لكل السوريين

التجربة البرلمانية السورية..تطور الدساتير السورية 3

احتضنت الحضارة السورية الضاربة في القدم أولى الشرائع المكتوبة في تاريخ البشرية، حيث اكتشف علماء الآثار الكثير من القوانين المكتوبة في منطقة سوريا التاريخية، تعود إلى مراحل وحضارات تاريخية مختلفة، ويعود أقدمها إلى تاريخ 2360 قبل الميلاد، في مملكة ماري، التي أُسست في الألف الثالث قبل الميلاد على ضفاف نهر الفرات في الجزيرة السورية.

ومع التطور الاجتماعي، عبر التاريخ المعاصر، بقيت مركز التشريع والتقنين، في محيطها الجغرافي، رغم التقلبات السياسية والاجتماعية، والانقلابات العسكرية التي عصفت بها.

تنوعت التشريعات في التاريخ السوري منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وحتى الستينيات القرن العشرين، حسب أنظمة الحكم الملكية والبرلمانية والرئاسية المتعاقبة، وفرضت كل مرحلة دساتيرها وقوانينها الخاصة، حسب طبيعة الحكم في كل مرحلة، وتوجهاتها وظروفها السياسية والاجتماعية.

دساتير بيد العسكر

بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1946، حافظت سوريا على النظام الجمهوري النيابي وعلى المناخ الديمقراطي، قبل الانقلابات التي تتالت على البلاد، وبدأها حسني الزعيم، الذي انقلب على الرئيس شكري القوتلي في شهر آذار عام 1949.

وعطّل دستور 1943، وحوّل النظام البرلماني إلى نظام رئاسي، وحصر جميع الصلاحيات الاقتصادية والاجتماعية بيده، مما أدى إلى طغيان السلطة التنفيذية على السلطة التشريعية، إلا أن الوقت لم يسمح له بإقرار دستور مفصل على مقاسه.

في شهر آب من العام نفسه، قام اللواء سامي الحناوي، بالاشتراك مع مجموعة من ضباط الجيش، بالانقلاب الثاني بتاريخ سوريا الحديث، فاعتقل حسني الزعيم ورئيس وزرائه محسن البرازي، وأعدمه بعد محاكمة عسكرية سريعة.

تولى الحناوي رئاسة الدولة السورية لمدة يومين، ثم سلم الحكم رسمياً إلى هاشم الأتاسي، حيث أُجريت انتخابات وتم وضع دستور مؤقت للبلاد تمهيداً للعودة إلى النظام الدستوري.

وفي كانون الأول من نفس العام، قام العقيد أديب الشيشكلي بانقلابه الأول، وقضى على حكم سامي الحناوي، وبقيت الحكومة على رأس عملها.

وفي شهر أيلول من العام 1950، تم إقرار دستور جديد، ينص على أن النظام في سوريا برلماني نيابي، ويفصل بين السلطات، ويحدد ولاية رئيس الجمهورية بخمس سنوات.

وحافظ الدستور الجديد على وصف الدولة السورية بأنها “جمهورية عربية ديمقراطية نيابية ذات سيادة تامة”، كما حافظ على المادة الثالثة التي تنص على “دين رئيس الجمهورية الإسلام، والفقه الإسلامي هو المصدر الرئيسي للتشريع”.

ووصفت بعض المراجع هذا الدستور بأنه فُصّل على مقاس الأغنياء، في الوقت الذي كانت فيه الشريحة الفقيرة خارج أي تمثيل ضمن السلطة.

لم يستمر دستور عام 1950، طويلاً، حيث قام الشيشكلي بانقلابه الثاني في كانون الأول من العام 1951، وعطّله وقام بوضع دستور عسكري تحت اسم “دستور المجلس العسكري الأعلى”، وبقي العمل به حتى العام 1954.

وفي عام 1954، تحالفت القوى الوطنية السورية ضد الشيشكلي وأبعدته عن السلطة.

وتسلّم هاشم الأتاسي رئاسة الدولة، وأعاد العمل بدستور عام 1950، واستمر العمل به حتى قيام الجمهورية العربية المتحدة في شباط من العام 1958.