لكل السوريين

التمييز ضد المرأة في القوانين السورية

ما نقصده بالتمييز في هذا المجال، إيقاع الإساءة في معاملة شخص ما لأسباب تتصل بالعرق أو الدين أو النوع الاجتماعي (الجندر).

ولم يعد خفياً اليوم، التاريخ الطويل من التمييز، والعنف ضد المرأة، على اختلاف مظاهره من عنفٍ جسدي، ولفظي، ونفسيّ، وتنوع صوره وأشكاله.

وقد أشارت أول وثيقة صادرة عن الأمم المتحدة عام 1945، إلى المساواة بين الرجل والمرأة في الحقوق، وتشكلت أول لجنة خاصة بمتابعة أوضاع المرأة والتعريف بحقوقها عام 1946 باسم لجنة مركز المرأة، ثم جاء الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، والعهدين الدوليّين الخاصّيْن بالحقوق المدنية والاقتصادية والاجتماعية، والعديد من القرارات الدولية التي تشير إلى حقوق المرأة ووجوب مساواتها بالرجل.

ثم صدرت اتفاقية خاصة بالمرأة هي اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، والتي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 19 كانون الأول عام 1979 ودخلت حيز التنفيذ عام 1981، هذه الاتفاقية الخاصة بالمرأة تعتبر وسيلة إضافية لحماية حقوقها، إلى جانب ما ضمنته شرعة حقوق الإنسان من حقوق للأفراد عامة.

نصّت هذه الاتفاقية (سيداو)على إلغاء كلّ أشكال التمييز ضد المرأة، وإدراج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير الوطنية، والتشريعات والقوانين ذات الصلة، وإلى عدم التعارض بين القوانين الوطنية والدولية في هذا المجال، أي أن تتوافق القوانين الوطنية مع شرعة حقوق الانسان وجميع الاتفاقيات الدولية الخاصة بعدم التمييز ضد المرأة، ونظراً لكثرة النصوص التمييزية في قوانيننا نكتفي بإيراد الأشدّ تمييزاً والمتضمن قانون الجنسية، والأحوال الشخصية، وقانون العقوبات.

قانون الجنسية

يُمنح الأب مزايا لا يمكن منحها للأم، وفقا لما جاء بالمادة 63 قانون الجنسية الصادر بالمرسوم التشريعي 367لعام 1969، “يُعتبر عربياً سورياً حُكماً مَنْ وُلد في القطر أو خارجه من والد عربيّ سوريّ”.

يعيّن النصّ المذكور حكماً أنّ الأب السوري يعطي الجنسية لأطفاله المولودين داخل القطر وخارجه، حتّى لو كان متزوجاً من أجنبية، في حين تُحرم الأمّ السورية -واستناداً إلى هذا النصّ- من إعطاء الجنسية لأولادها، ويُعامل أولادها معاملة الأجانب، ويُحرمون من كافة حقوقهم الاجتماعية والسياسية كمواطنين سوريين.

هذا بدوره يؤدّي إلى مشكلات لا حصر لها، وخاصّة للنساء السوريات المتزوجات من عرب وأجانب، إذا ما حاولوا الاستقرار في سورية، وبما أنّ قانون الجنسية قائمٌ على أساس الإقامة والمولد والمفترض أن يقوم على أساس المساواة التامة بين الرجال والنساء، كمواطنين لهم حقوق وعليهم واجبات وفقاً لما جاء بالدستور، وهذا النصّ يتعارض مع النصّ الدّستوريّ ويُكرّس التّمييز.

قانون الأحوال الشخصية

قلّما نجد نصّاً لا يميز في العلاقة القانونية بين الزوج والزوجة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر أكثر النصوص القائمة على التمييز ضدّ المرأة، كحقّ الرجل بإيقاع الطلاق بإرادة منفردة وفقاً لما جاء بنصّ المادة (85) أ.ح.ش، وأيضاً يكون الرجل متمتعاً بالأهلية القانونية الكاملة للطلاق بتمام الثامنة عشرة، إنّ هذا الحقّ ممنوحٌ للرجل دون المرأة.

وكذلك الطلاق التعسّفي بما يتضمنه من شروط ٍتعجيزية، كإصابته المرأة بالبؤس والفاقة وعدم وجود معيل، وهذا ما أكدته مادة (117) أ.ح.ش، إذا طلّق الرجل زوجته، وتبيّن للقاضي أنّ الزوج متعسّفٌ في طلاقها دون سبب مشروع بل معقول، وأنّ الزوجة سيصيبها بؤسٌ وفاقة، جاز للقاضي أن يحكم.

