لكل السوريين

الإدارات الذاتية ضمان وحدة سوريا ودمقرطتها

مع انزياح مركز الهيمنة العالمية من الشرق الأوسط إلى أوربا الغربية بداً من القرن الثاني عشر لعوامل عديدة منها تزايد التزمت والتحجر وعوامل الانهيار الفكري وسد الطريق أمامه نتيجة استعمال معظم السلطويين في تلك الفترات الدين و مقدسات الشعوب كوسيلة للتحكم بالمجتمعات وسد الطرق أمام محاولات التجديد والاجتهاد والعلم الحديث.

وكان أن تجددت طاقة الحياة وأخذت بالتبلور عل شكل ثورات أوروبية مطالبة بالعدل والحرية والمساواة من هولندا إلى إنكلترا إلى فرنسا والعديد من الدول الأوربية بعد أن عاشوا حرب الثلاثين سنة وذاقوا مرارتها وأرادوا الذهاب إلى إيجاد بعض الحلول وعندها بدأ وعي الحقيقة عندهم بالتزايد وخطوا خطوات مهمة في تنظيم الحياة وإدارة دفتها ومنها محاولة تحجيم استخدام المقدسات التي يؤمن بها الشعوب لأغراض سلطوية وهيمنة وبدأ التمهيد لظهور مفاهيم تؤطر بعض من مجهودات البشرية وبالأخص الأتية من الشرق.

لكن من كان مقيداً لعصور نتيجة بعض القيود الأخلاقية والدينية والمجتمعية لبعض الشعوب وجد لنفسه مجالاً أوسع لتنظيم شبكة من النهب والسلب والبحث عن ربح أكبر وأعظم ، ونتيجة لهذه الخصوصية لشبكة النهب عديمي الأخلاق ظهر الطبقة البرجوازية بأيدولوجيتها الليبرالية التي تعظم الفرد وتنهي تماسك المجتمع ومسؤوليات أفراده الأخلاقية تجاه بيئته ومحيطه ومجتمعه، وعندها أصبح الفرد المسلوب الإرادة أحد أدوات النظام الذي سوف ينشاْ على كد وتعب الناس والمجتمعات ، لكن كان هناك عوائق تقف في وجه احتكار الموارد والمال والاقتصاد بشكل عام . منها الفكرية والفلسفية والعلمية وكذلك عائق القوة العسكرية والسلطة .

قام أصحاب رؤوس الأموال والتجار وبعض المثقفين الانتهازيين و المصلحجية و المفكرين المحسوبين على الطبقات البرجوازية برصف الأرضية الفكرية والسياسية والأيدولوجية والمعنوية الكلية لثورات أوربا وروسيا وحتى أمريكا وكان اليهود أصحاب تأثير قوي في رصف تلك الأرضيات، بأن قدموا وبعد بحث طويل عن شكل من الإدارة يحقق لهم النهب والسرقة والتحكم مستندة إلى فكر وعلم أنتجه علماء ذات الزمان وثم أثبت التطور العلمي بعدها فشل وعدم دقة تلك التصورات والأفكار والروئ وكذلك السلوكيات التي كانت نتيجة طبيعية لتلك الأفكار والذهنيات . وكانت الولادة الجديدة وهي “الدولة القومية” التي تفرض وجود أرض ومجتمع نمطي من قومية واحدة ولون واحد ملك للسلطة الحاكمة وذلك بالضد من التنوع الذي يمتاز به الحياة والطبيعة وكذلك في اعتداء صارخ على قيم وثقافة الحياة والمجتمعات التي كانت تعيش منذ الالاف السنين مع بعضها دون أن يحاول أحد خنق وإزالة لون وخصوصية الآخر.

وهكذا وجد كائن يقف بالضد من الحياة وتنوعها وقيمها والعيش المشترك لأبنائها و يقتل المجتمع ويعظم الأنا والأنانية ويسرق كد وتعب الناس ويحتكر وسائل الشدة والقوة في يد عصبة ويحقق الهيمنة لنظام عالمي ويجعل المنطقة وكل مصائرهم ومستقبلهم رهينة لحفنة من العملاء الذين تضعهم النظام العالمي المهيمن وتعطيهم الشرعية على حساب شعوب المنطقة ومجتمعاتها .

