لكل السوريين

أكلات ساحلية بنكهة التراث وطبق لكل مناسبة

تقرير/ سلاف العلي

تنفرد البلدات والمدن الساحلية بخصوصية أكلاتها وموائدها التي تميزها عن الأكلات في المحافظات الأخرى، لدرجة باتت فيها العديد من هذه الأكلات بمنزلة هوية تراثية لهذه المدينة أو تلك، ويمكن القول إن المطبخ الساحلي حظي بنصيب وافر من الشهرة والتميز من حيث تنوع الأطباق وكثرتها، ومناسبات كل منها، وأيضا بطرق طهوها، وبساطة محتوياتها التي تناسب الجميع.

ما تزال السيدة حفيظة السبعينية تتمسك بعادات وتقاليد متوارثة عن أجدادها في حفظ المؤن وإحياء المناسبات التراثية، من خلال إعداد أطباق خاصة حسب قولها: بعد الانتهاء من موسم التبغ، لا بد من احتفالية خاصة، فهو عمل شاق جدا يتطلب الكثير من الجهد والوقت، لذلك أقدم مكافأة قيمة في هذه المناسبة، وهي كمية كبيرة من الفطائر المخبوزة على التنور والسيالات بالسمن البلدي، وتأتي هذه العادة المتوارثة التي تدعى الخلاصة كنوع من الشكر على الجهود المبذولة، ليس فقط في موسم التبغ إنما في مواسم أخرى كانتهاء الحصاد وقطاف الزيتون.

وتضيف السيدة: السيالات ليست فقط من الأكلات الشعبية الساحلية، إنما تشتهر بصناعتها العديد من المدن والقرى الساحلية، ولكل منها طريقتها الخاصة وإضافاتها التي تميزها، لكن في الساحل عموما لها طريقة خاصة في إعدادها، كما أنها لا تعد من أصناف الحلويات، بل هي عبارة عن عجينة سائلة تحضر من الدقيق والماء والملح دون أي منكهات، وتخبز على الصاج، مع إضافة الكثير من السمن البلدي أو الزبدة أو الزيت، لكن هناك من يأكلونها على شكل لفافة محشوة بالسكر أو الحلاوة الطحينية.

اما السيدة الفاضلة ام فؤاد وهي مدرسة تاريخ متقاعدة  في أواسط الستينات من قرى ريف جبلة، فقد اخبرتنا : في الماضي كانت جميع المأكولات تعتمد على ما تقدمه البيئة المحلية، ولأن زراعة القمح احتلت المرتبة الأولى، كان من الطبيعي أن تعتمد معظم الأطباق الشعبية المشهورة في الساحل على القمح ومشتقاته، ومن أبرزها القمحية وهي من الأكلات الشتوية، والمتبلة من أكلات الصيف، والمخلوطة التي تعد بمنزلة حساء يعد بشكل شبه يومي وهو مكون من القمح والعدس والحمص، أما البرغل فقد كان وما يزال يحجز لنفسه المكانة الأولى على المائدة، ومنه تعد أطباق متنوعة كالبرغل باللوف وبرغل بالسليق أوالمرشوشة، والبرغل بالسلق، والمجدرة، والبرغل بحمص، والبرغل بالشوافة، ولهذا الطبق خصوصيته لدى أهالي الساحل القدماء، فقد كان يطبخ في حفلات الأعراس.

اما المهندسة ام عزت والمهتمة بتراث محافظة طرطوس كما حدثتنا : اعتمد أهلنا وأجدادنا فيما مضى على نبات الشوافة أو القرع بنوعيه الأصفر ومنه صنعوا المربيات، والأبيض الذي كان يجفف بكميات كبيرة جدا، تكفي الأسرة لعام كامل، ومنه كانت ربات المنازل يعددن أنواعا متعددة من الأطباق، أبرزها الشوافة بالبرغل، وبشكل عام كانت مادة البرغل في تلك الفترات الطبق الرئيسي على وجبة الفطور مضافا إليه زيت الزيتون، كذلك دخل البرغل في صناعة المؤن أبرزها الكشك، الذي يمر تحضيره بعدة مراحل، فقديما كان يوضع اللبن الرائب في جرة فخارية يحكم إغلاقها لعشرين يوما، بعدئذ ينقع البرغل في اللبن المخمر ليلةً كاملة، حتى يمتص اللبن بشكل جيد، ثم يفرك المزيج باليد لبضعة دقائق، ويقطع قطعا صغيرة دائريةً، ويجفف في الظل لعدة أيام، ليخزن بعدها بشكل جيد بعيدا عن الرطوبة، ويقدم في فصل الشتاء كواحد من أكثر الأطباق شعبية محافظا على مكانته على موائدنا حتى يومنا هذا.

وأشارت المهندسة ام عزت إلى أنه في زمن لم يكن للثلاجات فيه وجود داخل المنازل الريفية، كان لا بد من إيجاد حلول، فلحفظ اللحوم لمدة طويلة قامت النساء آنذاك بطهوها وتحميصها بشكل جيد مع قطع الدهن والملح، وهذا ما يسمى قاورما وهي أساس المؤونة الشتوية وبعد أن يبرد الناتج تماما كان يعبأ بأوان فخارية ولاحقا زجاجية مع إحكام إغلاقها، وعند الحاجة تضاف منه الكمية اللازمة لكل طبق، ومن العادات التراثية أيضا، حفظ ثمار الليمون من خلال وضع طبقات منها وأخرى من التراب الأبيض، في أطباق مصنعة من أعواد الريحان، وترش الطبقات بالقليل من الماء، ويستخدم الليمون حسب الحاجة، وبهذه الطريقة تحفظ الثمار لمدة طويلة جدا.

السيدة ام طوني الخمسينية وهي من قرى ريف بانياس، قالت: ما يزال أهالي ريف الساحل خاصةً في ريفي بانياس والقدموس، يحيون بعض المناسبات التراثية من خلال إقامة الاحتفالات الشعبية التي لا تخلو من بعض الأكلات التقليدية، من أبرزها: البشارة التي ارتبطت بطبق كبيبات السلق الذي تنفرد به محافظة طرطوس، وقد حافظ على مكانته على موائد الأهالي حتى في غير أوقات المناسبات، أيضا في عيد رأس السنة الميلادية حسب التقويم الشرقي، يحرص معظم الأهالي في معظم قرى ريف القدموس وحمام واصل وبانياس على إحياء المناسبة من خلال إعداد فطائر تسمى فطير الميلادي، وهي عجينة تضاف إليها كميات وفيرة من الزيت أو السمن البلدي مع السمسم وحبة البركة، ولها طريقة خاصة في التشكيل، لتصبح بعد خبزها على التنور بهيئة رقائق فوق بعضها البعض، وكذلك البربارة التي تتميز بطقوسها الاجتماعية والعائلية، لكن يبقى البرغل بالحمص الطبق التقليدي الأكثر شعبية على امتداد الساحل وجباله، فقد اعتاد الناس في معظم المناسبات والأعياد الدينية على طهوه مع لحوم الذبائح، وتبادله بين جميع أهالي القرية فيما يسمى السكبة، خاصة في كل من عيدَي الأضحى والمولد النبوي الشريف، في الزمن الحالي فرضت الأوضاع الاقتصادية السيئة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية خارج أوقات موسمها، والانقطاع المتكرر للتيار الكهربائي لساعات طويلة، على كثير من الأسر العودة إلى التقاليد في حفظ الأطعمة والمؤن، كالعودة لتجفيف الحبوب بأنواعها والخضروات كالفاصولياء والباذنجان والبامياء والشواف.