لكل السوريين

آخر ما يريده أردوغان المتنمّر هو صلاح حال الأمة

بعد أن نجح رجب طيب أردوغان، الرئيس التركي الطامح للخلافة، في نشر الخراب داخل سوريا، عمل جاهدا على توظيف مآسي السوريين في ابتزاز الاتحاد الأوروبي، الذي غضت دولة الطرف عن محاولات أنقرة التخريبية.

وكان طبيعيا، في ظرف مثل هذا، أن يتمادى في تنفيذ مخططه الهادف إلى دعم مجموعات الإسلام السياسي، ومن بينها الإخوان المسلمون، وهو في طريقه الآن لنقل حالة الفوضى إلى دول جنوب حوض البحر المتوسط، متسللا عبر البوابة الليبية – الجزائرية.

ودون لف أو دوران قال المستشار النمساوي، سباستيان كورتس، وهو أصغر زعيم في العالم، إن أردوغان يبتز أوروبا مستخدما سلاح المهاجرين، وطالب دول الاتحاد الأوروبي باتخاذ موقف صارم وواضح ضده.

وما حرصت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، على إخفائه طويلا، كشف عنه كورتس قائلا إن “أنقرة تستخدم المهاجرين سلاحا في وجه دول أوروبا”.

وذكّر المستشار النمساوي الأوروبيين بالوضع الداخلي في تركيا خلال حكم أردوغان، حيث يتم اعتقال واضطهاد أي مخالف للرأي على المستوى السياسي، وحيث يُلقي بالصحافيين في السجون بصورة متكررة، ويستخدم المهاجرين سلاحا لابتزاز الغرب.

وانتقد كورتس دول الاتحاد الأوروبي تساهلها مع أنقرة، رغم أن لديها الكثير من الوسائل التي تتيح لها ممارسة الضغط، وحثّ المسؤولين الأوروبيين على التفكير في الخيارات المتاحة أمامهم لردع حكومة أردوغان.

وأشار المستشار النمساوي إلى اليونان، التي دخل أراضيها خلال عام 2019 أكثر من 73 ألف مهاجر غير شرعي من تركيا، وقال إنها تستحق دعم الاتحاد الأوروبي الكامل لمساعدتها على مواجهة تنمّر أردوغان.

ورغم أن خطاب كورتس موجه لدول الاتحاد الأوروبي عموما، إلا أن الخطاب تضمن رسالة لوم خاصة موجهة تحديدا للمستشارة الألمانية ميركل، أكثر مما هي موجهة للزعماء الأوروبيين الآخرين.

ولأسباب تتعلق بموقفها المرحّب بالمهاجرين منذ بداية الأزمة السورية، واستغلال اليمين الألماني ذلك ضدها سياسيا، كان موقف ميركل الموقف الأكثر حساسية بين زعماء أوروبا المستهدفين من تهديدات أردوغان المتكررة بفتح الحدود أمام اللاجئين لإغراق أوروبا، في حال عدم الاستجابة لمطالبه.

وكان الرئيس التركي قد اشترط على المستشارة الألمانية، خلال زيارتها الأخيرة لإسطنبول، التي وصل إليها الخميس 23 يناير الماضي، في زيارة وُصفت بأنها زيارة عمل، تقديم المزيد من الدعم المالي من قبل الاتحاد الأوروبي، لإبقاء الحدود بين بلاده والدول الأعضاء في الاتحاد مغلقة أمام موجات الهجرة، وذلك رغم المبالغ الكبيرة التي وافق الاتحاد على تحويلها لأنقرة، خلال عام 2016، والتي بلغت 6.6 مليار دولار، للمساعدة على إيواء اللاجئين السوريين، إلى جانب حوافز أخرى لإقناعه بوقف المهاجرين.

وجرى أيضا البحث في علاقات تركيا مع الاتحاد الأوروبي، في إطار تولي ألمانيا رئاسة دورة الاتحاد اعتبارا من يوليو المقبل لمدة ستة أشهر، ومسار انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وتحديث اتفاقية الاتحاد الجمركي، وإعفاء مواطني تركيا من تأشيرة دخول بلدان الاتحاد.

