لكل السوريين

لبنان في مرحلة الفراغ الرئاسي.. مخاطر جسيمة وأفق غامض

مع مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا لانتهاء فترة رئاسته، دخل لبنان مرحلة الشغور في سدة الرئاسة الأولى في ظل فراغ حكومي وتجاذب سياسي حول كيفية تجاوز حالة الفراغ، مما أدخل البلاد في مرحلة جديدة من الفوضى الدستورية، والصراع حول أهلية الحكومة المستقيلة لتحمّل مسؤوليتها في ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية.

ودخل رئيس هذه الحكومة مرحلة جديدة غامضة حول حدود تصريف الأعمال، وحاول نجيب ميقاتي أن يكرس أهلية حكومته من خلال حضوره قمة الجزائر ممثلاً للبنان.

ويخيم على الأوساط القانونية والسياسية في لبنان خلاف بشأن تولّي الحكومة الحالية صلاحيات الرئيس، لأنها بحكم المستقيلة بموجب الدستور منذ إجراء الانتخابات التشريعية في أيار شهر الماضي لتتولى منذ ذلك الوقت مهامّ تصريف الأعمال لحين تشكيل حكومة جديدة.

ويعترف السياسيون اللبنانيون على اختلاف توجهاتهم بمأزق النظام السياسي، ولا يملك أي منهم رؤية واضحة لنظام بديل يمكن أن يحظى بإجماع وطني ويخرج لبنان من أزمته.

محاولة فاشلة

من الواضح ان المحاولة التي قام بها الرئيس السابق لإحداث فوضى وفراغ دستوري واسع، قد منيت بالفشل بسبب عدم وجود أي سند دستوري لمرسوم قبول الاستقالة الذي وقّعه عون.

وفشلت معها محاولات شلّ حكومة تصريف الأعمال لإحداث الفوضى، في ظل مضي الحكومة في عملها، وتراجع بعض الوزراء عن التهديد بالامتناع عن ممارسة واجباتهم الوزارية، حتى لا يتم تعين بدلاء عنهم، أو تكليف الوزراء الحاليين بالقيام بمهامهم.

وغياب أي مواقف سياسية استفزازية من قبل حلفاء عون في الملف الحكومي، فيما يبدو اقتناعاً منهم بضرورة التزام الحكومة بالتقييد الذي يفرضه واقع تصريف الأعمال أساساً، والتوجه نحو الإسراع في انتخاب رئيس الجمهورية كأولويه وطنية.

ورفضهم للتصعيد الداخلي والمواقف المعلنة أو المكتومة من قبل حلفائه وخصومه، مما يشير إلى  أن أي مكون سياسي في لبنان لا يشجع ولا يرغب في افتعال اضطرابات من شأنها ان تنزلق بالبلاد اكثر نحو متاهات بالغة الخطورة.

البرلمان يرفض طلب عون

بعد الجلسة التي عقدها لتلاوة رسالة الرئيس المنتهية ولايته ميشال عون إلى مجلس النواب اللبناني، أصدر المجلس بياناً أوصى فيه الحكومة برئاسة نجيب ميقاتي بمواصلة مهام تصريف الأعمال وفق الأصول الدستورية.

وجاء في البيان الذي تلاه نبيه بري أن المجلس “يؤكد ضرورة المضي قدماً، وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف، للقيام بمهامه كحكومة تصريف أعمال”.

وأوضح البيان أن هذا الموقف الذي اتخذه المجلس بالإجماع جاء “حرصاً على الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات،

ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة”.

وكان الرئيس عون قد أكد وفق مصادر مقربة منه، أن رسالته إلى المجلس النيابي هدفت لحثه على انتخاب رئيس للجمهورية.

وحمّل عون المجلس مسؤولية عدم انتخاب رئيس، وعدم نزع التكليف من ميقاتي طيلة الأشهر الماضية، كما حمّله مسؤولية منعه من ممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية وحكومة تصريف الأعمال معاً.

أفق غامض

ينذر شغور منصب الرئاسة الحالي بمزيد من الفوضى السياسية والأمنية والانهيار الاقتصادي والاجتماعي في لبنان الذي تديره حكومة تصريف أعمال صلاحياتها مقيدة، وعملها مكبل بالإجماع الداخلي الذي يصعب تحقيقه في ظل الاستقطابات الكبيرة بين مكوناته، وبرلمان يفتقد لوجود غالبية قادرة على انتخاب رئيس جديد للبلاد.

هذه العوامل إضافة إلى الفساد المستشري في مفاصل الدولة نتيجة للمحاصصة الطائفية، شلّت قدرة النظام السياسي اللبناني على إدارة الأزمات بالشكل الذي اعتاد عليه في السابق.

وخروج لبنان من مأزقه يتطلب توافق الأطراف السياسية على مرشح رئاسي يحظى بقبول هذه الأطراف، ولا توجد حتى الآن،  شخصية وسطية لتولي الرئاسة يمكن أن تحظى بقبولها.

وساهم تراجع دور الرعاية الإقليمية والدولية في تعميق الأزمة اللبنانية لانتخاب رئيس جديد، والاتفاق على تقاسم السلطة كما حدث عام 2016، فالدول الخليجية التي كانت راعية لسنّة لبنان بعد الحرب الأهلية، لم تعد راغبة في منح شرعية لأي تسوية رئاسية قد توصل شخصية مقربة من حزب الله إلى قصر بعبدا.

والدول الغربية منشغلة بالحرب في أوكرانيا وأزمات الطاقة والأمن الغذائي، مما جعل لبنان في آخر اهتماماتها.