فجّر مقتل الشابة مهسا أميني بعد ثلاثة أيام من توقيفها لدى شرطة الأخلاق الإيرانية، احتجاجات غير مسبوقة في إيران، وشكلت أكبر صعوبة تواجه نظام الملالي منذ عقود، وشارك فيها متظاهرون من مختلف طوائف المجتمع، وقام الطلاب النساء بدور بارز في هذه الاحتجاجات، مما أقلق السلطة الإيرانية التي اتهمت أعداء إيران وعملاءهم بتأجيج الاضطرابات.
ورغم التحذيرات التي أطلقها النظام الإيراني مؤخراً ضد المتظاهرين استمرت الاحتجاجات وتصاعدت حدتها لدرجة وجدت معها قوات الباسيج التي يعتمد عليها النظام الإيراني في قمع الاحتجاجات، أنها غير قادرة على القيام بتلك المهمة هذه المرة، ولذلك استعان النظام بالأطفال وأفراد العصابات لقمعها.
وفي محاولة لنزع فتيل الأزمة، قال رئيس مجلس النواب الإيراني “إن الإيرانيين على حق في المطالبة بالتغيير، وإن مطالبهم ستلبى إذا نأووا بأنفسهم عن مثيري الشغب الذين نزلوا إلى الشوارع”.
ومن غير المرجح أن يؤدي هذا التلميح إلى إرضاء المتظاهرين الذين تجاوزت مطالبهم رفض إلزامية ارتداء الحجاب، إلى الدعوة لإسقاط حكم رجال الدين.
حضور لافت للنساء
ميّز هذه الاحتجاجات عن سابقاتها وجود أعداد كبيرة من المشاركات فيها، بما أعطاها شرعية أكثر، نظراً للرمزية التي تشكلها مشاركة الأمهات وطالبات المدارس في الاحتجاجات.
وابتكرت النساء مجموعة مبادرات لاستمرار التظاهر في الشوارع، مثل حركات “أمهات في الحداد، والأمهات من أجل السلام” وهي مجموعات من النساء اللواتي فقدن أطفالهن خلال الاحتجاجات.
وكانت بعض مظاهر الاحتجاج فريدة من نوعها، حيث خلعت النساء حجابهن أو أحرقنه، أو لوحن به أثناء ترديد الشعارات، كما حدث مع الطالبات اللواتي تم تصويرهن وهن يصرخن “اخرج” في وجه ممثل عن الحرس الثوري الإسلامي في مدرستهن.
وقامت نساء بقص شعرهن علناً، بما يوحي باستحضار طقس فارسي قديم من الحداد والغضب من الظلم، ويطلق رمزاً جديداً للاحتجاج الدولي.
وسريعا ما انتشرت الحركة من إيران إلى أفغانستان وتركيا المجاورتين، وإلى برلمانات الاتحاد الأوروبي، حيث استخدمت النساء في جميع أنحاء العالم مقص الشعر كرمز في مواجهة العنف ضد النساء، ورفض المعايير المحافظة للجمال والأخلاق.
وللنقابات والجامعات أيضاً
ساهمت النقابات الإيرانية في الحفاظ على زخم الاحتجاجات المناهضة للحكومة من خلال الدعوة إلى إضرابات في المنشآت النفطية والمدارس والمصانع، مما فتح جبهة أخرى لمواجهة النظام الإيراني.
كما تجمعت حشود من العمال في مصنع أيدين للشوكولاتة في تبريز غرب إيران، ورددوا شعارات مناهضة للحكومة، ووقعت إضرابات في مصنع لقصب السكر بالقرب من الحدود العراقية، وفي أحد أكبر مجمعات الصلب في جنوب البلاد.
ولوح المعلمون بلافتات كتب عليها “مكان المعلم والطالب ليس في السجن”، ونشرت نقابة المعلمين على قناة تلغرام، صور عشرات المعلمين وهم يحملون هذه اللافتات في فصول دراسية فارغة في جميع أنحاء إيران.
وتحولت الجامعات الإيرانية إلى بؤر انتفاضات مؤيدة للاحتجاجات الشعبية، وأصبحت قاعات الطعام ومقاهي الحرم الجامعي فيها واجهة جديدة في للانتفاضة، يجتمع فيها الشباب والشابات دون أي فاصل بعد أن كانت أماكن للفصل بين الجنسين.
ومع الانحسار النسبي لوتيرة الاحتجاجات في الشوارع، حافظ طلاب الجامعات على زخم حراكهم المناوئ للحكومة.
محاكمات بالجملة
أعلنت السلطات الإيرانية أنها قررت محاكمة ألفي شخص من الذين شاركوا في الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها البلاد منذ أكثر من سبعة أسابيع، بتهم تتعلق بالتخريب والتعاون مع جهات أجنبية، وفقاً لما ذكرت وسائل إعلام غربية.
وقال رئيس السلطة القضائية الإيرانية غلام حسين محسني إيجي، إن “أولئك الذين ينوون مواجهة النظام وتقويضه ويعتمدون على الأجانب سوف يعاقبون وفقاً للمعايير القانونية”.
وأشار إلى أن بعض المتظاهرين سيتهمون بـ “التعاون مع حكومات أجنبية”.
وزعم إيجي أن المدعين سيميزون بين المحتجين الغاضبين الذين سعوا فقط للتنفيس عن مظالمهم في الشوارع، وبين الذين أرادوا “إسقاط الجمهورية الإسلامية”.
وأثار قرار إحالة هذا العدد الكبير من المتظاهرين إلى المحاكم ردود فعل دولية غاضبة.
حيث أعلنت وزيرة الخارجية الألمانية، أنها ستطلب من الاتحاد الأوروبي تصنيف الحرس الثوري الإيراني كمنظمة إرهابية.
وكشفت كندا عن حزمة رابعة من العقوبات ضد كبار المسؤولين الإيرانيين ووكلاء إنفاذ القانون التابعين لها، الذين تتهمهم بالمشاركة في قمع واعتقال المتظاهرين العزل.