ولم يكتف أردوغان بإشهار سلاح المهاجرين، واختار أن يلوّح بورقة الفوضى، التي قال إنها سوف تعم حوض البحر المتوسط بأكمله، في حال لم يتم تحقيق التهدئة في ليبيا، متوعدا بمواصلة دعم أنقرة لحكومة فايز السراج في طرابلس.

ويمكن تفسير تحذيراته على أنها رسالة مشفرة حمّلها للمستشارة الألمانية، تنقلها لزملائها في الاتحاد الأوروبي، لانتزاع موافقتهم على تدخل عسكري تركي في ليبيا. واكتسبت الزيارة دلالة خاصة، لأنها جاءت بعد أيام فقط من استضافة برلين اجتماعا بشأن ليبيا.

وكان أردوغان قد أعلن في الأيام الأخيرة، أكثر من مرة، أن بلاده مستعدة لإرسال قوات إلى ليبيا لدعم حكومة الوفاق والميليشيات الموالية لها، فيما رُصدت رحلات جوية تنقل آلاف المرتزقة من سوريا إلى طرابلس عبر تركيا، للانضمام إلى صفوف تلك الميليشيات في العاصمة، وذلك بعد اتفاقية بين أنقرة وحكومة فايز السراج أثارت غضبا إقليميا كبيرا.

وتشير الأرقام إلى أن عدد المرتزقة الذين نقلتهم تركيا، أو تعدّهم للنقل إلى ليبيا، من الأراضي السورية، حيث تتواصل عملية تسجيل أسماء الراغبين، قد ارتفع إلى ما يقارب 4700 مقاتل، تم تجميعهم من فصائل إرهابية تقاتل في سوريا بدعم مباشر من حكومة أنقرة.

وباعتمادها على المرتزقة لدعم ميليشيات متطرفة تقاتل الجيش الوطني الليبي، أصبحت عبارة “المقاتل الهارب” مصطلحا جديدا من بين مصطلحات كثيرة قدمتها تركيا لقاموس الإرهاب الدولي.

وينشط أردوغان في دول الجوار الليبي بحثا عن دعم لخططه العسكرية، ليعود في كل مرة أقل مكانة مما ذهب، واضعا نفسه وبلده في مواقف محرجة، وبعد زيارة فجائية قام بها إلى تونس الشهر الماضي للحصول على دعم من الرئيس التونسي قيس سعيد، ادعى بعدها أن الرئيس التونسي وافق على دعم حكومة طرابلس، الأمر الذي نفاه مكتب الرئيس التونسي، مؤكدا أن تونس اختارت أن تقف على مسافة واحدة من أطراف الصراع.

آخر الزيارات المحرجة، هي زيارة أردوغان للجزائر، ولقائه الرئيس عبدالمجيد تبون، للتنسيق بشأن الأحداث الجارية في ليبيا، بحثا عن دعم لتدخل عسكري تركي، ويبدو أن اللقاء لم يثمر وعودا ترضي أنقرة.

لم يقتنع أردوغان بالعودة من الجزائر خالي الوفاض، لا بد من إحراز أي هدف، فليهاجم غريمه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من خلال الحديث عن شهداء الجزائر في عهد الاحتلال.

وما إن غادر التراب الجزائري حتى ادعى أن نظيره الجزائري حدثه عن وثائق تتعلق بمجازر الاحتلال الفرنسي في الجزائر، وهي وثائق حاول الرؤساء الفرنسيون المتعاقبون التنصل منها، برفضهم الاعتراف بها والاعتذار عنها، وقال إنه طلب من تبون تسليمه هذه الوثائق، واعتبر أن استلامها سيجعله سعيدا للغاية.

وأكد أنه عازم على نشرها فور استلامها، ليتذكر الرئيس الفرنسي ماكرون جيدا أن بلاده قتلت خمسة ملايين جزائري، وهي الحقيقة التي يقول إنه سمعها من تبون خلال زيارته للجزائر.

سعادة رجب طيب أردوغان لم تتحقق، وكما أثارت زيارته لتونس الجدل، أثارت زيارته للجزائر نفس الجدل يضاف إليه الاستياء، بعد أن كشف، من دون وعي منه، عن حقيقة نواياه العدوانية المبيتة لنشر الفتن بين ضفتي البحر المتوسط الشمالية والجنوبية، وأثبت أن آخر ما يريده هو صلاح حال الأمة.

المصدر: صحيفة الرأي