لكل السوريين

مسيّرات تركية تملكها مصر تسلمها للبرهان والإخوان وتصعيد محتمل في حرب السودان

عاد الحديث عن دعم عسكري مصري للجيش السوداني للأضواء مرة أخرى عقب حديث عن أن مصر سلّمت قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان مسيّرات تركية، ما قد يدفع إلى تصعيد في الحرب ويثير التساؤلات بشأن تحالفات القاهرة التي تظهر في صورة الحليف للبرهان وحلفائه الإخوان.

وقالت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية، السبت، نقلا عن مسؤولين أمنيين، إن “مصر سلمت طائرات مسيّرة للجيش السوداني”.

وأضافت الصحيفة أن طائرات مسيّرة تركية من طراز “بيرقدار تي. بي. 2” جرى تسليمها إلى الجيش السوداني في شهر سبتمبر الماضي.

ويوفر تداول هذه المعلومات، إذا ثبتت صحتها، وجود تنسيق أمني بين مصر وتركيا بعد عودة العلاقات السياسية بينهما في مايو الماضي، وأن الخلافات الحادة بسبب تواجد قوات عسكرية تركية في ليبيا مدعومة بفلول من المرتزقة تابعة لها تمّ تجاوزها، وقد تظهر ملامح تفاهم في بعض القضايا الإقليمية بينهما، أبرزها السودان مع ميل كل من القاهرة وأنقرة لدعم قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان.

وتؤكد هذه النوعية من التقارير مفارقة دعم مصر لجماعة الإخوان وفلول نظام الرئيس السوداني السابق عمر البشير الذين يتحكمون في مفاصل القرار داخل المؤسسة العسكرية التي يقودها البرهان، في حين أن مصر عانت كثيرا من نظام البشير، وتعرضت لإزعاجات عديدة لقربه من جماعة الإخوان (الكيزان) المصنفة إرهابية في مصر.

وتزامن الحديث عن تقديم مصر طائرات مسيّرة تركية من نوع “بيرقدار” للبرهان، مع قول وسائل إعلام عربية، السبت، إن مسيّرات الجيش السوداني قامت بتدمير أربع ارتكازات تابعة لقوات الدعم السريع في اتجاه منطقة جبل أولياء بجنوب الخرطوم.

وربط متابعون بين هذا التقدم الجديد وبين المساعدات العسكرية التي قيل إن القاهرة قدمتها للبرهان مؤخرا، حيث يعتبر هذا التطور نتاجا مباشرا لها، لأن قوات الجيش تكبدت خسائر باهظة الأسابيع الماضية على يد قوات الدعم السريع، وبدأ تراجعها يتزايد مع إعلان البرهان انتقاله من الخرطوم إلى بورتسودان.

وقدم البرهان بعد اندلاع الحرب بين قواته والدعم السريع في منتصف أبريل الماضي طلبا للقيادة المصرية للحصول على مساعدات عسكرية عاجلة، خاصة ما يتعلق بسلاح الطيران ليستطيع مجابهة انتشار عناصر الدعم السريع التي صمدت في مواجهة اعتقد قادة الجيش السوداني أنها لن تستمر سوى بضعة أيام.

ونقلت وسائل اعلام عن مصادر أمنية رفض القاهرة الاستجابة لطلب البرهان في حينه، لأنها لا تريد التدخل عسكريا في صراع محتدم، اتساقا مع مبدئها بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى.

وشدد الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي على عدم تدخل أيّ جهة خارجية في الحرب السودانية، وهو ما عكسته تصريحات عدة لوزير خارجيته سامح شكري، وأكدته قمة دول جوار السودان بالقاهرة في يوليو الماضي، والتي رفضت دعم الطرفين المتصارعين بالمعدات العسكرية أو التدخل في شؤون السودان بما يغذّي أزمته.

ونشرت تقارير سودانية وغربية سابقا ما اعتبر أنه معلومات بشأن دعم بعض القوى الإقليمية للطرفين المتحاربين في السودان بأشكال مختلفة، أهمها الطائرات المسيّرة والقاذفات ودخلت ميادين المعارك بشكل كبير من خلال الحدود البرية والبحرية.

