا الفلسطينيين وخاصة حماس.

وعلى عكس الضجيج السابق الذي كان أردوغان يثيره بانتقاده السياسات الإسرائيلية، صار خطابه الراهن هادئا، منذ اللقاء الذي جمعه برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة.

ويمكن إدراج التغيير الذي طرأ على خطاب أردوغان في إطار التراجعات التي حدثت بعد الأزمة الاقتصادية الحادة التي عاشتها تركيا في السنوات الماضية بسبب مواقف أردوغان العدائية التي طالت المحيط الإقليمي وكلفت الاقتصاد التركي خسائر فادحة.

ويسعى أردوغان تحت وطأة الأزمة الاقتصادية إلى تطويق الخسائر واستعادة العلاقات مع بلدان الإقليم دون شعارات ومزايدات، بما في ذلك مع إسرائيل التي تحتاج إليها تركيا على أكثر من واجهة.

وبالإضافة إلى المصالح الاقتصادية والعسكرية القديمة – الجديدة مع إسرائيل، يريد أردوغان إنشاء علاقة وطيدة مع نتنياهو وتحالفه اليميني من أجل تأمين موافقة إسرائيلية على السماح لتركيا بأن تلعب دورا مهما في نقل غاز شرق المتوسط عبر أراضيها، وليس عبر أيّ دولة أخرى، وهو ما أشار إليه أردوغان في أكثر من مناسبة.

وبعد لقائه مع نتنياهو في الجمعية العامة للأمم المتحدة قال أردوغان “سنبدأ التنقيب عن الطاقة مع إسرائيل، وسنشرع في تشغيل خطوط نقل الطاقة ليس إلى تركيا فحسب بل إلى أوروبا أيضا”.

وعلى عكس السرعة في التقارب مع إسرائيل وفق علاقات تقوم على المصالح، ضاعف الرئيس التركي ابتعاده عن حماس وحركات الإسلام السياسي السنية التي راهن عليها لسنوات ضمن خطة لتثبيت نفوذ تركيا في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي. لكن تلك المرحلة انتهت بالنسبة إلى أردوغان.

وكان واضحا أن حماس، التي عادت إلى محور إيران وحزب الله وسوريا، تجنبت توجيه الانتقادات لاستدارة أردوغان نحو إسرائيل على عكس حملاتها على دول عربية كانت قد أقامت علاقات مع إسرائيل ضمن مسار السلام الذي تشهده المنطقة، وكان آخرها الانتقادات الموجهة إلى السعودية.

ويقول مراقبون إن أردوغان يتعامل مع الأزمة من المنظور البراغماتي نفسه الذي ظل يتعامل به مع كل القضايا الأخرى، بما فيها القضية الفلسطينية؛ فكلما كانت هناك منافع دعائية أو سياسية انبرى لها بحماس، وفي الوقت ذاته غالبا ما يتبنى موقفا مهادنا وتصالحيا مع الأطراف نفسها التي كان يخوض المواجهات الكلامية معها، حينما تستدعي الظروف الاقتصادية ذلك.

وكانت مالطا قد أعلنت الجمعة أنها ستستضيف اجتماعا حول السلام بناء على طلب من الرئاسة الأوكرانية يومي 28 و29 أكتوبر. وعقدت اجتماعات مماثلة في السعودية والدنمارك هذا العام.

وكتب الرئيس الأوكراني على موقع إكس “ناقشنا الجولة المقبلة من مفاوضات السلام في مالطا. وستشارك تركيا لتضيف صوتها وموقعها النافذ”.

وذكرت وسائل إعلام أوكرانية أن أي ممثل لموسكو لن يشارك في هذا الاجتماع.

كما تطرق أردوغان وزيلينسكي إلى صادرات الحبوب الأوكرانية، حيث قال الرئيس الأوكراني “إن أوكرانيا لا تزال ملتزمة بدورها الحيوي كضامن للأمن الغذائي العالمي وتسمح بتشغيل ممر الحبوب في البحر الأسود”.

وأدت تركيا دور الوسيط في النزاع في أوكرانيا، وتوصلت كييف وموسكو برعايتها، إلى جانب الأمم المتحدة، إلى ابرام اتفاق العام الماضي يسمح بتصدير الحبوب الأوكرانية الحيوية للأمن الغذائي العالمي.

إلا أن موسكو علقت العمل بهذا الاتفاق في منتصف يوليو، وحاولت تركيا منذ ذلك الحين إعادة الأطراف إلى التفاوض على أمل أن يؤدي ذلك إلى محادثات سلام أوسع بين أوكرانيا وروسيا.

كما عبر زيلينسكي عن امتنانه لأردوغان على “دعمه الدائم لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها”.