لكل السوريين

من تاريخ الترك الأسود

أخضع العثمانيون جميع أجزاء البلاد العربية لحكمهم ماعدا مراكش وأجزاء من جزيرة العرب، وبوفاة السلطان سليمان انتهى دور التوسع والفتوحات، ومن ثم أخذت أحوال الدولة العثمانية تسير نحو الانحلال والانحطاط بسرعة تزداد تارة وتخف طورا وذلك حتى القرن التاسع عشر.

وكانت الدول الأوروبية الكبرى لا تنفك عن التدخل في شؤون الدولة العثمانية بطرق وأساليب متعددة وذلك استناداً إلى الامتيازات الأجنبية التي نشأت من الفرامين التي أصدرها والمعاهدات التي أبرمها سلاطين آل عثمان في تواريخ مختلفة في شتى الظروف والمناسبات.

وطبيعيا أن البلاد العربية وكردستان التابعة للدولة العثمانية تأثرت كثيراً من المداخلات والمساومات مثل سائر الولايات العثمانية بل وأكثر من معظم تلك الولايات، وقد عانى المجتمع العربي في ظل الدولة العثمانية تخلفاً في المجالين الاقتصادي والاجتماعي، كما فرضت عليه العزلة السياسية والثقافية وبقي في معزل عن التيارات الفكرية العالمية.

كل ذلك نتج عنه فقدان القدرة والعجز عن مجابهة أطماع الدول الاستعمارية التي بدأت بغزو الوطن العربي منذ القرن التاسع عشر، ولم تكن لدى الدولة العثمانية القدرة على دفع الخطر عنه.

في ظل الدولة العثمانية فقد العرب كيانهم الخاص وعن طريق العثمانيين مارست أوروبا علاقاتها مع العرب، فظهر رجال مصلحون وتألفت جمعيات وأحزاب رسمت أهدافاً سياسية وأخذت تناضل من أجل التحرير في السر والعلن.

إن البركان العظيم الذي انفجر في شبه جزيرة العرب ماد له الاسلام طرباً أخرج للعالم حادثاً جللا في طليعة حادثات هذا العصر وقف التاريخ عنده ورمقه الدهر.

إن اتفاق العرب مع الترك كان شراً عليهم لأنه لم يكن قائماً على أساس القومية بل بظل الإسلام على أساس العدل والمساواة والعلوم والآداب في عهد العرب، فلما جاء الترك تغيرت الحال فساد الجهل وعم الفساد فقتلوا الفنون والآداب الشرقية وقضوا على مدنية الأمم التي حكموها فما أبقوا لمدنية العرب أثراً ولا عيناً وهدموا العلوم حتى العلوم الاسلامية، فراجت السخافات والشعوذيات في دولتهم وصار العالِمْ والتَقي يعرفان في بلادهم بطول اللحية وكبر العمامة.

فقد العرب باتحادهم مع الترك استقلالهم السياسي ومدنيتهم الزاهرة وكادوا يفقدون قوميتهم ودينهم ولغتهم بعدما نهبت أموالهم وخربت ديارهم وأقفرت بلادهم وأخذ الجهل أطنابه بينهم، فصار اسمهم محتقراً ودينهم مهاناً ونظر الغرب إلى ما حل بالشرق في عهد الترك فألقى تبعة ذلك على الإسلام والعرب معاً.

كانت الأمة العثمانية قبل إعلان الدستور العثماني على مستوى واحد من حيث الظلم الذي كان ينالها من الحكومة المطلقة لا فرق بين مسلمها ومسيحييها وتركيها وكرديها وعربيها، ومن شأن الحكومات المطلقة أن تساوي بين رعاياها في الظلم كما أنه من شان الحكومات الدستورية أن تساوي بين شعبها بالعدل.

إن الاستبداد من طبيعته تخدير القوى الجامعة، وتقطيع وشائج الصلة بين أبناء الوطن الواحد لكي تهن الأمة عن مناهضة السلطة المطلقة وتذل لعباد الشهوات من زعماء السلطة.

وصل جمال باشا السفاح إلى سورية بعد إعلان الحرب الأوروبية بنحو سبعة أشهر، فنصب المشانق وحكم على مجموعة من الوطنيين بالإعدام شنقاً منهم “شفيق مؤيد العظم، عمر عبدالقادر، عمر مصطفى حمد، رفيق رزق سلوم، محمد الشنطي، شكري العسلي، عبدالغني العريسي”.

إن هؤلاء الشباب المؤمن بقضيته ضحوا بحياتهم وأرواحهم من أجل الوطن والخلاص من المستعمر التركي.

كما عانت عشائر وادي الفرات الظلم الشديد من التسلط التركي البغيض في نهب خيرات البلاد واقتصاده من حبوب ومزروعات وفرضت الضرائب، وسيق شباب العرب والكرد لحروب في القرم وغيرها بلا عودة، مما أثار نقمة العشائر على السلطة التركية، فثاروا عليهم كما حصل في قطعة البوليل قرب دير الزور وحكم بالإعدام على شيخها موسى الهيال أبو صالح، لكن أبناء العشيرة الشمرية ثاروا على الجنود الأتراك وطوقوا الحملة التي اعتقلت الشيخ وهم يطلقون الهوسة الفراتية قائلين:

ابو صالح مانعطيه       بالموازر تانفديه

ياالعصمللي شلّك بيه     كلنا كجك ونختر

ربعي دوم مونسين البر    ومسقين العدوان من المر

لقد كان لمجازر الشعب الأرمني على يد الأتراك بعد صدور فرامين بإبادته عن بكرة أبيه وقعُ مرير على قلوب شعوب العالم، ومما جرى من قصص أثناء الذبح والسويقيات ودفنهم وهم أحياء وبقر بطون النساء الحوامل كما فعلوها بمجزرة ديرسم مع النساء الكرد، عمل تشمئز منه النفوس وتذهل له العقول.

وفي منطقة مركدة جرت مجازر لمجموعات من الأرمن مازالت عظامهم مدفونة في مغارات المنطقة تشاهد عن قرب ويندى لها جبين الإنسانية جمعاء.

جاسم الهويدي