لكل السوريين

بعد توتر العلاقات بين البلدين.. باريس تبادر لطي صفحة الأزمة مع الجزائر

تقرير/ محمد الصالحر  

في محاولة لتعزيز بوادر الانفراج بين البلدين، قام وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان بزيارة للجزائر يرى مراقبون أنها قد تمثل انطلاقة مسار لطي صفحة الأزمة، وعودة العلاقات إلى طبيعتها بين البلدين.

وكانت باريس قد اتخذت خطوة أولى بهذا الاتجاه الشهر الماضي عندما أعلنت الرئاسة الفرنسية عن أسفها للجدل وسوء الفهم الذي تسببت فيه تصريحات ماكرون.

فيما دعا لودريان في منتصف تشرين الثاني الماضي، إلى علاقة وثيقة و”شراكة طموحة” مع الجزائر تتجاوز جروح الذاكرة التي يمكن أن “تظهر أحيانا من جديد”.

ومن جانبه، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في حوار مع الصحافة المحلية أواخر الشهر نفسه، إن العلاقات الجزائرية الفرنسية المتوترة “يجب أن تعود إلى طبيعتها” بشرط التعامل على أساس “الند للند” بين البلدين.

وكانت الأزمة بين البلدين قد اندلعت بعد تصريحات للرئيس الفرنسي شكك فيها بوجود “أمة جزائرية” قبل الاستعمار الفرنسي لها، مما أثار ردود فعل غاضبة في المجتمع الجزائري،

واستدعت الجزائر سفيرها في باريس، ومنعت الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل من التحليق في مجالها الجوي.

نهج العلاقات الهادئة

بعد استقبال الرئيس الجزائري له، قال الوزير الفرنسي “أتمنى أن يعود بلدانا إلى نهج العلاقات الهادئة وأن يتمكنا من التطلع إلى المستقبل”.

وأضاف لودريان “نأمل أن يؤدي الحوار الذي نعيد إطلاقه اليوم إلى استئناف المحادثات السياسية بين حكومتينا في عام 2022 بعيدا عن جراح الماضي التي يجب أن نواجهها، وسوء التفاهم الذي علينا تجاوزه”.

وتأتي زيارة لودريان إلى الجزائر تفعيلا لبوادر الانفراج التي تلت مشاركة وزير الخارجية الجزائري في مؤتمر باريس لدعم الاستقرار في ليبيا في تشرين الثاني الماضي.

وحسب مراقبين، تعتبر هذه الزيارة مؤشراً إيجابياً للخروج من الأزمة، وبداية لاستئناف الاتصالات بين البلدين لطي صفحة الخلافات وتحدد مسار الخروج منها.

وذكرت مصادر إعلامية أن لودريان أجرى محادثات مطولة مع نظيره الجزائري، كما التقى الرئيس عبد المجيد تبون لأكثر من ساعة ونصف، وأوضحت المصادر أن المحادثات ساهمت بإعطاء “دفع سياسي” لاستئناف المشاورات بين البلدين حول ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من فرنسا، وبينهم جزائريون.

ومع أن هذه الزيارة لا تعني تحسن العلاقات بين البلدين بشكل كامل، لكنها تستجيب لمطالبة الجزائر لفرنسا، بالمبادرة لحل الأزمة بعد دعوة تبون للمشاركة في مؤتمر باريس لدعم العملية السياسية في ليبيا.

ملفات على الطاولة

لم تقتصر مباحثات وزير الخارجية الفرنسي في الجزائر على ملف العلاقات الثنائية، بل تطرق الطرفان إلى بحث ملفات إقليمية ليست محل توافق بين البلدين.

وكشف مصادر دبلوماسية أن المباحثات تناولت الشأن الليبي، ونوهت إلى تقارب وجهة نظر البلدين بأنه لا مخرج للأزمة الليبية دون انتخابات وإيجاد سلطة شرعية فيها.

كما بحث لودريان مسألة إغلاق الجزائر لأجوائها أمام الطائرات العسكرية الفرنسية المشاركة في العمليات العسكرية في الساحل الأفريقي، ولم يتم اتفاق بين البلدين حتى الآن” على إعادة فتح الأجواء، باستثناء قرار الجزائر الذي يسمح بتحليق طائرات فرنسية لأسباب إنسانية.

وحول أزمة مالي، حيث بدأت فرنسا بسحب جزء من قواتها العسكرية، أكد وزير الخارجية الفرنسي أن الجزائر تلعب دوراً مهماً من خلال التزامها بتنفيذ اتفاق السلم والمصالحة، وأعرب عن أمل بلاده باستمرار الحوار معها حول هذا الموضوع.

ويرى مراقبون أن خطورة الوضع الإقليمي في منطقة الساحل وملف الأزمة السياسية في تونس وليبيا، دفعت باريس إلى إرسال أرفع مسؤول دبلوماسي لديها إلى الجزائر، للتنسيق معها من أجل مواجهة ملفات تعتبرها فرنسا من أولويات أمنها الإقليمي.

كشف أرشيف حرب الجزائر

بعد يومين من زيارة وزير الخارجية الفرنسي إلى الجزائر، قررت فرنسا رفع السرية عن الأرشيف الخاص بحرب الجزائر، قبل عقد ونصف من المهلة القانونية للكشف عن الوثائق السرية، حسبما أعلنت وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو.

وقالت الوزيرة إن لدى فرنسا “أشياء يجب إعادة بنائها مع الجزائر”، وأكدت أن ذلك غير ممكن “إلا بناء على الحقيقة”.

وأشارت الوزيرة إلى أنه “لا يمكن بناء رواية تاريخية على كذب”، مضيفة أن “التزوير هو الذي يجلب كل الأخطاء والمشكلات وكل الكراهية”.

وأكدت على أنه “في اللحظة التي تطرح فيها الحقائق على الطاولة ويتم الاعتراف بها وتحليلها، من تلك اللحظة فقط يمكننا أن نبني تاريخا آخر ومصالحة”.

وردا على سؤال عن تداعيات هذا القرار لا سيما حول تأكيد حدوث أعمال تعذيب ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر، قالت باشلو “من مصلحة البلاد الاعتراف بها”.

ويأتي إعلان الوزيرة رفع السرية عن الأرشيف، في إطار سياسة “الخطوات الصغيرة” التي يتبعها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لتبسيط الوصول إلى إجراءات رفع السرية عن الوثائق، وتقصير فترات الانتظار المرتبطة بهذه الإجراءات.