بالإضافة لسماح بزواج القاصرات بحجة احتمال جسمها: وهذا ما أكدته المادة (18-ف-2)، إذا ادّعى المراهق البلوغ بعد إكماله الخامسة عشرة، والمراهقة بعد الثالثة عشرة، وطلبا الزواج يُؤذَن به.

وليس خافياً الآثار السلبية التي يتركها هذا الزواج على الصعيد الجسديّ والنفسيّ والصحيّ، إذْ يُعيق نموّها الجسديّ ويتركها حبيسةَ المنزل لتربية الأطفال، وغير قادرة ومؤهلة أصلاً لتلك المسؤولية، فضلاً عن حرمانها التعليم والتطور.

واستبعاد المرأة من الولاية والتي يدخل فيها الولاية النفسيّة والماليّة (سلطة التأديب، والتعليم، والتوجيه إلى حرفة اكتسابيه، والموافقة على الزواج وفسخ النكاح)، فالولاية على القاصرين تحكمها المادة (70 –ف-1) للأبّ، ثمّ للجدّ العصبيّ ولايةٌ على نفس القاصر وماله.

ما يعني أنّ الأمّ مُستبعدة. وبالأحرى، لا ذكر لوجودها ويبدو أنّ المشرّع اختزل دون الأمّ على الإنجاب موافقة الولي على زواج البالغة، ولا يحقّ للأمّ الموافقة حال وجود وليّ كالجدّ العصبيّ.

ووفقاً لما جاء بالمادة (27) أحقيّة الوليّ بفسخ عقد النكاح إذا زُوّجت الكبيرة نفسها من غير موافقة الوليّ، فإذا كان الزوج كفؤاً لزم العقد، وإلاّ فللوليّ فسخ النّكاح مع ملاحظة سقوط حقّ الوليّ في حالة الحمل (م 30)، وولاية الأب على القاصر شاملة، وهذا يعني أنّه يقوم بتمثيله في جميع التصرّفات القانونيّة لحسابه، ودون اللجوء إلى أُذن القاضي في كلّ مرّة.

بينما يقتصر دور المرأة على الإنجاب والرعاية، ولا يحق لها أن تكون وليّه، حتّى إذا انتفى كلّ ولي عصبيّ في الأسرة تنتقل الولاية إلى الحاكم دون غيره.

ونصّت المادة (27) حول موافقة الزّوج على السفر بالأولاد ليس للأمّ أن تغادر بلدها مع أولادها أثناء الزوجية إلاّ بإذن الأب، وموافقة الوليّ على السّفر بالأولاد بعد الطلاق وُضعت ضمن شروط تعجيزية، وفيها الكثير من التضييق على حركة الحرّية للمرأة والمحضون، وحدّده المشرّع بمكان انعقاد الزواج، أو بلدتها. ويُستفاد من نصّ المادة (148 ف-2– و3): للأمّ الحاضنة بعد انقضاء العدّة السفر بالمحضون إلى بلدتها أو مكان عقد نكاحها.

إلا أن اتفاقية السيداو نصّت على إلغاء كلّ أشكال التمييز ضد المرأة، وإدراج مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة في الدساتير الوطنية، والتشريعات والقوانين ذات الصلة. وإلى عدم التعارض بين القوانين الوطنية والدولية في هذا المجال.

للذكر مثل حظّ الأُنثيين

في الإرث عدم السماح بزواج المسلمة بغير المسلم وفقاً للمادة (48 ف 2)، زواج المُسلمة بغير المسلم باطل أي عدم التّوارث حيث أن بمجرد اختلاف الدّين يمنع من الإرث بحسب المادة (264 ف2)، أي اختلاف الدّين بين المسلم وغيره.

والشهادة إذْ يُشترط في صحّة عقد الزواج حضور شاهدين رجلين، أو رجلٌ وامرأتين مسلمتين عاقلتين، سامعين الإيجاب والقبول، فاهمين المقصود.

وهذا المفهوم معمولٌ به في جميع القضايا الشرعيّة علّها نسيت تُذكرها الأخرى، إنّ عدم تمكّن المرأة من أداء الشهادة بمفردها فيه انتقاصٌ من قدراتها العقليّة، وانتقاصٌ لأهليتها القانونيّة، وتشكيكٌ بقدراتها العقلية، في حين يمكنها أداء الشهادة بمفردها في القضاء المدنيّ.

في المجمل، نحن نعتقد أنّ هذه النّصوص بُنيت على اعتقادات خاطئة بأنّ المرأة ضعيفة، وعاطفية، وقليلة الخبرة، فهل عاطفة المرأة تُدينها وتبرّر استبعادها من المشاركة والتشارك في رسم ملامح حياة أبنائها.

