لكل السوريين

على امتداد الأزمة السورية.. كيف استطاع رياضيو الرقة ممارسة معشوقتهم؟

قبل بدء الأزمة السورية؛ كانت الرياضة السورية قد برزت على الساحة الإقليمية والدولية بعض الشيء، وعلى الرغم من أنها لاقت رواجا في المجتمع السوري إلا أن الفساد المستشري في المؤسسات الرياضية السورية لم يسمح لها بالبروز في المنطقة الشرقية من سوريا ’’المنطقة النامية’’ بحسب تسميتها آنذاك.

فالمنطقة الشرقية التي كانت تغص بالمواهب الرياضية النفاذة لم تبصر النور على المستوى السوري رياضيا، واللاعب مهند الأحمد خير مثال على ذلك.

ماهر، ابن مدينة الرقة وأحد رياضييها الموهوبين، نشأ وترعرع في أشبال نادي الفرات، وسرعان ما استطاع إثبات نفسه ليسحبه مدرب شباب النادي ليكون ضمن الفريق الشاب، بعدها بعامين استطاع حجز مكانٍ له في الفريق الأول.

ماهر الذي كان مشمئزا من النظرة الدونية التي كانت المؤسسات الرياضية السورية تلقيها على الرياضة في شمال شرق البلاد، كان يأمل أن يكون الاهتمام بالتساوي، فالمواهب الموجودة في هذه البقعة الجغرافية من الأرض السورية تمتاز الروح العالية والندية التي تمتاز بالروح القتالية.

اتضح ذلك من خلال سطوع بعض رياضيي الرقة عند اتجاههم للعب في أندية الداخل السوري، وخير مثال على ذلك الاعب الدولي السوري المعتزل حاليا مهند إبراهيم، فمهند كان خير سفير لرياضة الرقة ككل وشمال شرق سوريا، وسبقه في ذلك الدولي السوري السابق جومرد موسى ابن نادي الجهاد، الذي كان يعامل هو الآخر كما يعامل ناديي الشباب والفرات في الرقة.

وبالعودة للحديث عن لاعبنا ماهر، فقد كان شغفه بكرة القدم عاليا جدا، فلا يكاد يمر يوم من حياته إلا ويمارس فيه كرة القدم، فيمتطي نعليه ويتجه صوب الملعب الرديف في مؤسسة نادي الفرات في الرقة ليمارس معشوقته.

في مطلع الشهر الثالث من العام 2011 اندلعت الأزمة السورية، وسرعان ما تحولت لمرحلة عسكرية، فعمت الفوضى عموم سوريا، وكانت الرقة أول مدينة سورية تخرج عن سيطرة النظام، وسقطت بيد الإرهابيين.

ما إن سقطت الرقة بيد التنظيمات الإرهابية حتى توقفت الحركة الرياضية بشكل شبه كامل، واقتصرت على الأحياء الشعبية، فاضطر ماهر لممارستها على الملاعب الترابية، متنقلا بين القرى برفقة فريق شكله من أبناء حيّه.

استمر تواجد الإرهابيين في الرقة قرابة العامين، قبل أن ينتزعها تنظيم داعش الإرهابي في العام 2014، لتتوقف الرياضة بشكل كامل، بعد أن أصدر قياديون في التنظيم فتاوى حرّموا بموجبها ممارسة أي نشاط رياضي تحت حجج واهية أبرزها ’’تلهي عن الدين، الحكام يمارسون قانون وضعه الطغاة، اللباس الرياضي يوجد عليه شعارات نصرانية’’.

الملعب البلدي الذي يعد أكبر صرح رياضي في المدينة، وكان يشكل رمزا رياضيا لها، تحول إلى معتقل كبير كان يعذب فيه السوريين والعراقيين على حد سواء حيث أن التنظيم ربط مناطق سيطرته في شمال شرق سوريا بمناطق غرب العراق.

ماهر الذي كان يعشق كرة القدم لحد الجنون أصر على ممارسة الرياضة رغم العقوبات الصارمة التي وضِعت، فكان يلعب كرة القدم متخفيا في منازل أشبه بملاعب سداسية، ومن شدة شغفه بها كان يلعب برفقة أطفال لا تتعدى أعمارهم الـ 14 عاما.

تشكلت قوات سوريا الديمقراطية من مختلف المكونات السورية، واستطاعت تحرير المنطقة في فترة زمنية وصلت لـ 3 سنوات، فما إن حررت قسد الرقة في تاريخ السابع عشر من تشرين الأول حتى دبت الدماء في شرايين الرياضة وبكافة فروعها، وكان فرح ماهر أشد وطأة من قبل.

وسبق تحرير المدينة تشكيل المجلس المدني لمدينة الرقة، الذي تشكلت ضمنه لجنة الشباب والرياضة التي عقدت العزم على إعادة الحركة الرياضية تدريجيا إلى سابق عهدها تقريبا، رغم أن الصعوبات كانت كبيرة فالملاعب والصالات الرياضية مدمرة بشكل شبه كلي.

خطت اللجنة الخطوة الأولى عندما باشرت بإعادة تأهيل الملعب البلدي ’’الأسود’’، وكان ماهر مراقبا للجنة ولأعمالها، وكان يرافقهم في أغلب ساعات عملهم، والفرح منتشر على محياه.

على الرغم من أن الفترة التي كانت الرياضة قد توقفت فيها في الرقة طويلة بعض الشيء إلا أن ماهر الذي تقدم بالعمر قليلا عاد لممارستها منذ التحرير، مشيرا إلى أن العمر ليس مقياسا لممارسة الرياضة، وضرب مثالا على ذلك عندما ذكر اللاعب الدولي السوري السابق جهاد الحسين الذي يلعب في نادي الرائد السعودي، والذي تجاوز حاجز الـ 37 عاما ولا زال يمارس هوايته.

ومع أن البعض من رياضيي الرقة القدامى استلموا دفة السير برياضة مدينتهم إلى بر الأمان إلا أن البعض من الرياضيين الحاليين يعتبرون أن الاهتمام يحتاج إلى تطوير أكثر لكي تعود كما كانت بعض الشيء.

تقرير/ اسماعيل الهويش