لكل السوريين

سقوط حر تشهده الليرة السورية، الأسواق في حالة جمود تام

تقرير/ خالد الحسين

بعد نهاية النصف الأول من العام ٢٠٢٣ وإعادة الحكومة السورية لعلاقتها مع العديد من الدول العربية توقع مراقبون تحسن القيمة الشرائية لليرة السورية ولكن التوقعات كانت معاكسة للواقع حيث تشهد الأسواق السورية جموداً وترقباً، بعد الهلع الذي لفّ السوريين ، إثر تهاوي سعر العملة وارتفاع أسعار المنتجات والسلع، وسط تفلّت الأسواق من أي رقابة أو ضابط.

ولم يستبعد الاقتصادي السوري، محمود الرجب، في حديث مع “السوري”، استمرار تراجع سعر صرف الليرة السورية أمام العملات الرئيسية، ليبلغ سعر صرف الدولار ١٢ ألف ليرة سورية “إن لم يحدث انفراج سياسي ودعم مالي للحكومة”، لأنّ عوامل انهيار الليرة صارت مواتية بعد “تلاشي ثقة المتعاملين وقرارات المصرف المركزي المتخبطة”.

وأشار الرجب إلى التراجع المستمر لسعر الصرف، ما ألحق “خسائر هائلة بكل من صدّق ادعاءات الحكومة بتحسن سعر الصرف، بعد مقاربة السعر الرسمي بأسعار السوق والحوالات الخارجية”.

وسجل سعر العملة السورية اليوم، أدنى سعر على الإطلاق منذ عام 2011 وقت لم يزد سعر صرف الدولار على 50 ليرة سورية، لتهوي الليرة اليوم إلى أكثر من ١٢ ألف ليرة، كما أكدت مصادر خاصة في اتصال مع “السوري”، مشيرة إلى عدم توافر الدولار واليورو في السوق، كاشفة أنّ التجار يحجزون دولارات بكميات كبيرة وبأسعار مرتفعة تصل إلى ١٢ ألفف ليرة للدولار الواحد، وهو السبب المباشر الذي سرّع بتهاوي العملة السورية.

ولفتت المصادر إلى دور تخلّي المصرف السوري المركزي عن التدخل أو الدعم، بل الاكتفاء بالإشارة إلى “المؤامرة والمضاربين”، في حين أنّ عوامل استقرار الليرة “جميعها معدومة” بواقع تراجع الإنتاج والتصدير وخلل الميزان التجاري السوري الذي “أنهكه استيراد المشتقات النفطية والقمح” بعد تبديد كامل الاحتياطي الأجنبي بالمصرف المركزي، المقدر دولياً بنحو 18 مليار دولار عام 2011.

ويصف أحد المختصين في المجال الاجتماعي ” منذر عباس ” وضع السوق بـ”الفوضى العارمة”، مشيراً في حديثه مع “السوري”، إلى غياب الرقابة ومزاجية التسعير “رغم الإقبال المحدود على الشراء بسبب الفقر وتلاشي قدرة السوريين الشرائية”، مستدركاً بقوله: “لكن الناس لا يستطيعون التعبير، لأنّ عقوبات النشر والتعبير عن السخط، تصل إلى حد السجن والغرامات المالية الكبيرة، لكل من ينتقد سياسة الحكومة”.

ويضيف عباس الذي فضّل عدم ذكر اسمه كاملاً، أنّ “الأحاديث في الشارع اليوم، تتركز على توقعات طبع أوراق نقدية كبيرة جداً من فئة  25 ألف وأكثر، والبحث عن طرق للهروب من واقع مأساوي، لأنّ الناس يموتون جوعاً بكل معنى الكلمة”، مؤكداً عودة بيع المشتقات النفطية بأسعار “خيالية” وعلى مرأى من الحكومة، حيث يراوح سعر المازوت والبنزين بين 11 و13 ألف ليرة.

