لكل السوريين

الدليل الثقافي والاثري في سوريا.. حريق ساروجة يثير الجدل، من الفاعل ولماذا؟

دمشق/ روزا الأبيض

اندلع حريق في حي سوق ساروجة الأثري وسط العاصمة دمشق، صباح يوم الأحد الساعة 3.30 فجراً، وامتد إلى البيوت والمحال التجارية المجاورة بسبب طبيعة البيوت الأثرية كونها أبنية قديمة يدخل في بنائها الخشب، وقد تضاربت الأخبار حول وجود إصابات نتيجة الحريق الذي لم تعرف أسبابه حتى الأن، وسط شكوك بأن يكون مفتعلاً لتكرار الحرائق في المنطقة ( منطقة دمشق القديمة)، والتي تنشط فيها الميليشيات الإيرانية.

لمحة تاريخية:

يعد حي ساروجة من أهم الأحياء المتبقية من مدينة دمشق القديمة، وهو أول منطقة من دمشق بنيت خارج أسوار المدينة في القرن الثالث عشر الميلادي، وأتت التسمية وفقاً لعدد من الباحثين من كلمة ” ساريجا” التركية، وتعني أصفر اللون، فيما ذكر باحثين أخرين أن الحي سُمّي بهذا الاسم نسبة إلى الأمير صارم الدين ساروجة المملوكي، حيث قام بإنشاء الحي وبناه الأمير المملوكي ” سيف الدين تنكز”، وصارم الدين هو أحد قادته، وترجع الكثير من الأثار المعمارية له، وقد تسابق الكثير من الامراء المملوكين لبناء المنشأة فيه كما كانوا سبباً لتخريبه لاحتدام التنافس بينهم، فبنوا المدارس والجوامع والحمامات، وكانت المدرسة الشامية البرانية أساساً لإنشائه، وجامع الورد المعروف باسم ” برسباي” نسبة للأمير برسباي الناصري، والمدرسة المرادية البرانية في منزل الشيخ مراد علي البخاري، وحمام الورد ومسجد الوزير الذي بناه طاهر المزدقاني وزير أمير دمشق، ولم يتبق منه إلا كتابة بالخط الكوفي، ومع انتهاء العصر المملوكي وبدء الحكم العثماني لدمشق، أخذت ملامح الحي تتبدل وكان المجال متاحاً للتوسع فتميز بسوقه الكبير ومنازله الواسعة ومساجده الفخمة، وحماماته، ما دفع رجال الدولة العثمانية إلى الإقامة فيه، وأطلقوا على الحي اسم “إسطنبول الصغرى”.

ومازالت الكثير من أبنية الحي موجودة حتى الآن، منها 15 مسجداً أهمها مساجد الورد وبلبان والصبح والقرمشي، وعدد من الحمامات منها الورد والجوزة والخانجي والقرماني، وأربعة أفران، وطاحونة، كما يوجد فيها أول قصر جمهوري سوري للرئيس محمد علي العابد وهو أول رئيس للجمهورية العربية السورية، وفي ظل الإنتداب الفرنسي، قام المعماري الفرنسي “ميشيل إيكوشار” بوضع مخطط تنظيمي لتحديث مدينة دمشق، وتم تصنيف الأحياء الواقعة خارج السور كمحاضر تنظيمية.

ساروجة عمرانيا.. للحارة بابان:

يتألف حي ساروجة من المحور الرئيسي ويتفرع عنه عدد من الحارات التي يتفرع منها عدد من الدروب والأزقة الثانوية، لم يكن الحي تاريخياً يحتل وسط المدينة أو مركزها، فهو يقع خارج أسوارها إلى الشمال الغربي من قلعة دمشق، ويحدها من الشمال عين الكرش ومنطقة البساتين الزراعية، ومن الشرق العقيبة والعمارة البرانية( سوق الهال القديم)، ومن الجنوب البحصة والسنجقدار، ومن الغرب البحصة البرانية والشرف الأعلى، ويشكل الحي مع العقيبة والبحصة تكاملاً عمرانياً، ويوجد للحي بوابتان الأولى،يشكل المحور الواصل من باب العمارة إلى المدينة القديمة، إلى العقيبة ثم سويقة ساروجة إلى الصالحية ” بوابة الصالحية”، وتصل ساروجة بالصالحية وبساتينها، والبوابة الثانية، بوابة” عين الكرش”، وتصل ساروجة بعين الكرش والبساتين الزراعية، ويضم حي ساروجة العديد من الحارات أهمها حارة الورد وفيها جامع الورد ” برسباي”، وحمام أثري، وطريق جوزة الحدباء المرصوف بالحجارة، وحمام الجوزة، ومقهى الكركوزاتي.

وحارة قولي او حارة القصر، يقع فيها قصر العابد والذي يتألف من 50 غرفة، والذي تحول فيما بعد إلى المدرسة الأمريكية، ثم إلى الثانوية الأهلية على يد سليم اليازجي.