ويؤدي ثبوت دعم مصر وتركيا عسكريا للجيش السوداني إلى تصعيد محتمل الفترة المقبلة بين أطراف إقليمية لديها مصالح متباينة في السودان، ويخرج ما تردّد همسا أو في الغرف المغلقة إلى العلن بشأن ما تردّد حول أدوار خارجية في الأزمة، ما يضاعف من صعوبة السيطرة على صراع حاد، لا تظهر إشارات على إمكانية وقفه قريبا بعد إصابة منبر جدة والوساطة السعودية – الأميركية بالجمود.

وقال الخبير العسكري وعضو لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب المصري اللواء يحيى كدواني إن القاهرة تتخذ موقفا واضحا يستهدف الحفاظ على أمن السودان واستقراره، وإنهاء النزاع بين الفرقاء، لأن استمرار المعارك القائمة يقود إلى المزيد من الدمار، وهناك ثوابت في السياسة المصرية حول عدم تأييد فصيل ضد آخر.

واستبعد في تصريح خاص لـ”العرب” أن يكون لمصر دور مثير للفتنة والعمل على استمرار الحرب بين الجيش والدعم السريع، لافتا إلى أنّ ما يثار حول مساعدة القاهرة للبرهان بطائرات مسيّرة “معلومات غير دقيقة، ولا تتسق مع الثوابت المصرية لأن هذا التصرف ينعكس بشكل خطير على الأمن القومي العربي”.

وأشار كدواني إلى أن مصر تدعم الجيوش كقوة مسلّحة شرعية للدولة، وغير ذلك مرفوض بالنسبة إليها، وأيّ دعم يقدّمه الإخوان للجيش السوداني يستهدف اللعب على كل الأطراف لتحقيق مكاسب سياسية ضيقة، وهذا لن يؤثر في قناعة مصر أن الجيش هو أساس تماسك الدولة في السودان وغيره.

وربما تجد مصر تشكيكا في رؤيتها للمؤسسات العسكرية العربية بأنها ضمان للحفاظ على وحدة الدول، بعد تحكم قادة إسلاميين في الجيش السوداني بشكله الحالي، وتمكّنوا من اختطاف القرار داخله وأثّرت حساباتهم الضيقة على رؤية البرهان، وتبدو القاهرة كأنها لا تمانع في التعاون مع الحركة الإسلامية السودانية.

ويقول مراقبون إن قادة الإخوان في السودان غير مستعدين لتجاهل الضربة التي وجهتها القاهرة إلى الفرع الأم في مصر عندما جرى إجهاض مشروعهم السياسي، وكانت الضربة مقدمة لتفكك فروعهم في دول أخرى، ومعاناتهم مع شعوبهم، وبينها السودان الذي أسقط مشروعه الإسلامي ويحاول استعادته من خلال تغذية الحرب مع قوات الدعم السريع وتفشيل محاولات القوى المدنية لتنحية الجيش عن السلطة.

ويضيف هؤلاء المراقبون أن مفارقة دعم مصر محور البرهان – الإخوان قد تكبدها خسائر فادحة الفترة المقبلة من جانب القوى المدنية التي تقف موقفا صارما ضد المعادلة السودانية التي تريد الحركة الإسلامية ترويجها، وتعني أن مصالحها مع القاهرة يمكن أن تصبح بادرة لتغيير موقفها من الإخوان عموما.

وحذرت دوائر سودانية من ألاعيب فلول البشير، حيث يريدون جرّ مصر إلى جوارهم من خلال القناة التركية المتعاطفة معهم، ما يسهم في دعم الجيش السوداني بصورته الراهنة، وتغيير التوازنات المستقرة نسبيا منذ الحرب وتقوم على حفاظ غالبية القوى الخارجية على درجة عالية من الحياد، إلى جر مصر أو غيرها من الدول للانخراط فيه.