لكل السوريين

المدافئ.. ما بين برودة شتاء اللاذقية وجهنم أسعارها!

اللاذقية/ سلاف العلي

أشرف الشتاء كشبح مرعب للمواطنين الذين يفضلون الصيف على الرغم من حرارته وندرة وسائل التكييف والماء البارد، إلا أنه يبقى أسهل وأهون عليهم من الشتاء الذي لا بد من وسائل للتدفئة وبأي شكل، فالبرد لا يمكن منعه من نخر عظامهم وعظام أبنائهم، ولكن أسعار مواد التدفئة باتت فوق قدرتهم كالمازوت والحطب، وحتى بعض المواد البدائية التي لا يتمكن معظمهم من الحصول عليها.

مع اقتراب فصل الشتاء وندرة المازوت رغم المزاعم الحكومية بتوفيره للمواطنين على مدار الشتاء، انتشرت وتوسعت تجارة الحطب مع بحث بعض المواطنين باللاذقية عن وسائل تدفئة بديلة قبل حلول الأشهر الباردة، وخوفا من تكرار الوضع الذي كان سائدا في العام الماضي، حيث كانت معظم العائلات تعتمد على وعود لتوفير المازوت ولكنها لم تتلق الدفعة الثانية، مما أدى إلى ظهور مافيات جديدة، فبات بعض تجار الحطب يشهرون السلاح بوجه عناصر الضابطة الحراجية.

بالتالي، فإن الخطوة الأولية لبعض العائلات كانت شراء وتخزين الحطب، لأن الطن منه يكلف ما بين 400 ألف، و600ألف ليرة.

أبو الليث مزارع من مشقيتا إحدى قرى اللاذقية البعيدة، قال لمراسلتنا، “عدم توفر مادة المازوت خلال العام الماضي كان درسا للمواطنين، لأن عدم التزام وزارة النفط بتوزيع مادة المازوت أدى إلى زيادة ملحوظة في نسبة أمراض الشتاء، مما سبب لهم الخوف اليوم. ولتجنب تكرار ما حدث، لجأ المواطنون إلى بدائل مثل شراء الحطب، أو إخفاء الورق المقوى والمواد البلاستيكية المضرة بالبيئة التي جمعت من الشوارع”.

ورغم تحديد السعر الرسمي للطن الواحد من الحطب بـ 300 ألف ليرة، إلا أن وزارة الزراعة غير قادرة على تأمين الكميات التي يحتاجها المواطن نتيجة لفقدان مادة المازوت، أنه من الضروري إيجاد سبل لتأمين مادة المازوت عن طريق توزيع الحصص على العوائل لتغطية جزء من الحاجة.

أم فارس سيدة ربة بيت من قرية الزللو في ريف جبلة قالت “كل شتوية نبقى لعدة أيام بدون تدفئة، بسبب ندرة المازوت أو ارتفاع سعره بأرقام كبيرة في السوق السوداء، وأننا نقنن قدر المستطاع في استخدام الصوبيا، حيث نقوم بتشغيلها ليلا فقط وخلال العواصف وأيام البرد القارس, فالحكومة السورية توزع 50 لترا من المازوت كدفعة أولى وتتأخر في توزيع الدفعة الثانية أي بعد شهر شباط مع اقتراب البرودة من نهايتها”.

وتضيف “تجنبا لما كان يحدث لنا كل سنة، قررنا خلال هذا العام شراء مدفأة تعمل بالحطب كبديل عن التي تعمل على المازوت, وكانت المفاجأة لنا بأسعار المدافئ التي تعمل بالحطب وذات الجودة الجيدة، فهي تصل لأرقام خيالية، حيث بلغ سعر الواحدة منها نحو مليوني ليرة سورية، وهو ما يعادل راتب زوجي لسنة ونصف، بدون تكلفة الحطب”.

في جولة لمراسلتنا على عدد من المحال التجارية التي تبيع المدافئ في أسواق القوتلي والعوينة ومحيط الشيخ ضاهر في محافظة اللاذقية، وتبين أن أسعار المدافئ العادية الخاصة بالمازوت من 90 ألف ليرة حتى 250 ألف ليرة وفقا للحجم، ويضاف إليها سعر الطاسة من 7 – 10 آلاف ليرة وفق السعة، وتكلفة متر البوري من 6500 – 7500 ليرة للمتر الواحد.