أسباب إندلاع الحريق:

وجهت العديد من المصادر في دمشق، وصفحات مواقع التواصل الأجتماعي أصابع الاتهام لوكلاء من إيران، مشيرة إلى أنهم من افتعل الحريق الذي سبب أضراراً كبيرة بالممتلكات والمنازل القديمة ” التاريخية”، وعدد من الورش ومحال تجارية، ومن أهم المنازل التاريخية منزل عبد الرحمن باشا اليوسف ” امير الحج”، ومنزل خالد العظم رئيس الوزراء السوري، في حين لم تذكر الحكومة الأسباب التي أدت إلى الحريق الذي التهم مساحة كبيرة أثارت الأسئلة أيضاً، إنما نسبت الأمر إلى “ماس كهربائي” كما درجت العادة عند نشوب كل حريق في منطقة دمشق القديمة.

ونشرت وكالة (سانا)، أن 15 سيارة من فرق الإطفاء قامت باخماد الحريق، ألا أنها في بداية الأمر ذكرت أن الحريق في “حي العمارة الدمشقي”، ثم تم تصحيحه لاحقاً إلى “حي ساروجة”، هذا التعتيم الإعلامي عزز فرضية وقوف إيران خلف الحريق لسببين: الأول أنه تم منع الأهالي من ترميم البيوت القديمة في الحي، وقد عرضت عقارات في ساروجة للبيع وتحديدا في حارة القصر لوكلاء إيرانيين، والثاني هو تضرر المنازل الأثرية جراء الحريق، والتي تهتم بها إيران لأسباب تاريخية وديموغرافية، تزامناً مع ازدياد نشاط المكاتب العقارية الإيرانية الممولة من طهران في دمشق القديمة، كما تداولت عدة مواقع سورية، أخباراً عن منح الحكومة السورية الجنسية للآلاف من الشيعة العراقيين والإيرانيين، وذلك لأهداف عسكرية وسياسية وديموغرافية، وتم تداول وثائق رسمية سورية تكشف عن قيام النظام بتوطين إيرانيين في مناطق مختلفة في سوريا، وفقاً ل-” المدن”.

كما نشر ناشطون أن الميليشيات الإيرانية تفتعل الحرائق في دمشق القديمة، لإجبار الدمشقيين على بيع محالّهم وعقاراتهم، وذلك بسبب قرب المنطقة من “مقام السيدة رقيّة”، وهي منطقة مهمة لدى الإيرانيين، وعزا الناشطون تكرار الحرائق في المنطقة خلال العقد الأخير إلى سعي إيران لشراء العقارات في وسط المدن الكبرى، لذلك يلجأ وكلاء إيران إلى حرق العقارات التي يرفض أصحابها بيعها لهم.

في النهاية لماذا إيران؟

تسعى إيران منذ زمن طويل وخاصة بعد انتصار ثورة الملالي التي تتخذ المذهب الشيعي نظاماً حاكماً، إلى السيطرة على الحركة التجارية، وتغيير الديموغرافيا، من خلال السيطرة على قلب المدن، وقد هيمنت إيران على اول عاصمة عربية وهي بغداد، ثم العاصمة بيروت بمساعدة ميليشيا حزب الله، أما بالنسبة إلى دمشق فقد ظهرت الحوزات الشيعية وزاد عددها منذ عام 2002، وكان أولها مقام “السيدة زينب” في ريف دمشق، ثم ظهرت مستشفيات ومراكز خدمة اجتماعية ودعوية بأسماء قادة إيرانيين، وقد حاولت إيران بالبداية السيطرة على محافظة حلب، ثم دمشق، وبرزت عملية التغيير الديموغرافي في منطقتين تنظيميتين، نفذها الحرس الثوري الإيراني في دمشق وريفها هما:

(المنطقة التنظيمية 101 – ماروتا سيتي)، جنوب شرق محور المزة- كفرسوسة.

(المنطقة التنظيمية 102 – باسيليا سيتي)، جنوب المتحلق الجنوبي محور المزة – كفرسوسة، بساتين القنوات، داريا، بهدف توطين 40 ألف عائلة إيرانية وأفغانية في دمشق، ومؤخراً بدأت مشروع زيتونة سيتي في ريف دمشق.

وذلك لإتمام مشروع الهلال الشيعي ” هلال إيران”، الذي يمتد من طهران مروراً ببغداد ودمشق، وصولاً إلى بيروت، وقد نشر موقع ويكيليكس عام 2009، محتوى برقية تتضمن تحذيراً من رئيس المخابرات السعودية الأمير مقرن لدبلوماسيين أمريكيين، جاء فيها أن “الهلال الشيعي” يتحول الى “بدر مكتمل” مع تمدد النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.