وكما كان منذ اليوم الأول لاستعباد الناس فأي هيمنة وتحكم كان يحتاج إلى السيطرة على الذهن والفكر والوعي كذلك قام من أوجد الدولة القومية المركزية وبشكل مخادع وخس ونذل جداً بأيهام وإقناع الناس والشعوب والمجتمعات الساعية للحرية والحق والعدل أن الدولة القومية تحقق لهم كل أمنياتكم وحتى أن تلك الهيمنة توسع ليشمل علماء ومفكرين ومثقفين أصبحوا وسائل للحرب الخاصة للدولة القومية ضد المجتمعات وتنوع الحياة بدل أن يكونوا من المدافعين عن جوهر الحياة وحرية الإنسان والشعوب.

وهكذا عشنا آلاف الحروب والمجازر والإبادات ومنها الحرب العالمية الأولى والثانية وكذلك الحروب المستمرة حتى يومنا هذا نتيجة إصرار الكثيرين منا على أن هدف الشعوب والثورات هي الوصول إلى دولة قومية ذات حدود وأعلام مقدسة رغم إيجاده من قبل البعض تحت هيمنة قومية على الأخريين وكذلك لون على آخر وليس العيش معنا بأخوة وانسجام ومحبة وتعاون.

في منطقتنا وبعد انهيار إمبراطورية التخلف والمهانة العثمانية شكلت إنكلترا وفرنسا وروسيا العديد من دول المنطقة لخدمة مصالحهم ودوام هيمنتهم على المنطقة وبذلك قسموا المنطقة وشكلوا دول وظيفية وكذلك بؤر توتر جاهزة . والغريب والمدهش أن يظن بعض من في سلطات هذه الدول وكذلك من لف في فضائهم وترب في جامعاتهم وأخذ الرواتب من مؤسساتهم وظن نفسه مفكراً أو إعلامياً أو سياسياً أو كاتباً أن دولنا مستقلة وهي وطنية ونحن أصحاب هذه الدول والأنظمة، في الوقت الذي هناك من يقرر مصير هذه الدول وعددها ومن يحكم فيها ونوع أسلحتها وكميتها وكذلك كيف ستكون صورتها في المستقبل كون كل الدول القومية المركزية في المنطقة والعالم هي مؤسسات عملية وتابعة لنظام عالمي مهيمن حتى لو أدعي الكثيرين من المزايدين غير ذلك. وبعد مرور الوقت تيقن الكثيرين أن نظام الدولة القومية ذات المركزية الشديدة أصبحت عائقاَ أمام التنمية وتطور الاقتصاد وتقدم المجتمعات وتنظيم طاقات الحياة وحتى أنها وبعد عصر التقنيات والتكنولوجيا الحديثة أصبح مرتكزات الدولة القومية في مهب الريح ، لذلك ظهر ما يسمى بالمؤسسات المدنية وغير الحكومية و كذلك الشركات والمؤسسات الدولية الأممية وكذلك بالمقابل تنوع أطر تنظيم طاقات المجتمع وحفاظ وجوده من الأحزاب والحركات و النقابات والجمعيات والروابط والمنتديات والنوادي الاجتماعية ومنظمات المجتمع المدنية دون أن ينتهي أهمية ودور أحد بل أن طاقات المجتمع حتى ما كان سابقاً غير منظمة ومفعلة أصبحت لها تأثير وحضور.

ولو نظرنا إلى العالم وخصوصاً منطقتنا( الشرق الأوسط وشمال أفريقيا) وما حصل لها منذ خمسين سنة الأخيرة على يد ” الدولة القومية ” سنعرف اي كارثة حلت علينا ، ولو تمعنا في تركيا وإيران ومشاريعها التمددية المهددة للاستقرار في المنطقة وكذلك لحروبهم العبثية في خارج حدودهم للبقاء في السلطة وكذلك ما حصل نتيجة ما سمى” الربيع العربي”

سندرك أن من يصر على عقليته السابقة مثل تركيا “أردوغان” وإيران ولاية الفقيه وكذلك العديد من دول المنطقة وتياراتها واحزابها وخصوصاً الإسلامية والقومية العنصرية مثل الحكومة السورية الذي يفكر بعقلية البعث القومية الشوفينية الذي يصر على تدوير نفسه رغم كل ما حصل ورغم فقدانه إرادته السورية الوطنية أمام التمدد الإيراني في سوريا والتأثير الروسي الغير محدود على كل مفاصل الدولة والحياة في مناطق سيطرة الحكومة.