ويباع الكوع بـ 5 آلاف ليرة والصينية تتراوح بين 6–12 ألف ليرة وفق القطر, والمدافئ التي تعمل على الحطب تبدأ أسعارها من 65 ألف ليرة حتى تتجاوز المليون ليرة، ومنها ما تزيد تكلفتها لنحو مليوني ليرة، في حال كانت وفق مواصفات معينة تتسع لمكان مخصص للطهي وآخر لصناعة المناقيش المنزلية، وقد أصبحت عادة دارجة عند تشغيلها كموقدة وأداة طبخ.

في حين أن المدافئ الكهربائية، فتبدأ من 75 ألف ليرة حتى 300 ألف، وفق الاستطاعة والنوعية، وهي ذات إقبال ضعيف مقارنة بالمدافئ الأخرى بسبب توقعات المواطنين بعدم توافر التغذية اللازمة لتشغيلها.

كما لم تلق المدافئ التي تعمل على الغاز إقبالا لتدخل السوق كما كانت خلال سنوات سابقة، وذلك بسبب شح المادة المدعومة وارتفاع سعرها بالسوق السوداء، ما جعل أسعارها تستقر مقارنة بباقي المدافئ، إذ تتراوح من 400 ألف حتى مليون ليرة، وهي أسعار قريبة من العام الماضي.

بالنسبة لمحال بيع قازانات الحمام العاملة على المازوت، فالصوبيا تباع بسعر يتراوح بين 100الى130 ألف ليرة، والقازان بين300 الى600 ألف وفق النوعية والحجم, وان المدافئ التي تعمل على المازوت، هي الأكثر شراء بداية هذا الموسم، رغم زيادة أسعارها بنحو 200 بالمئة عن السنوات الخمس الماضية مع ارتفاع تكاليف الإنتاج من المصدر لتصل إلى السوق بأسعار مرتفعة قياسا بالسابق.

أبو مفيد من مدينة اللاذقية، أوضح في حديثه مع صحيفتنا أن “لم يتوقع أن تصل أسعار المدافئ إلى هذه المستويات، خاصة الحطب، فهذه الأسعار فوق طاقة نسبة كبيرة من المواطنين، لكننا مجبورين، فالشتاء بارد ولدينا أطفال ولا يمكن تمضية الشتاء بدون مدفأة”.

وأضاف “وعن سعر المدفأة فعلي العمل بشكل إضافي وتقنين المصروف المعيشي حتى أتمكن من توفير تكلفتها، بالإضافة إلى تكلفة الحطب، وإذا تطلب الأمر سأضطر لأن أتدين من أحد الأقرباء أو الأصدقاء، ليس أمامي حلول أخرى”.

أكرم أبو علي يعمل في سوق الخضار، يبيع الخضرة، وبالكاد يستطيع تأمين لقمة عيش عائلته المكونة من سبعة أفراد، والدته وزوجته وأربعة أولاده، قال “والدتي كبيرة في السن ومريضة ولا تستطيع تحمل البرد، والسنة الماضية مرضت لعدة مرات بسبب غياب المازوت وعدم قدرتي في تأمينه ولو بكمية صغيرة، ولهذا السبب قررت شراء صوبيا الحطب, رغم أسعارها العالية جدا”.

ياسر أشار إلى أنه خلال الشتاء الماضي، تأخرت شركة المحروقات في توزيع الدفعة الثانية من مازوت التدفئة على مناطق واسعة في المحافظة، وتحديدا المناطق الجبلية الباردة ومنطقتها كانت منهم، مما اضطر الأهالي إلى شراء المازوت من السوق السوداء الذي كان سعره مضاعفا، وسط انقطاع الكهرباء لساعات طويلة.

ولفت إلى أن الراتب الحكومي الذي نتقاضاه لا يغطي الحاجة لبضعة أيام، وإذا حدث هذا العام أيضا نفس الأمر، فإن وضعنا ووضع نسبة كبيرة من العوائل سيكون مأساويا.

وتتفاقم أزمة الكهرباء والوقود يوما بعد يوم، دون التمكن الحكومي من إيجاد أي حلول، ولا توجد سوى الوعود بالتخفيف من التقنين على الرغم من اقتراب فصل الشتاء، إلا أن الأمور لم تزدد إلا سوءا، ولذلك كان لا بد للمواطنين من البحث عن بدائل تمكنهم من متابعة حياتهم كشراء الحطب، أو إعادة إحياء وسائل التدفئة القديمة.