لكل السوريين

جريمة الشرف بين شرعنة القانون والكارثة المجتمعية

تقرير/ جمانة خالد

تكشف جرائم “الشرف” كارثة مجتمعية، فإنها تعرّي قصور “القانون السوري”، إذ تعدّ الجرائم بدعوى الشرف، مشرعنة قانونياً، كون يُعاقب القاتل بالسجن فقط، بمدة حسب تقدير القاضي، فضلاً عن أن التعديلات الأخيرة التي شددت العقوبات على مرتكبي هذا الجرائم غير نافذة في سوريا عموماً.

وبين الحين والآخر تحدث حالات قتل لفتيات أو نساء بداعي الشرف، وتكثر تلك الجرائم، في المجتمعات المحافظة، كما ريفي حمص وحماة ذات الطابع القبلي.

ويحدث تكتم على الجرائم المرتكبة بحق النساء، والتي تكشف مشكلة مجتمعية متجذرة، كان قانون العقوبات السوري قبل عام 2009، يتيح للقاتل الاستفادة من “العذر المحل”، التي نصت عليه المادة 548، التي تنص على أنه “يستفيد من العذر المحل من فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في صلات جنسية فحشاء مع شخص آخر فأقدم على قتلهما أو إيذائهما أو على قتل أو إيذاء أحدهما بغير عمد”.

وبموجب نفس المادة من قانون العقوبات السوري الصادر بالمرسوم التشريعي رقم 148، يستفيد من “العذر المخفف” مرتكب القتل أو الأذى “إذا فاجأ زوجه أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في حالة مريبة مع آخر”.

وفي تعديل المادة 548 لعام 2009، حُذف “العذر المحل”، لكن أبقي على “العذر المخفف” على “ألا تقل العقوبة عن الحبس مدة سنتين في القتل”.

ألغيت المادة كلياً في آذار 2020، وبالتالي يُحال القاتل إلى القضاء بجريمة “القتل القصد”، لكن قد يمكنه الاستفادة من المادة 192 التي تشير إلى إمكانية تخفيف حكم القتل العمد “إذا تبين للقاضي أن الدافع كان شريفاً”، وتنص المادة في إحدى جزئياتها على أنه يمكن أن يحكم بـ”الحبس البسيط بدلاً من الحبس مع التشغيل”.

ووثقت الشبكة السورية لحقوق الإنسان “مقتل ما لا يقل عن 6 إناث بذريعة جريمة الشرف في عموم مناطق سوريا خلال عام 2022″، مقابل “مقتل 21 أنثى، بينهنّ 3 طفلات، خلال عام 2021”.

وهذه الأرقام هي الموثقة، وهي الحد الأدنى، الجرائم بذريعة الشرف غالبا ما تسعى العائلة والمجتمع المحيط بها لعدم الإعلان عنها وطمسها حفاظاً على سمعة العائلة وحماية الجاني أو التلاعب بظروفها لإظهارها بسياق جريمة مجهولة الظروف أو وفاة طبيعية.

ومع أن العنف ضد النساء ليس جديداً في المجتمع السوري، إلا أن زيادة مثل هذه الجرائم في الآونة الأخيرة قد يكون بسبب انتشار وسائل التواصل الاجتماعي وابتزاز النساء وتهديدهن والإيقاع بهن، وغياب القانون، وانتشار السلاح، وحالة الحرب والنزاع التي تشهدها البلاد.

تعد قضية العنف الأسري وجرائم قتل النساء أولوية بالنسبة للمنظمات النسوية السورية، وتعمل هذه المنظمات بهدف تطبيق قرار مجلس الأمن 1325 بشأن المرأة والسلام والأمن، والذي يعتبر أن تنفيذ أولويات المرأة والسلام والأمن هو التزام سياسي غير قابل للتفاوض لدى الأمين العام للأمم المتحدة.

وتصطدم قدرة المنظمات السورية على الرصد والاستجابة مع عدة أمور، منها أن: كل منظمة تعمل ضمن إطار محلي ضيق، لكن الأخطر من ذلك ما يتعلق بالمجتمع، لكن هذا لا يكفي لمنع العنف الأسري، خاصة في ظل عدم وجود لجان حقوقية قادرة على الاستجابة السريعة وحماية النساء اللواتي يتعرضن للتهديد، والسبيل القانوني الوحيد هو أن تلجأ المرأة إلى القضاء لحمايتها، لكن قد تتعرض المرأة في هذه الحالة إلى ضغوطات من قبل محيطها أو عائلتها.

في المقابل، يتوقف دور مراكز حماية المرأة على لعب دور الوسيط في حال لجأت النساء إليها، والوساطة تكون بين المرأة وبين الطرف الذي يهددها، وقد يكون أب أو أخ، وتلجأ في الوقت نفسه إلى قيادات مجتمعية، حتى لا يصل الأمر إلى قتلها، والداخل السوري ينقصه إجراءات أكثر جدية، مثل تعزيز دور مراكز الحماية، وتحسين المنظومة القانونية والقضائية، بحسب حقوقيون.