لكل السوريين

قطع العلاقات بين الجزائر والمغرب.. طلاق نهائي بينهما أم بداية لفتح صفحة جديدة لصالح البلدين والمنطقة؟

تقرير/ محمد الصالح  

أعلن وزير الخارجية الجزائري قطع علاقات بلاده الدبلوماسية مع المغرب، واتهم الوزير في مؤتمر صحفي، الرباط بالقيام بأعمال عدائية ضد الجزائر، وقال إن القنصليات في كل دولة ستبقى مفتوحة، وأكد أن “قطع العلاقات الدبلوماسية لا يعني أن يتضرر المواطنون الجزائريون والمغاربة. القنصليات تباشر عملها بصفة طبيعية”.

وأضاف “نطمئن المواطنين الجزائريين في المغرب والمغاربة في الجزائر أن الوضع لن يؤثر عليهم.

ويرى المتابعون للشأن المغاربي، أن هذه العلاقات كانت مقطوعة أصلا منذ أن سحبت الجزائر سفيرها من الرباط على خلفية تصريح موفد المغرب في الأمم المتحدة حول منطقة القبائل.

واتخذت الجزائر هذا القرار الجديد بناء على أسباب استعرضها وزير الخارجية خلال مؤتمر صحفي، اعتبر فيه أنه “ثبت تاريخياً، وبكل موضوعية، أن المملكة المغربية لم تتوقف يوماً عن القيام بأعمال غير ودية وأعمال عدائية ودنيئة ضد بلدنا وذلك منذ استقلال الجزائر في 1962”. حسب تعبيره.

وسبق أن راجعت الحكومة الجزائرية علاقاتها مع جارتها المغرب خلال اجتماع استثنائي لمجلس الأمن في الجزائر، عقد برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون لتقييم الوضع بعد الحرائق التي اندلعت فيها.

وجاء في البيان الصادر عن الاجتماع “إن الأفعال العدائية المستمرة التي يقوم بها المغرب ضد الجزائر اقتضت إعادة النظر في العلاقات بين البلدين”.

المغرب يرفض المبررات

أعرب المغرب عن أسفه لقرار الجزائر قطع العلاقات بين البلدين الذي وصفه بغير المبرّر.

وقالت وزارة الخارجية المغربية في بيان لها إن هذا القرار كان متوقعاً بالنظر إلى منطق التصعيد الذي تم رصده خلال الأسابيع الأخيرة، ورفض البيان “بشكل قاطع المبررات الزائفة، بل العبثية التي انبنى عليها”.

وأضاف البيان “ستظل المملكة المغربية شريكاً موثوقاً ومخلصاً للشعب الجزائري وستواصل العمل، بكل حكمة ومسؤولية، من أجل تطوير علاقات مغاربية سليمة وبناءة”.

وسبق للمغرب أن قطع علاقاته الدبلوماسية مع الجزائر سنة 1976، بعد اعتراف الجزائر بقيام “الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية”.

ولم تستأنف العلاقات إلا في 1988 بعد وساطة سعودية.

من جهته، أعرب الأمين العام لجامعة الدول العربية، عن أسفه البالغ بسبب ما آلت إليه العلاقات بين الجزائر والمغرب، ودعا البلدين إلى ضبط النفس وتجنب المزيد من التصعيد.

وقال مسؤول في الأمانة العامة للجامعة إن الجزائر والمغرب بلدان رئيسيان في منظومة العمل العربي المشترك، وإن الأمل لا يزال معقوداً على استعادة الحد الأدنى من العلاقات بما يحافظ على استقرارهما ومصالحهما واستقرار المنطقة.

خلافات مزمنة

منذ استقلال الجزائر، شاب علاقات الجارين المغرب والجزائر التوتر والخلافات المستمرة.

ورغم التأييد الذي قدمه المغرب لجبهة التحرير الجزائرية خلال حرب التحرير ضد الاستعمار الفرنسي، نظرت القيادة الجزائرية بعد الاستقلال بقلق إلى مطالبة المغرب بمنطقتي “بشار وتندوف” اللتين كانتا تحت السيطرة الفرنسية منذ 1950.

ونشر المغرب أواسط عام 1962 قواته في منطقة تقع خارج خط الحدود التي رسمتها فرنسا بين البلدين.

ومهدت هذه الخطوة لاندلاع حرب بين البلدين خلال عامي 1963 و1964، حيث بدأت باشتباكات متفرقة ثم تصاعدت وتيرتها في الثلث الأخير من عام 1963، واستمرت حتى العام التالي، حيث توقفت بوساطة من الجامعة العربية والاتحاد الافريقي، وتم التوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الطرفين.

وازدادت علاقات البلدين توتراُ وتعقيداً بعد تنظيم المغرب ما يعرف بـ “المسيرة الخضراء” عام 1975، حيث زحف نحو 350 ألف شخص إلى مناطق بالصحراء الغربية، منهياً بذلك وجود الاستعمار الاسباني في المنطقة.

كما أدى الدعم الذي قدمته الجزائر لجبهة البوليساريو التي تناهض ما تسميه الاحتلال المغربي للصحراء الغربية، إلى اندلاع مناوشات عسكرية بين البلدين عام 1976.

وقدمت الجزائر ملجأ لعدد من أبناء الصحراء الغربية وآوتهم في مخيمات بواحة تندوف، حيث أعلنوا اقامة الجمهورية الصحراوية، وكانت الجزائر أول دولة تعترف بالجمهورية الوليدة.

جذور الأزمة وآفاقها

يشكل النزاع في الصحراء الغربية السبب الرئيسي في توتر العلاقات بين البلدين الجارين منذ عقود.

فالجزائر تدعم جبهة بوليساريو التي تطالب باستقلال الإقليم، فيما يعتبره المغرب جزءاً لا يتجزأ من أرضه، ويتعهد بمنحه حكماً ذاتياً تحت سيادته.

ومع أنه لا يبدو أن أي طرف منهما مستعد لخوض حرب ضد الآخر بسبب هذا النزاع، كما يؤكد معظم المراقبين، إلّا أن القطيعة الدبلوماسية والخلافات العميقة بينهما، تشكل أزمة تثقل كاهل البلدين والمنطقة، وتحول دون وجود تعاون مغاربي يشكل قوة انطلاقة جديدة لمشاريع كبرى تعود بالنفع على شعوبها.

ومن المتوقع أن تتمخض عن هذه الخلافات قرارات إيجابية مهمة لخدمة مصالح البلدين.

وفي هذا السياق، يتوقع المراقبون أن  فتور العلاقات وقطعها، سيفضي بالنهاية إلى الدخول  بمفاوضات جديدة، وجدية لحل المشاكل المزمنة العالقة بينهما.

وقد تكون تلك المفاوضات برعاية دول من المنطقة، أو الجامعة العربية، أو دول صديقة، وربما تكون برعاية الدول المستعمرة السابقة للمنطقة التي دعت مؤخراً إلى “الحوار بين دول المنطقة لترسيخ الاستقرار والازدهار فيها”.