لكل السوريين

“علما”… حسناء القرى الحورانية

تتربع قرية “علما” على عرش أجمل القرى في محافظة “درعا”، فهي تنطوي على تاريخ يعود إلى العصر الروماني والبيزنطي، إضافة إلى حجارتها البازلتية التي تروي قصص الماضي التليد وتشتم بها رائحة الأصالة والكرم.

تمتاز بآثارها القديمة والكثيرة وهي ممتدة على مساحات واسعة من بيوت رومانية وبيزنطية ومعابد تشهد على حضارة قديمة، وهي بلدة قديمة فيها الكثير من الآثار الرومانية والبيزنطية، لا يزال اسمها على حاله منذ ما يزيد على ألفي عام، تبعد عن “درعا” المدينة مسافة 22 كم باتجاه الشمال الشرقي على طريق مدينة “الحراك”، تتميز بطريق مستقيم يخترقها من الغرب للشرق وهو من مسارين واحد للذهاب والثاني للإياب، يمكن الوصول لها من بلدة “غزالة” الواقعة للغرب، وتمر من غربها سكة حديد الحجاز. حدودها من الشمال قرية “نامر”، ومن الجنوب “الغرايا”، ومن الشرق قرية “الصورة” ومدينة “الحراك”، ومن الغرب بلدة “خربة غزالة”، حيث تتمتع بمناخ صيفي جميل ومعتدل وبارد نسبياً في الشتاء، ومازالت تتسم بالطابع الريفي مع العلم أن كافة الخدمات، موجودة لكن هذا الطابع اتخذته من الاعتماد على الزراعة وتربية الماشية.

شواهد معمارية رومانية وبيزنطية وإسلامية تتمتع بها القرية فهي تضم العديد من الشواهد المعمارية كالبيوت الرومانية والبيزنطية والإسلامية، ومعابد تشهد على حضارة قديمة. وتتشابه بطابعها المعماري والمعيشي مع القرى والبلدات القريبة منها كقرية “الصورة وبلدة خربة غزالة ومدينة الحراك” في الشرق، كذلك مع “المليحات الغربية والشرقية”، وقد اكتشف فيها مدفن اثري من الفترة الجهة الغربية للبلدةالرومانية، ضم الكثير من الأواني الفخارية الصغيرة وأسرجة وحجارة كريمة. علماً أن آثار المنطقة تدل عليها وتؤكد وجود آثار قديمة والدلائل واضحة، حيث الجدران الرومانية والحجارة المنحوتة والقبور القائمة، وهي معروضة في متحف “درعا” الوطني. وتعتبر القرية من القرى الأولى التي سـكنها الرومـان في المنطقة لوجود أو لإقامـة عـدد من الأمراء الرومـان فيـها، وقد أولت الجهات المعنية بالمحافظة القرية اهتماماً كبيراً لحماية آثارها من خلال عدم السماح لأحد بنقل الحجارة ومراقبة ومنع عمليات الحفر العشوائي.

تتمتع القرية بخصائص مجتمع القرية وما يميز ها أنها ذات طبيعة اجتماعية مختلفة، يغلب عليهم الطبيعة الخلابة في أعمالهم اليومية لأن المجتمع هنا زراعي فلاحي، لذلك تراهم يساهمون في مساعدة بعضهم بعضاً، وروح التعاون والإخاء متجذرة، وما أضاف إلى جمالها هو العلاقة الإنسانية بين الأجيال فما إن تدخل إلى مضافة من مضافاتها حتى تستقبلك رائحة البن والهيل، وتستمع إلى أصوات الترحيب والتهليل، ومازالت التقاليد الاجتماعية القديمة رابطاً قوياً وحقيقياً تنتظم به تقاليد الأفراح والعزاء، وغيرها من المظاهر الحياتية التي نعيشها في القرية، وبغية تعميق الشراكة مع المجتمع المحلي والنهوض بالواقع البيئي للقرية، نفذ المتطوعون الشباب في القرية تأهيل حديقة القرية، وتم زرع أكثر من 200غرسة حراجية فيها.

التركيبة السكانية للقرية والنشاط الاقتصادي الذي يمارسه سكانها، مهم جدا فهي تتألف القرية من أبناء عدة عشائر من عشائر “حوران”، الحريري، حرب، الزعبي، الحمادي، قطوف، المسلماني، الغزاوي، الداغري، حجيج، الزهري، العنباوي، العساودة، شتيوي، الزوكاني، وأغلبية سكان القرية يعملون في الدوائر الحكومية، والقسم الآخر منهم يمارس العمل الزراعي في المشاريع الزراعية الواقعة داخل حدود القرية، وقد بدأت زراعة أشجار الزيتون تنتشر في السنوات الأخيرة ضمن أراضي القرية ومنازل الأهالي، ليبلغ عددها اليوم آلاف الأشجار المثمرة، ولا سيما في الجزء الجنوبي من القرية، وتشتهر بزراعة مختلف الحبوب والأشجار المثمرة كالكرمة والكرز والمشمش والرمان في شمال القرية وغيرها، كما أن عدداً من السكان يربي المواشي وأهمها الأغنام، والأبقار.

وعن سكانها وسبب تسميتها بالبداية يبلغ عدد سكان “علما” حوالي 9000 نسمة، أما عن تسميتها وكيف جاءت فتعود تسـمية القرية لصحة إحدى الروايات، منها أنه كان هناك دير قديم في القرية روماني اسمه “دير العلوم”، ومع الأيام أصبح اسمها “علما”، والرواية الأخرى تقول إنه كانت القرية مبنية على الماء وسميت “علما”.

خرجت القرية أكثر من 120 طبيباً وعن واقع التعليم فطبيعة القرية الصعبة جعلت أبناءها أكثر إصراراً على العلم والتحصيل العلمي، فشهدت نهضة علمية وأدبية باسقة، فتميزوا بمستواهم الثقافي وكان منهم الأطباء والمهندسون والمحامون، وتعتبر من القرى التي تمتلك أكبر نسبة للتعليم العالي، وهي تفخر بذلك وتعتبره وساماً لا حدود لقيمته، فالاستثمار في العلم كالاستثمار في الأرض، فأينما حفرت فيه تجد كنز ا واثارا رومانية قديمةيوصلك إلى أعلى المراتب. فيوجد في القرية أكثر من 120 طبيباً بمختلف الاختصاصات، وبذلك يكون نصيب كل 75 شخصا من سكان القرية له طبيب، وهي من أعلى نسب الأطباء في مدن وقرى العالم.

ولم تحتو حياتنا القروية يوماً التعقيدات والرسميات الاجتماعية، وإنما كان عنوانها البساطة والعفوية في كل تفاصيلها ومتطلباتها، ومجالسنا في فصل الشتاء وسهراتنا الصيفية واجتماعنا في منزل أحدنا وتشاورنا في ما يجب أن نقوم به من عمل في اليوم التالي سر بقائنا وتميزنا عن بقية القرى.