لكل السوريين

سوريا والجامعة العربية ومآرب أخرى

محمد أرسلان 

كثرت الأحاديث والتمنيات والتصريحات في الآونة الأخيرة عن عودة سوريا إلى الحضن العربي الذي افتقدته منذ نوفبر 2011 بقرار من جامعة الدول العربية من خلال بيان تلاه رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني. وخلال هذه الفترة الممتدة أكثر من عشر سنوات وسوريا خارج السرب العربي تغرد على ليلاها بمايسترو روسي وعازفون من إيران مما كانت سمفونية نشاز لم ترق لأحد من الداخل السوري وحتى الخارج. زاد هذا القرار من التدخلات الإقليمية والدولية في الأزمة السورية وبنفس الوقت وضع سوريا تحت الكثير من الأعباء التي كانت أكبر منها.

ربما كان مفهوماً القرار الذي تم اتخاذه ذاك الحين من قبل الجامعة العربية كان بضغوط خليجية غربية بالدرجة الأولى أكثر منه قراراً عربياً، وذلك زيادة العزلة والحصار على سوريا من أجل فرض بعض التنازلات عليها أو قبولها بما يتم إملاءه عليها من أجندات ومشاريع كانت تخدم بالدرجة الأولى قوى الهيمنة التي تعمل على تنفيذ مشروعها الكبير الشرق أوسطي. ولكن بنفس الوقت لم يكن لدى الدول العربية حينها الكثير من الخيارات سوى قبول اتخاذ القرار بتعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية بسبب حالة الفوضى التي بدأت تضرب المنطقة من تونس ومصر وليبيا فسوريا. حينها الكثير من الأمور التي كانت مجهولة أو غير واضحة المعالم هي المسيطرة على الشارع بشكل عام، والألة الإعلامية الغربية كانت في أوج قوتها في التلاعب في عقول الشعوب والأنظمة على حدٍ سواء.

بعد أكثر من عقد من الزمن بقراءة بسيطة وسريعة في مآلات تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية، نرى أنه لا سوريا غيرت من مواقفها ولا الدول العربية التي اتخذت ذاك القرار حصلت على ما تريده جراء ما تم. لكن النتيجة التي يمكن الاتفاق عليها هي أن الشعب في سوريا كان الضحية من هذا القرار الذي زاد من بؤسهم وتهجيرهم وتشردهم ومقتلهم من جهة، وزاد من التدخل التركي والايراني في المقتلة السورية والتي حولتها إلى بازارات سياسية تصفي على أرض سوريا حساباتها وتناقضاتها مع أمريكا أو روسيا.

تحول الشعب إلى قرابين يتم التضحية بهم إما عن طريق إيران من خلال فرض نفوذها لتقترب أكثر من بيروت، أو عن طريق تركيا التي هي أيضا عملت على تنفيذ مشروعها في عثمنة المنطقة واسترجاع واحتلال ما ضاع منها منذ قرن مضى. أما روسيا التي لطالما كانت ولا زالت تحلم بموطئ قدم لها في المياه الدافئة وخاصة إذا كانت هذه المياه في المتوسط، فأنها لم تتوان أبداً عن تقديم كل الدعم من أجل الاستحواذ على قاعدة دائمة لها في سوريا، وكان لها ما تريد. أما أمريكا الحاضرة الغائبة فكان لها موطئ قدم لها في سوريا التي كانت عصية عليها. فها هي اليوم تمسك بخيوط اللعبة وتحركها كيفما تشاء وأينما تريد مصالحها التي لم ولن تنتهي.

سوريا الأسد، سوريا القلب النابض للعروبة، سوريا قلعة الصمود والتصدي، سوريا الصخرة التي تتحطم عليها المؤامرات، سوريا المكتفية ذاتياً، سوريا حضن العرب، كل ذلك كان في الماضي فقد تحولت سوريا إلى حلبة يقتل القوي فيها الضعيف وحلبة بلا أسد يزأر وبلا قلب ينبض وهُدِّمت القلعة وباتت غباراً منثورا وبؤرة للمؤامرات الداخلية منها والخارجية، وكذلك باتت سوريا تشحذ الفتات من أجل اشباع نهم سماسرة السلطة والحروب وتلاشى ذاك الحضن الذي كان يجمع العرب وتحول إلى حضن ينفر منه أبناءه ليتم تهجيرهم في دول العالم أو تبتلعهم مياه المتوسط.

