لكل السوريين

جشع الأطباء!

مع كل ما بات يُحاك اليوم عن الثورة السورية وشهدائها، والحال التي استقر عندها من محطّات مؤلمة وميؤوس منها، فإنَّ واقع الحياة المعاشة اليوم على الأرض، فيه الكثير من الصور المفجعة التي انتزعت من قلوبنا الكثير، وجبلتها بالعويل والحزن، وفي مختلف الجبهات، ما يعني أنه يُنبئ عن تزايد الأحزان التي حوّلت سورية الجميلة المبهجة إلى مزيد من الذكريات والأحلام، وعبّرت عنها المرحلة الحالية، وجسّدتها بروح الفريق الواحد، والتي بتنا نعيش أحجياتها يومياً، مع معترك جديد، وخطر داهم، وحوار مسدود، غير قادر على أن يحقّق أي احتقان يمكن معه أن يحد من وطأة المعاناة التي حوّلت سورية، بقراها ومدنها، وجلَّ شعبها الطيّب البسيط إلى ركام من الرماد، لما يَحدث اليوم، على الرغم ما من شأنه أن يَحل ما يحدث على الأرض، وإن ظلّت الحلول هامشية ومقزّمة، ومهما كانت صغيرةً، إلا أنّه صار من الصعوبة بمكان إيجاد الحلول المناسبة القادرة على حلحلت كل ما من شأنه أن يجد الصيغة التي من شأنها وقف لهيب الحرب الدائرة اليوم، على مختلف الأرض السورية، وعلى كافة الجبهات التي بتنا نسمع، وفي كل لحظة، عن وقوع ضحايا هنا، وقتل ودمار وفقدان وتصفية الشباب والرجال والأطفال والنساء، ومع ازدياد عدد الأرامل، ناهيك بالمشكلات الأخرى التي ألّبت الكثير من الأوجاع، ومن الصعوبة أن تُمحى من ذاكرة الثور السورية، وأهلها. ومن أهم المعضلات التي صارت تشكل مأساة حقيقية، ارتفاع أسعار بعض الأدوية الرئيسة، وفقدانها من السوق المحلية، وإن وجدت، فانّ أسعارها مرتفعة جداً، وغير قادرة أن تلبي الحاجة، والمواطن ليس بمقدوره تأمينها، بعد أن كانت متوافرة، وبالمجان، في المراكز الصحية، والمستشفيات الحكومية، وفي الصيدليات، وبأسعار رمزية، ما اضطر المواطن، مكره أخوك لا بطل، اللجوء إلى اقتراض قيمة الدواء من الأقارب والأصدقاء، أو الامتثال للمرض وانتظار رحمة الله، ومنهم من دفع الغالي والنفيس من أجل تأمينه من الدول المجاورة، وبصعوبة بالغة!.

الأسئلة التي تراود مخيلة محتاجو الأدوية كثيرة، ويعجزون عن إيجاد المنفذ الذي يمكن معه تأمينها، على الرغم من حاجتهم الملحّة لها. وفي هذا الاتجاه يمكن أن نقول: بأن المريض، بالتأكيد، بحاجة للدواء، والحاجة اضطرته إلى أن يدفع بكل ما لديه للحصول عليه، وهو بالكاد قادر على أن يسد الرمق، فكيف بإمكانه أن يوفّر المبالغ التي يمكن أن تلبي حاجته لشراء الدواء والعثور عليه! فضلاً، وهذا الاهم جشع الكثير من الاطباء، المريضين مادياً، في صور بغيضة ومخجلة، في رفع أسعار الكشف الطبي للمرضى كيفما شاؤوا، وحتى في معالجتهم لأبسط الحالات التي يعانون منها. ومنها ما استوقفني وأثار فيّ الكثير من الغرابة، وهو أن احد الاطباء الاخصائيين، ومن ابناء ريف الرَّقة، سبق وأن راجعه أحد المرضى متالماً في صباحات أحد الايام؛ في بيته وطلب من المريض قبل معالجته بدفع مبلغ أربعة الاف ليرة سورية لقاء وخزه أبرة “ديكلون”. الغريب أن الطبيب له اسمه وسمعته، ناهيك عن أن المريض تربطه صلة قرابة بالطبيب من الدرجة الاولى!

وفي السياق، فانَّ هناك حاجات مهمّة باتت تلحّ، ويومياً، من أجل تأمينها، وتلعب دوراً هاماً في الحياة، ومنها اﻻنقطاع المتكرر والغياب شبه التام للمياه والكهرباء، وكذلك الغاز المنزلي، وغيرها، من أبسط مقومات الحياة التي افتقدها المواطن، وهذا لا يعني أنها كانت متوافرة، قبل اندلاع الثورة، وتوافرها كان في مناطق وأحياء مهمّة يقطنها المسؤولين، أما الشوارع التي يقيم فيها عامّة الناس، فهي محرومة من أبسط الخدمات الضرورية، وتحوّل حال أهلها إلى مأتم يومي، ولكن هيهات أن تتوافر، وتوافرها هذا يعني أنها تحتاج إلى إمكانات كبيرة، وكبيرة جداً!.

ولا يمكن، أن نفوّت على بعض الاحتياجات والمطالب التي صارت لا غنى عنها في يومنا هذا، وتواجدها يلحّ، وبصورة يومية.

يظل الواقع مؤلماً ومحيّراً، بكل ما فيه، وإلى درجة بات معه الموقف مبهماً، وكل ما يرمي إلى واقع الثورة، واندلاع شرارتها وجذوتها، وغياب جنودها المجهولين، ورحيل شهدائها الميامين الأبطال، الذين روّوا بدمائهم الطاهرة الأرض السورية، وساحاتها ومدنها وقراها، والتي لا تزال تستقبل يومياً العشرات، بل المئات منهم.

 

عبد الكريم البليخ