لو أردنا ألقاء نظرة على المشاريع والأفكار والرؤى التي خرجت خلال عشرة سنين الأخيرة فسنجد عدة اتجاهات وحلول مقترحة وإن كان بعضها تدوير للنظم العملية القومية المركزية :

مشروع إعادة الدولة القومية المركزية السابقة والتي هي أداة لزيادة المشاكل وتعقيدها وليس حلها والتي هي بالأساس السبب الرئيسي للمشاكل التي نعانيها وهي من كانت السبب في تهميش و إقصاء مكونات أساسية وقوميات وتنوعات وخصوصيات مجتمعية إنسانية من ممارسة حقوقها وأدوارها الطبيعية في الحياة وإدارتها وكذلك في عيش حريتها.

ومشاريع الإخضاع الإقليمية وتمدد الدول الإقليمية مثل تركيا وإيران وغيرهم الذين يريدون تحقيق هيمنة إقليمية مستندة إلى تلويث للميراث الإسلامي وتشويهه والتعدي عليه دون تقديم أي جديد يحقق العدل والحرية والديمقراطية وكل مفاهيمهم بالية مسخة شرب عليه الدهر وأكل ، وما عاد يقنع ولو طفل واحد في المنطقة. سوى من يدور في فلك أردوغان والخميني من إرهابي الإخوان والقاعدة وداعش وبعض التيارات الشيعية الإسلامية التي تستخدمها إيران لخدمة القومية الفارسية وحلمها الصفوي.

وكذلك الاستمرار في تقسيم المقسم وتفتيت المفتت بما يخدم مصالح الدول التي تتدخل في الصراعات الحالية في المنطقة مثل حصل نتيجة دخول تركيا وروسيا في سلسلة أستانات وسوتشيات من شمالي سوريا إلى غرب ليبيا وكذلك الاتفاقات التركية – الأمريكية التي جعلت تركيا تحتل مناطق في سوريا وكذلك في شمالي العراق وربما في أذربيجان وأرمينيا ومثلما يتراءة من الكثير من التدخلات مثلما يحصل مع أمريكا وإيران في العراق وكذلك ما يحصل في اليمن وربما ما سيحصل مع تواجد إيران وتركيا وفرنسا في لبنان وكذلك العديد من الاتفاقيات بين الدول المهيمنة وكذلك الإقليمية لتحقيق مصالحهم على حساب شعوب المنطقة.

وأيضا تشكيل نظام إقليمي جديد مفروض حسب اتفاقيات إبراهيم (أبراهام) للسماح لظهور هيمنة إقليمية جديدة وتحجيم الدور الإقليمي لإيران وتركيا.

والمغالاة في الهوية الوطنية وكذلك القطرية وحتى المناطقية لمحاولة التقوقع والسلبية في اتخاذ المواقف ومخادعة النفس بالقول ” النأي بالنفس وعدم التدخل او عدم خطو أي خطوة حتى للحل وتقليل الفوضى والاضطراب والذهاب إلى بعض التسويات التي تحافظ على ما تبقي من إمكانية العيش المشترك وكذلك الاستقرار والأمن مع العلم أن فكرة الحيادية غير علمية وربما للتهرب من مواجهة الواقع وتحمل الأعباء والتداعيات.

والكذب والنفاق ومحاولة إظهار الحق باطلاً والباطل حقاً نتيجة فشلهم وخوفهم من أي مشروع ديمقراطي وليد في المنطقة فكل يوم يدعى أردوغان أن أمنه القومي مهدد من الكرد وأن تواجد الكرد السورين وهم على أرضهم التاريخية منذ أكثر من 12000 عام عامل مهدد لتركيا، وكذلك إتهام الحكومة السورية ومن ورائه إيران ومن يدورون في فلكهم من المثقفين والكتاب والإعلامين للكرد السورين ولمشروع الإدارة الذاتية بالانفصال.