من جهته، يرى الاقتصادي الرجب أنّ “هروب المصرف المركزي من مسؤوليته، بل ومساهمته بزيادة وتسريع تراجع سعر الليرة، عبر التسعير اليومي ولحاق سعر السوق، زاد من ملامح إفلاس الحكومة وتبديد الدولار بالمركزي، الأمر الذي زاد من بيع العملة السورية، حتى من صغار المكتنزين”.

ويوضح الرجب، لـ”السوري”، أنّ الليرة السورية، حافظت نسبياً على سعرها، خلال الفترة السابقة لسببين: الأول هو الأموال التي وصلت إلى الداخل السوري إثر الزلزال في 6 فبراير/ شباط الماضي، سواء من المغتربين أو الدول. والسبب الآخر ارتفاع نسبة التحويلات الخارجية خلال شهر رمضان والأعياد، مقدراً التحويل اليومي إلى داخل سورية بأنه زاد على 6 ملايين دولار، ويستدرك بالقول: “لكن بعد زوال أثر تلك الأسباب، بدأت الليرة بالتهاوي من جديد متأثرة بزيادة معروض الليرة السورية، بعد منحة الحكومة، وبدء توزيع ثمن المنتجات الزراعية، ووصول جزء كبير من التحويلات الخارجية إلى الداخل بالليرة”.

ويؤكد الخبير الاقتصادي سامر علوش، أنّ سبب ارتفاع سعر الصرف ووصوله إلى 12200 ليرة سورية، “غياب السياسة النقدية القادرة على امتصاص الكتلة النقدية التي طرحت خلال شهر إبريل/ نيسان”.

وقال علوش، خلال تصريح له، إنّ البلاد وردها وسطياً 100 مليون دولار من الحوالات، فضلاً عن المنحة المالية التي أصدرها الرئيس بشار الأسد، وبالتالي يقدر حجم الكتلة المعروضة من الليرة خلال 20-25 يوماً، بحوالي 4 تريليونات ليرة.

ويشير الخبير السوري إلى أنه لا يوجد سعر ارتفع وعاد للانخفاض من جميع المواد التي ترتفع أسعارها، لافتاً إلى أنّ الوضع بات يستوجب اتخاذ إجراءات احترازية وسياسة نقدية انكماشية صارمة.

وتساءل: “أين تأتي الكتلة التي يدفعها المصرف ثمناً للحوالات، ومع تراجع الاستهلاك أين تذهب الليرة السورية؟”، مشدداً على أنّه “يجب أن يكون لدى المصرف قاعدة بيانات توضح ما يُطرح من كتل نقدية من حوالات وسحب مصرفي، كي يحدد نسبة التضخم”.

وقفزت أسعار الذهب في سورية، إلى أعلى سعر على الإطلاق، بعد أن ارتفع سعر الغرام بنحو 10 آلاف عن سعر أمس، ليبلغ الغرام من عيار 21 قيراطاً 715000 ألف ليرة سورية، بحسب موقع “الليرة اليوم” ومصادر متطابقة من دمشق، ولتكسر الأونصة الذهبية السورية مستويات الـ20 مليون ليرة لأول مرة في تاريخها.

وانعكس تراجع سعر الليرة السورية على أسعار المنتجات والسلع الاستهلاكية في الأسواق السورية، لتبلغ هي الأخرى أعلى سعر في تاريخ سورية، بعد أن سجل سعر كيلوغرام الباذنجان والبندورة 4 آلاف ليرة، والبطاطا 3 آلاف ليرة، فيما ارتفع سعر كيلو الجبنة إلى 50 ألف ليرة، وتضاعف سعر اللحوم (بيضاء وحمراء) بنحو 100%، منذ مطلع العام الجاري.

ويرى مراقبون أنّ الحل “الإسعافي” هو زيادة الأجور، بصرف النظر عن آثارها التضخمية، لأنّ أكثر من 95% من السوريين، تحولوا إلى جوعى بواقع راتب شهري لا يزيد على 100 ألف ليرة، ونفقات لا تقل عن 6.5 ملايين ليرة شهرياً.