لكل السوريين

الانتخابات

صالح مسلم

كلمة رنانة لها صدى طيب على النفس لأنها تتضمن نفحة من الديموقراطية أو هكذا يجب أن تكون، ولكن هل الحقائق كذلك، أم أنها وسيلة لخداع الشعب والرأي العام العالمي لمنح الشرعية لحزب إستبدادي أو شخص مستبد لفترة زمنية أخرى قابلة للتجديد حسب فترة زمنية محددة؟ لا شك أن مناسبة حديثنا هي الانتخابات (البيعة) التي جرى الإعلان عنها لمنح الشرعية لسبع عجاف أخرى.

خلال الإنتداب الفرنسي لسوريا كان هناك ما يسمى دستوراً وقوانين أحزاب سياسية وقانون انتخاب، تتنافس الأحزاب حسب ذلك على الكراسي وتتسابق في كيل الشتائم للإستعمار الفرنسي، وفي النهاية إما أن يفوز حزب الشعب أو الكتلة الوطنية أو بعض المستقلين، وتتشكل الكتل والحكومة في البرلمان وانتخاب الرئيس أمام أسماع وأنظار الناس، بين معارض ومؤيد ومتهم الآخرين بالعمالة للإستعمار الفرنسي، إلى أن تقرر إستقلال سوريا في 17 نيسان 1946، ومع الإستقلال حدث ما حدث، فلم يعجبنا الدستور ولا القوانين ولا القواعد لأنها من مخلفات الإستعمار وتفرض علينا التبعية وخدمة الإستعمار. ولهذا بدأنا بإدارة أنفسنا حسب عقليتنا وإدراكنا.

وهكذا بدأنا بإنقلاباتنا العسكرية مع عام 1949، ومع كل إنقلاب يتم إيقاف العمل بالدستور السابق والقوانين المعمول بها ليتم سن قوانين جديدة حسبما يصدر من مجلس قيادة الثورة أو الرئيس الجديد. فلا القوانين السابقة بقيت سارية ولا الجديدة وجدت فرصة ليتعرف الشعب عليها. وأخيراً وجد القادة السوريون مخرجاً للتخلص من هذه الدوامة التي آلت إليها البلاد وهو إلقاء هذا العبء الثقيل على كاهل زعيم الأمة العربية الواعد جمال عبدالناصر، فما كان من جمال عبد الناصر سوى القبول بالمسؤولية أمام إصرار وإلحاح السوريين التواقين إلى وحدة الأمة العربية.

في الحقيقة لم يكن هناك أي تطابق أو حتى تشابه بين الثقافتين السياسيتين في كل من سوريا ومصر. وحتى البنية الاجتماعية والإنتماء والولاء كان مختلفاً تماماً، ومجرد الرغبة في بناء أمة عربية منيعة لم يكن كافياً لإستمرار الوحدة ، والإنتخابات التي تمت في ذلك الوقت كانت انتخابات الإتحاد الإشتراكي التي تمت بالتعيين وليس الإنتخاب. وعندما وجد الشعب السوري أنه بات تحت الإنتداب المصري بدلاً من الفرنسي، ولم يعد يتحكم في بلاده قام بإنقلاب الإنفصال عن مصر لتدخل سوريا في فصل جديد من الإنقلابات. ولكن فترة الإنفصال أي عام 1962 شهد انتخابات نزيهة إلى درجة ما حيث كان التنافس على أشده بين الأحزاب السياسية. وتم تتويج كل تلك المراحل بإنقلاب البعث عام 1963 ، وبات كل شيء إستثنائياً منذ ذلك الوقت. بما فيه الانتخابات والقوانين والدساتير التي نعاني من آلامها إلى يومنا الراهن.

عهد حزب البعث العربي الإشتراكي كان مختلفاً من جميع الجوانب كونه حزباً طليعياً يقود المجتمع والدولة ولهذا جاءت ترتيبات الدستور والقوانين واللوائح الداخلية كلها منسجمة مع الحزب الطليعي ودوره وحتى قياداته كانوا من القدسية بحيث لا يمكن المساس بهم، والأمين العام للحزب هو كل شيء، رئيس جمهورية وقائد جيش وكل شيء. وعندما وجد النظام نفسه فريداً في العالم في كل شيء بما في ذلك المجلس التشريعي والتنفيذي والقضاء اضطر إلى اتخاذ بعض الإجراءات الشكلية دون تغيير في الجوهر. فقام بإختراع ما يسمى بـ”الجبهة الوطنية التقدمية” التي كانت بمثابة دكاكين حزبية لصاحبها “حزب البعث”. وباتت هذه الأحزاب تتقاسم كراسي مجلس الشعب بما فيهم المستقلين الذين كانوا يسمون بـ”قائمة الظل” في “دولة البعث” ثم في “سوريا البعث” ثم في “سوريا الأسد”.

لم يكن أحد من الشعب أو من المسؤولين يأخذ أعضاء مجلس الشعب مأخذ الجد، و لا يعطيه أي إعتبار لأنهم كانوا يتظاهرون بقدسية لا يمتلكونها، تلك القدسية التي تأتي من إرادة الشعب عندما يمنحها لأحد الأعضاء، وهم يعرفون من أتى بهم ووضعهم على كراسيهم ولهذا لم يكونوا حتى يكنون الإحترام لأنفسهم بالذات.

أما بالنسبة لبيعة الرئيس فلم تكن تختلف في شيء، والأمر المؤسف أنه بعد عشر سنوات من الخراب والدمار وتهجير نصف أهل البلد، ومقتل نصف مليون شخص من المواطنين ودمار تسعين بالمائة من القرى والمدن وتحول المواطن السوري إلى شحاد على الأبواب، لازال مجلس الشعب يقترح مرشحاً للرئاسة ليقوم الشعب بالبيعة اللازمة لمنح الشرعية ، وإذا تخاذل المواطن أو نسي أن يقوم بمهمة البيعة فسيجد نفسه في قبو المخابرات في اليوم التالي.