إنّ الطبيعة العاطفية للمرأة فخرٌ لها وضرورة خلقت عليها لتوزان الصغار نفسياً، وإذا كانت ضعيفة وقليلة الخبرة، فهذا نتاج التّضييق عليها من قبل الرّجل، وتهميشها وتقييد حريتها، وعاطفة الأمّ تجاه صغيرها تُعطيها صبراً وجلداً على التربية بشكل سليم ومتوازن.

في قانون العقوبات لم يقتصر التمييز ضدّ المرأة بالتّصرفات القانونيّة، بل امتد ليطالها جسدياً وبعقوبات أشدّ من عقوبات الرّجل، فعلى سبيل المثال لا الحصر، جريمة الزنى أو جنحة الزنى هي جنحة اجتماعية وقانونية معاً، وتُشكل أحد الحدود المذكورة في القرآن، وقد عاقب القرآن مرتكبيه بأشدّ العقوبات، إلاّ أنّه وضع شروطاً يَصْعب تطبيقها (من أربعة شهود ذكور أحرار ومسلمين، وأن يكونوا قد شاهدوا واقعة الزّنى).

ممّا يعني أنّ العقوبة ليست للتطبيق إلاّ في حالات نادرة، وتغلب عليها الصدفة، وعقوبة الزّنا في النصّ القرآنيّ مفروضة على مرتكب الجرم دون النّظر إلى تميّيز جنس الفاعل.

إلاّ أنّ المشرّع السوريّ لم يطبّق العقوبة الواردة في النصّ المقدس، وإنّما استمدّ النصّ من التّشريع الجزائي الفرنسيّ، علماً أنّها عُدّلت في بلد المنشأ.

وحسب المادة (473 ق.ع) تُعاقب المرأة الزانية بالحبس من ثلاثة أشهر وحتّى سنتين، ويقضي بالعقوبة نفسها على الشريك إذا كان متزوجاً، وإلاّ فالحبس شهر إلى سنة.

فيما خلا الإقرار القضائيّ والجنحة المشهودة لا يقبل من أدلة الشريك إلاّ ما نشأ عن الرسائل، والوثائق الخطية التي كتبها، والملاحظ أنّه يوجد تمييز في العقوبة فيما إذا ارتكبت من قبل الزّوج أو الزوجة، ولكن إلى أي مدى يمكن الاختلاف؟

فحسب النصّ السّابق عاقب المشرّع المرأة الزانيّة دون النظر لكونها متزوجة أم عازبة، بينما ميّز بالنسبة للشريك إذا كان متزوجاً أم لا، وهكذا نلاحظ أنّ المرأة العازبة تعاقب بضعف عقوبة الشريك، إذْ أنّ النصّ في القانون السوريّ يُعاقب الزوجة بالحبس حتّى سنتين، والزوج بنصفهما.

والنصّ لا يُعتبر الزوج زانياً إلاّ إذا ارتكب الزنا في منزل الزوجية أو ضُبط بالجنحة المشهودة، ومن المثير للعجب الاختلاف في العقوبة رغم أنّ الجنحة واحدة إذ أنّ العقوبة مرتبطة بجنس الفاعل.

أما وسائل الاثبات والأدلة، فإنّنا نجد أن وسائل الاثبات المقبولة ضدّ الشريك مذكورة على سبيل الحصر(الإثرار، الجنحة، الرسائل، الوثائق الخطية)، فيما الزّنا المُرتكب من الزوجة يُمكن إثباته بكافة الوسائل.

أعطى القانون لعدد كبير من أسرة المرأة الحق بالادعاء لإيقاع العقوبة عليها محافظةً على شرف الأسرة، وكأنّ ارتكاب الزنا من قبل الرجل لا يخلّ بشرف العائلة. ولا يُلاحق الزوج إلاّ بالإقرار والادّعاء من قبل الزوجة.

والنتيجة مما سبق يظهر لنا بوضوح الطابع التّمييزيّ الذي يتسم به القانون السوريّ، وهذا الطابع يذهب في البعد والامتداد إلى درجة القتل والاعتداء على حياة المرأة لمجرّد الشبهة، وليس لدينا متسع من الوقت لمناقشة بقية المواد التمييزية في قانون العقوبات مثل الأعذار المخفّة والمحلة.

أخيراً وليس آخراً، كسوريين نطمح إلى إلغاء كلّ أشكال التّمييز والعنف في بلدنا، فلا يكون هناك تمييز على أساس العرق، أو الدّين، أو الجنس، أو النّوع الاجتماعي، ونكون جميعاً مواطنين متساويين في الحقوق والواجبات في ظلّ دستور عصريّ ديمقراطيّ، وفي ظلّ دولة المواطنة المتساوية، وهذا يحتاج بالطّبع لنضالٍ طويلٍ وشاقّ ننخرط فيه يداً بيد، رجالاً ونساء.

انعام نيوف