لكل السوريين

ساحة سعد الله الجابري مركز مدينة حلب ومتنفس أهلها

حلب/ خالد الحسين

تتوسط ساحة سعد الله الجابري حلب بمشهد مركزي يتألف من كافة فئات أهالي حلب وهم يتجهون من شارع بارون إلى الحديقة العامة والشلالات وامتداد نهر قويق والجميلية، وشارع فيصل وشارع القوتلي وشارع كامل الغزي وشارع مجد الدين الجابري وشارع الكتّاب وشارع الناعورة التي هدمت عام 1902م لكن مجسمها وذكرياتها وعيونها تطل على حلب من ساحة المتحف الوطني القريب من ساحة جمال عبد الناصر.

وتواصل ساحة سعد الله الجابري روافدها المؤدية إلى العديد من الأماكن القديمة والحديثة في حلب، منها المنشية وباب الجنان، ومبنى البلدية وفندق الأمير، وساحة باب الفرج والقلعة والسبع بحرات وقصر الثقافة وباب النصر والجامع الأموي، وأسواق المدينة، وحي العزيزية وسوق التلل وجادة السليمانية.

هذه الساحة التي تعود تسميتها إلى الزعيم الوطني سعد الله الجابري أحد رؤساء الوزراء السابقين لسورية، وأحد المناضلين الأشاوس ضد الاستعمار ، تتضمن العديد من العلامات منها نصب لسعد الله الجابري، ومنحوتة تشكيلية حجرية رمزية للشهداء وهي إحدى أعمال الفنان عبد الرحمن المؤقت الذي أبدع في تجسيد الفكرة على الحجر الحلبي الأصفر، ويلتف حولها عدة شاشات إلكترونية، وعدة جهات حكومية وثقافية وفنية، والكثير من المحلات التجارية والخدمية، ومكاتب الطيران، وعبّارة الأدوات واللوازم الصحية، والبريد المركزي، والعديد من الفنادق والمقاهي والمطاعم، والمفارق والشوارع، وبموقعها ذي الأبعاد النشطة شكلت نقطة عبور للجميع راجلين وراكبين، وتمر حولها وسائل المواصلات المختلفة، لذلك تعتبر ساحة مركزية حيوية في حلب، شهدت وتشهد احتفالات ومناسبات رسمية ووطنية ومهرجانات متنوعة منها مهرجان القطن السنوي الذي تكتسي فيه حلب بلون القطن الأبيض وهو لون قلوب أهاليها وطيبتهم وأرواحهم البيضاء، فتزدان الشوارع والسيارات العابرة برسوم وتشكيلات ومجسمات متنوعة احتفالاً بالثروة الوطنية البيضاء.

ويعتبرها الحلبية مكاناً لنزهاتهم اليومية نهاراً وليلاً، فهي لا تخلو من الناس وازدحاماتهم، خصوصاً، وأن البائعين الجوالين متواجدون دائماً لبيع المشروبات الساخنة والباردة والمسليات الأخرى مثل غزل البنات والمكسرات و”البوشار” و”البليلة-الذرة الصفراء” المسلوقة والمشوية وبنكهات مميزة، وتصطف “النرجيلات” في مشهد يشوّه الساحة التي لا تخلو من أوساخ يرميها البعض غير آبهٍ بنظافة مدينته العظيمة! وكذلك، تصطفّ حولها خدمة “صفة” التي تقبض على دواليب السيارات المخالفة! كما يبيعون الألعاب والبالونات وأوراق يانصيب معرض دمشق الدولي.

ولا تخلو الساحة من سيارة للإسعاف كاهتمام صحي، أو من سيارة للحملات الترويجية والطبية، مثل سيارات اللقاحات للأطفال والكبار وكان آخرها لقاح “كورونا” الذي شهد إقبالاً كبيراً كما شهد حفل أم كلثوم ذات يوم عام 1931م حضوراً كبيراً في مسارح قريبة من هذه الساحة التي تجعلك تمشي وأنت سعيد كما في كل مكان من حلب، خصوصاً، وأن أهالي حلب يتمتعون بروح محبة للحياة، تسعى في مناكبها، فيمضون أوقاتهم في هذه الساحة جالسين على المقاعد الحجرية التي تفصل بينها بركات ماء حجرية كانت نوافيرها لا تتوقف عن الخرير، وإضاءتها لا تنطفئ، فيلعب الأطفال كيفما يشاؤون، وتتحادث النسوة عن همومهن، بينما يتواعد كبار السن لتمضية وقت في الهواء الطلق، وبين الناس، لا سيما أولئك الذين تأقلموا مع وحدتهم، وجاؤوا للقاء أصدقائهم الوحيدين مثلهم للاستمتاع بالشمس وتبادل الأحاديث والحوارات والهموم والأحلام.

كأن الساحة شردت في أعماقها لتخبرنا عن تحولاتها التي كانتها في بداية القرن العشرين، وكيف كانت جسراً مميزاً يسمى “الجسر الجديد” يغطي قسماً من نهر قويق ويمنح العابرين حالة متأملة لا متألمة، كما يحدث الآن، فمثلاً، هناك، في مكان ما، مطل على الساحة، قد تجد أشخاصاً يائيسن، فقراء، مشردين، متسكعين، بائيسن، بعضهم يمد يده للناس، وبعضهم على كرسيّه المتحرك لا يطلب لكنه، يوحي إليك بأنه بحاجة لقوت يومه، وهناك من اتخذ الأرصفة مأوى، مما يجعلنا نتساءل عن الجهات المسؤولة والمعنية بهذه الفئة من الناس ورعايتها والاهتمام بها، والجهات الأخرى المعنية بالمحاسبة فيما إذا امتهن البعض التسول بشكل فردي أو جماعي.

وإذا ما رفعت رأسك للسماء، ثم أعدت النظر إلى الساحة لرأيت كيف يجلس البعض للاستراحة، بينما يمضي الآخرون لأعمالهم وأحلامهم كما تمضي الفصول التي تترك آثارها على الأرضية والأرصفة مثل أوراق الشجر، وقطرات المطر، وآلام البشر، وتحديات الإرادة والحجر.