لكل السوريين

المرأة..

محمد صالح

عندما نقول المرأة فإننا نتحدث عن العنصر الأول من البشر، أي أن هناك عنصران المرأة والرجل، كونا البشرية وحققا استمراريتها حتى يومنا الراهن. خلال المسيرة البشرية التي امتدت لمئات آلاف السنين حسب الأبحاث العلمية لم نشهد أي شكل من أشكال التمييز أو الحط من قدر المرأة. بل المرأة كانت محور المجموعات البشرية غير المستقرة المتنقلة بحثاً عن الكلأ والحماية في عصر الصيد والقطاف، وتضم المجموعات الزوج والأخ والإبن وكل ما يتبع المرأة من أقارب، فكانت تضم وترعى الجميع بحنان الأمومة وعاطفتها الرحيمة، فهي كانت تتدبر شؤونهم الغذائية والتربوية، فهي التي أنجبتهم وترعاهم.

عندما استقرت البشرية في ميزوبوتاميا وبدأ العصر النيوليتي كانت المرأة عماد المجتمع ومحور الحياة مرة أخرى، فهي التي شكلت مركز الاستقرار لتلاؤم ذلك مع طبيعتها، واكتسبت صفات القداسة كونها مانحة الحياة وراعية الأجيال وحاميتها، فظهرت في المجتمع النيوليتي صفة الآلهة الأم. حيث بدأت الأم المستقرة المهتمة بشؤون المجتمع بتدجين الحيوانات التي استطاع المجتمع الإستفادة منها في إدامة المجتمع، وكذلك تطوير زراعة المحاصيل والأشجار التي يستفيد منها المجتمع بدلاً من الجمع والقطاف، وكذلك تطوير الوسائل اللازمة للزراعة، مما خلق وفرة الأرزاق للمجتمع بل وتسبب ذلك في وفرة الإنتاج وفائض القيمة.

الرجل القوي الماكر ونتيجة لقوته الجسدية والخبرة التي اكتسبها من الصيد بدأ بفرض سيطرته ويحتكر السلطة تدريجياً، فالسلطة اقترنت بالرجولة والقوة، وكنتيجة لفرض سلطته الذكورية استطاع الإستيلاء على فائض الإنتاج أيضاً، وبذلك بدأ احتكار الثروة أيضاً. ما نريد توضيحه هنا هو أن إحتكار السلطة والثروة مرتبطان ببعضهما البعض وهما من إنتاج الذهنية الذكورية التي بدأت في أواخر العصور النيوليتية التي سادت فيها العدالة المجتمعية والمساواة والتي يسميها البعض بالعصر المشاعي، وكانت المرأة فيها تحتفظ بقدسيتها ووظيفتها المجتمعية.

العصر السومري الذي شهد تطورات كبيرة على صعيد الحضارة البشرية حيث تم ابتكار الكتابة وبدأت البشرية بتدوين يومياتها وتاريخها وذاكرتها، شهدت مرحلة إستيلاء الرجل على مقدسات المرأة وتهميشها وإذلالها ، وقد ورد ذلك الصراع في المدونات السومرية مثل لوائح”غلغاميش” و “عشتار”، ومن ثم انتشرت هيمنة الرجل على المجتمع بالكامل من خلال الزيغورات التي تأسست تحت سلطة الرهبان السومريين. مما يعني استعباد المجتمع بالكامل بعد استعباد المرأة. أي أن استعباد المرأة كان بداية لاستعباد المجتمع بالكامل.

بعد أن فقدت المرأة قدسيتها ومكانتها الاجتماعية بدأت عبوديتها وتحولت إلى سلعة تباع وتشترى. ثم جاءت الإيديولوجيات الدينية لتكمل مشروع الرجل لتعزيز إحتكاراته بالشرعية الإلهية، فشرعت بأن “المرأة خلقت من الضلع الأعوج للرجل” وأنها كانت السبب في خروج آدم عن طاعة الله وبالتالي الطرد من الجنة وما إلى ذلك من مفاهيم مذلة، إلى أن وصل الأمر إلى إعتبار المرأة عاراً يجب التخلص منها، وبدأ الرجل بوأد المرأة خوفاً من العار. والتعامل مع المرأة اختلف من مجتمع إلى آخر ومن ديانة إلى أخرى، بل ومن مذهب إلى مذهب فيما بين الديانات. بعضها جعل منها أداة للزينة والجمال ووضعها في قفص ذهبي، وبعضها الآخر اعتبرها مفرخة للإنجاب وضرورة لإستمرار الحياة، والبعض الآخر جعلها وسيلة للمتعة. ولكن ولا واحد منها كفل العدالة للمرأة واعتبرها عضواً مؤسساً للمجتمع البشري ومؤسساً لركائز الحياة البشرية التي بدأت في العصر النيوليتي.

مع الثورة الصناعية في أوروبا بدأت المرأة أيضاً بتنظيم نفسها والمطالبة بحقوقها، ولكن كل الحركات النسائية لم تخرج من القوالب التي خلقتها الذهنية الذكورية وطالبت بالمساواة مع الرجل، وأصبحت المرأة رئيسة ووزيرة ومديرة عامة وباتت تخدم مشاريع الذهنية الذكورية أكثر من الذكور أنفسهم، وهي التي تعرضت للإستغلال والإستعمار على يد هذه الذهنية على مدى ستة آلاف سنة. وإذا كانت تتطلع إلى الخلاص من إستغلال تلك الذهنية فعليها العودة إلى نقطة البداية حيث خسرت، وترى مواضع الخلل وتحاول إصلاح الخطأ الحاصل من هناك، ثم تستمر إلى يومنا الراهن. حيث أن المطالبة بالمساواة بين الرجل والمرأة فيه إجحاف كبير للمرأة. فالنظام الذي ستؤسسه المرأة حسب طبيعتها وتكوينها وتطلعاتها التي لم تتلوث ببراثن الذهنية الذكورية سيكون مختلفاً تماماً، وسيكون أفضل من أفضل نظام أسسته الذهنية الذكورية من حيث العدالة والحقوق والسلام في المجتمعات.