رغم علم الجميع أن أكثر من ضحى للحفاظ على وحدة سوريا وسيادتها هم الشعب الكردي ومشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا بكافة مكوناته، لكن من يريد التودد لتركيا وأرسال رسال غرام لها يتهم الكرد بالانفصال، وبذلك نستطيع القول أن إتهام الكرد السوريين والإدارة الذاتية بالانفصال هي تحقيق أجندة تركيا وشرعنه احتلالها وتدخلها واعتدائها على المنطقة والدولة العربية.

فمشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية التي ظهرت كمحاولة جادة من الكرد السوريين في شمالي سوريا للدفاع عن مناطقهم وادارتها نتيجة عدم تحمل الحكومة السورية لمسؤولياتها وواجباته تجاه شعبه وتركه فريسة بين أنياب القاعدة والدواعش والدول الإقليمية الساعية للهيمنة. ونتيجة للصعوبات والمعاناة المضاعفة المتراكمة على الكرد السورين ذهبوا لتفعيل كافة طاقات مجتمعاتهم حتى يمتلكوا وسائل قوة الحفاظ على الوجود أمام الأعداد المتربصين ولعل دور المرأة ومكانتها في هذه الإدارة هي مكسب لكل النساء العرب والكرد وغيرهم.

كانت الإدارة الذاتية التي تطورت إلى حالة وطنية سورية ونموذج لسوريا المستقبل يحتضن كافة مكونات شمال وشرق سوريا من العرب والكرد والسريان الأشوريين وغيرهم ، حيث أن هذه الإدارة حافظت على كافة المكونات السورية في مناطقها وكذلك احتضنت اللاجئين من كافة المدن السورية.

وكذلك دافعت الإدارة الذاتية عن وحدة الأراضي السورية وسيادة سوريا وخاضت معارك مع إرهاب داعش وأخرى ضد المحتل التركي لعدم تقسيمه لسوريا في وقت كانت الحكومة السورية تتفرج وأحياناً متواطئ مع اعتداء تركيا على سوريا وشعبها وعلى مكونات شمالي سوريا و تحول غالبية ما تسمى المعارضة السورية إلى مرتزقة وبيادق وإنكشاريين جدد عند خليفة المرتزقة أردوغان.

هذه الإدارة التي تريد حل القضايا السورية سلمياً ضمن الجغرافية السورية الحالية وعبر الحوار السوري-السوري للوصول إلى سوريا ديمقراطية قوية بتكامل مكوناتها والتي تحافظ على خصوصية التنوعات الموجودة فيها عبر إدارات ذاتية تحقق فعلياً سوريا ديمقراطية وموحدة وكذلك بتكاملها مع محيطها العربي كعمق استراتيجي وبعد يتبادل معه الأمن والاستقرار والأعمار. وليست تكرار ما يسمونه في سوريا “سوريا البعث والأسد” سورية المركزية التي هي في حالة حرب مع أبنائها و هشة وضعيفة يحكمها الدول الإقليمية والعالمية وتحقيق الامتداد للدول المهيمنة الإقليمية وليس الضروري.

وهكذا يبقى الإدارة الذاتية التي وبإمكانيات متواضعة سعت جادة لتأمين متطلبات الحياة والتعليم والصحة وتوفير الماء والكهرباء وحماية السلم الأهلي والأمن لحوالي 6 مليون سوري والعديد من اللاجئين ومحاربة الإرهاب بالنيابة عن المنطقة والعالم ، وكذلك تأمين العديد من السجون التي تحتجز فيها الألاف من إرهابيي داعش.

ولذلك تبقى نموذج الإدارات الذاتية في شمال سوريا من النماذج الوطنية النادرة والواعدة التي تعتمد على قوى الشعب الجوهرية بشكل رئيسي وتحافظ على وحدة سوريا وكذلك تكاملها مع محيطها العربي.

ومن الأفضل على جميع ابناء سوريا الوطنيين والشرفاء وكذلك أباء المنطقة مساندتها وحمايتها من الهجمات التركية ومزايدات ونفاق النظام السوري ومن ورائه إيران وكذلك من الاتفاقيات والمؤتمرات الدولية فهي نموذج الديمقراطية والحرية على رغم صغر سنها وبعض أخطائها ونموذج لحماية المنطقة من التدخلات الخارجية المفتتة .

أحمد شيخو