سوريا التي فيها الكل أصدقاء وأعداء بنفس الوقت وهو التوصيف الحقيقي للفوضى والتفاهة التي نعيشها بكل تجلياتها، وكل طرف يبحث عن مصالحه على حساب الأطراف الأخرى، والعنوان الأساسي بات المصلحة واللامبدأ. فمن كان يبحث عن المبادئ والقيم فلا يتعب نفسه في البحث عنها، ليس في سوريا فحسب، بل بات هذا العنوان هو الأساس في العراق واليمن وليبيا ولبنان وغيرها من الدول، وكل ذلك في الفوضى التي نمت في كافة مفاصل الحياة.

في ظل هذه الفوضى عملت الإدارة الذاتية لشمالي وشرقي سوريا ألا تشرب من ذات منهل المصلحة الذي شربت منه كافة الأنظمة والأطراف على حساب شعوبها ومجتمعاتها. حيث عملت هذه الإدارة على صد كافة الهجمات إن كانت من تركيا أو المعارضة الاسلاموية الاخوانية التي باتت بيدقاً مأجوراً بيد قوى السلطة والهيمنة والأنظمة الاستبدادية، ومرتزقة يتم التضحية بهم في مسالخ بعض الدول الأخرى مثلما حدث في ليبيا وأرمينيا وربما الآن في أوكرانيا وفق ما تم تسريبه في الاعلام. حافظت الإدارة الذاتية على التنوع الذي كان مصدر قوة لمشروعها في التصدي لكل الهجمات التي تتم عليها. ولا زالت تعمل على بناء المجتمع والانسان وانتشاله من مستنقع الجهل والتخلف والاقصاء والصهر الذي بناه النظام القومجي عبر سنوات استبداده. فأصبح العربي والكردي والاشوري-السرياني والأرمني والتركماني يشكلون لوحة كبيرة بثقافتهم وإرادتهم واصرارهم على بناء سوريا المستقبل التي يكون فيها الكل من أجل الكل، وذلك من خلال مشروع مجلس سوريا الديمقراطية.

في هذه الفترة يتم طرح فكرة عودة سوريا، المنهكة والمدمرة والمنتهكة تركياً وايرانياً وروسياً وامريكياً وصينياً بعض الشيء وكذلك من نظامها الحاكم المستبد المنغلق على عقليته الاقصائية القومجية، ما هي الأهداف التي يمكن ان تجنيها أطراف هذه الدعوة بعد كل الذي حصل. هل بمقدور هذه الدعوة اخراج تركيا من المدن والمناطق التي احتلتها أو إضعاف نفوذ إيران واخراجها أو حتى اخراج روسيا وامريكا من سوريا، ليكون البديل هو دخول الدول العربية لتحل مكان هذه القوى والأطراف التي قدمت كل امكانياتها لتصل إلى ما حصلت عليه. أم أن هذه الدعوة ستبقى ظاهرة صوتية لن تتعدى التصريحات والبيانات التي سيستثمرها كل طرف وفق مصالحه وأجنداته على حساب الشعوب السوري الذي ما زال يعيش تحت مقصلة النظام البعثي، الذي سيعلن انتصاره الزائف على شعبه قبل القوى التي دمرت سوريا.

والدول التي هي بالأساس جالسة في الحضن العربي مثل لبنان واليمن وليبيا، من سيعيد كرامتهم المنهوبة من أبناءها الفاسدين الذين باعوا وطنهم بأبخس الأثمان، ليعلن لبنان قبل أيام عن افلاس البنك المركزي والدولة.

هل هذه الدعوة هي لهشّ الشعب الذي تحول إلى قطيع يُساق كما تريده الآلة الاعلامية لكل طرف أم أن ثمة مآرب أخرى مخفية لا أحد يعلمها سوى القوى التي نصبت نفسها آلهة العصر على الدول والشعوب والمجتمعات. آلهة بيدهم قرارات الحرب والسلام وتدمير الدول واستخدام النووي والكيمياوي والبيولوجي لاستعباد الشعوب وترهيبهم وتسييرهم كيفما يشاؤون وأينما يريدون.

اسئلة مشروعة يطرحها الكثير من المواطنين عن جدوى العودة للحضن العربي الذي لم يقدم إلى الآن شيء لنفسه، سوى أنه حضن عربي (جامعة الدول العربية) مستهلك ولا ينفذ سوى ما يتم طلبه من قبل أصحاب المال، كما حصل مع ليبيا. فالأولى أن تعود الجامعة العربية إلى حضنها العربي قبل أن تدعوا إلى عودة بعض الدول إليها. وهذه العودة يلزمها على ما اعتقد إعادة ترميم واصلاح كبيرة لهيكلية الجامعة لتخرج من قومجيتها لتكون جامعة لكل شعوب المنطقة بعيداً عن التفوق العرقي والاثني وانكار أو اقصاء الشعوب الأخرى الأصيلة في المنطقة. حينها سيكون لكل حادث حديث.